No Script

مشهد

ولا عزاء للنساء

No Image
تصغير
تكبير

منذ شهور عدة قتلت بوحشية الفتاة الفلسطينية إسراء غريب من عائلتها ضربا حتى الموت، وذلك بعد أن كسروا عمودها الفقري، وبكل برود أعصاب ادّعى أهلها أنها كانت ممسوسة من جنّي وأنهم في محاولتهم لطرده فقدت حياتها. سيدة أخرى في الأردن اقتلع زوجها كلتا عينيها انتقاماً منها لأنها طلبت الطلاق والنفقة بعد أن عادت له حرصاً منها على أولادها. اقتلع عينيها بسكين من دون أن يرف له جفن أو يهتز له ضمير أو تتحرك له مشاعر، وفعل ذلك أمام أبنائها الصغار في صورة وحشية يعجز أن يفعلها الحيوان في فريسته.
نماذج من البهيمية والوحشية المطلقة التي جعلت من الرجل حاكماً بأمره، يقتل هذه ويمزق تلك ويغتصب ثالثة ويحتقر رابعة، في سلسلة لا تنتهي من الأفاعيل القذرة تعجز الكلمات عن وصفها ويتوقف العقل عن استيعابها.
أما عن جرائم الشرف فحدث ولا حرج، هذه الظاهرة المؤلمة والمؤسفة التي يكون من ضحاياها فتيات جميلات في مقتبل العمر، يدفعن ثمن الشكوك والظنون ويقعن فريسة الأعراف والتقاليد، وضحية لوحشية الأهل في محاولة منهم «لغسل العار»، الذي لحق بهم جراء أفعالها غير الأخلاقية كما يقولون!


عشرات بل مئات من القصص التي نسمعها ونتابعها، ونعجب من هذا الكم من القتل وسيل الدماء والوسائل البهيمية في مقارعة المرأة وتعنيفها بشكل يتجاوز كل خلق، والأدهي أن هذه الظاهرة بدأنا نلاحظها بشكل متزايد في دولنا العربية وبشكل ملفت للنظر... إذا أين يكمن الخلل؟ ولماذا رغم كل التطور الحضاري والثقافي والديني والمجتمعي ما زلنا نشاهد تلك الأحداث المؤسفة؟ هل هو خلل في القوانين والتشريعات؟ أم أنه عرف جرى اكتسابه بأن المرأة عبارة عن  تابع وخادم للرجل، وأن ليس لها من الحقوق سوى ما يتكرم ويعطيها إياها؟ أم أنه بكل بساطة غياب للقانون وكأننا في حارة «كل من إيدو إلو».
وجد القانون لتفرضه الدولة ويلتزم به المواطن، أما شريعة الغاب وقانون القوي وسلطة الرجل المطلقة فالمفروض أنه ليس لها مكان، ولكن حين يشعر الرجل بأن القانون يسانده والقضاء لن ينصف المرأة لسبب أو لآخر فإنه سيستمر في طغيانه ويستمرئ التعذيب الوحشي مستغلاً ضعف المرأة وعدم قدرتها على حماية نفسها فيقطع أوصالها، ومنهم من قطع لسان زوجته، ومنهم من حرق وجهها، ومنهم من مثّل بجثتها بعد قتلها تحت حجج واهية وأعذار قبيحة، فيأتي القضاء ليبرر للبعض منهم فعلته بحجة الدفاع عن الشرف وسمعة العائلة.
لقد تجاوزتنا الأزمنة في الدول الأخرى بمئات السنين، وضعت شرائع تقيد من سلطة الرجل المطلقة بالذات في تعامله مع الجنس الناعم، وأقرت القوانين وطبقتها بكل أمانة، فلم نعد نسمع عن تلك الأهوال إلا في الدول المتخلفة ذات الأفكار الرجعية، والتي عادت بنا إلى ذلك الزمن الذي كان الرجل فيه يدفن ابنته لأنها عار عليه وعلى أسرته.
العين بالعين والسن بالسن وعلى الظالم تدور الدوائر، فمن قتل يقتل ومن اقتلع عيني زوجته تُقتلع عيناه، ومن حرق وجه امرأته بماء النار يحرق هو كذلك وعندها سيرتدع الأحمق ويرعوي، وسيزجر كل باغ وطاغ في الأرض وسيعرف أن الجروح قصاص وأن البادي هو الأظلم.
إن مناهج التعليم والتوعية المجتمعية لهما دور كبير في وأد هذه الأفكار الرجعية في مهدها، ومنعها من الظهور في الأجيال المقبلة، وعلى طلابنا أن يتعلموا أن الأنثى أخت الرجال وصنوهم ولها من الحقوق وعليها من الواجبات ما للرجل وما عليه، وأن ضعفها الجسدي لا يبيح لهم التنمر عليها وإهانتها في كل شاردة وواردة بذرائع وحجج واهية.
يداً بيد سنتمكن من تجاوز هذه المحن والعثرات، وعليه فإنه لزام علينا جميعاً رجالاً ونساء أن نوقظ ذلك الضمير الميت في صدور البعض من الرجال، وأن نردعه باللين أحياناً وبالقسوة أحياناً أخرى وإلا فإن الأمور ستزداد سوءاً، وتضيع حقوق المرأة بين جنبات المحاكم وأروقتها والأعراف البالية، التي ما أنزل الله بها من سلطان.

z_alweher@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي