«الراي» تحدّثتْ إلى عائلة «شهيد» البؤساء في لبنان

«نصف دولار» لطفلته كَسَرَ قلْب ناجي الفليطي فـ... شَنَقَ نفسه

u0646u0627u062cu064a u0627u0644u0641u0644u064au0637u064a u0645u0639 u0627u0628u0646u062au0647
ناجي الفليطي مع ابنته
تصغير
تكبير

تعب ناجي الفليطي من عجْزِه عن تأمين أدنى متطلبات عائلته، بعدما لفّ الفقرُ حبلَ أشواكه على عنقه...
كان ابن بلدة عرسال (البقاع الشمالي) كالميت على قيد الحياة، يعاني من دون أن يسمع أنينَه إنسانٌ... أَوْجَعَه غدْرُ الزمن، فحتى ربطة الخبز لم يكن يملك ثمنها، إلى أن طلبتْ منه ابنته ألف ليرة لبنانية (نصف دولار)... فكانت «القطْرة» التي طفح معها «الكأس المُرة» والتي أَدْمعتْه وأدْمت قلبه «المخنوق» فقرّر وضْع حدّ لحياته صباح الأحد بشنْق نفسه خلْف منزله، ليفجّر بموته المُفْجِع «صرْخةً» مجبولةً بقهره الذي يختزن «بؤساء» صاروا كثيرين في لبنان «يعيشون من قلّة الموت».
على بُعد ما يزيد على 122 كيلومتراً عن العاصمة بيروت، كتب ناجي السطر الأخير من حياته مُنْهياً بيديْه قصته الحزينة التي صارت «الحدَث الرقم واحد» في لبنان الذي أَخَذَ واقعُه المالي المُتداعي يستولد مآسي اجتماعية بدأت تَخْرج «من خلف الجدران» في زمن «ثورة 17 أكتوبر» التي تشكّل انتفاضةً بوجه وضْعٍ كارثي نُسجتْ فصولُه تباعاً عبر إدارة سياسية و«تقنية» للبلاد وجد أبناء «بلاد الأرز» أنفسهم معها في قلْب أزمة مالية واقتصادية ومعيشية غير مسبوقة وباتت تستحضر مَخاطر من زمن الحرب العالمية الأولى و«مجاعتها» المُرْعبة لم يعد يكتمها نوابٌ صاروا يُطْلقون تحذيراتهم «بالفم الملآن» وأبرزهم قبل يومين ميشال معوّض.


الفليطي المتأهّل من اثنتين، وله ولدان رنيم (ست سنوات) ومحمد (سنة واحدة) عانى منذ ستة أعوام بعدما اضطره وضْع زوجته الصحي المصابة بالسرطان الى ترْك المؤسسة العسكرية لتربية ابنته. وهو عمل في منشرة للأحجار قبل أن تغلق أبوابها بسبب الأوضاع الاقتصادية. وبعدما حاول جاهداً وبلا جدوى البحث عن وظيفة جديدة تمكّنه من تأمين قوت عائلته وأدوية زوجته، بدأ الدين يثقل كاهله، من مبلغ مئتي ألف ليرة (نحو مئة دولار) لدكان الحي ثمن مواد غذائية متواضعة (برغل، أرز، عدس وما شابه) الى مبلغ مالي استدانه من شقيقه وغيره، كان الدين كالجبل على كتفيه، فأتعبه وسدَّ باب الأمل في وجهه، ولم يجد الخلاص منه سوى بالانتحار.
في الأيام الأخيرة، عانى ناجي (الأربعيني) من الاكتئاب، وأصبح قليل الكلام، ليعبّر في آخِر جملة قالها لزوجته عن أنه لم يعش وعائلته يوماً جميلاً، قبل أن تطلب منه ابنته ألف ليرة ويجد نفسه عاجزاً الى هذه الدرجة، فسار برجليْه الى حتفه، علّق مشنقته وأنهى حياته، علّ ألمه... يموت.
وبحسب ما قاله شقيقه حسن لـ «الراي»، فإن «الوضع المأسوي هو الذي تسبّب بالكارثة التي حلّت علينا، حارمةً ولديْ ناجي وزوجتيه من سنَدهما، مع العلم ان الغالبية العظمى من اللبنانيين يعيشون ذات الوضع، لكن ناجي لم يعد يتحمل شعور العجز».
وأضاف: «قبل أيام من المصيبة التقيتُه، وأطلعني على أوجاعه والقهر الذي يعيشه وعدم قدرته على العثور على وظيفة، وعندها طلبتُ منه التوجه الى صديقي أبو أحمد الذي يملك منشرة للأحجار لسؤاله عن عمل، وبالفعل بدأ العمل لديه، إلا أن مخاوفه من أن يلقى ذات المصير السابق بقطْع رزقه، وكونه بدا وكأنه اتّخذ قرار الانتحار مسبقاً أقدم على هذه الخطوة».
من جهته، قال صهر الضحية قاسم الشيخو انه «قبل ساعات من المأساة كان ناجي يسهر في منزل عديله، أخبره عن يأسه ومعاناته قبل عودته الى منزله، ليتوجّه قرابة الساعة الخامسة الى خلفية المنزل ويضع حبلاً على سلّم خشبي ويشنق نفسه».
وتابع: «لدى ناجي زوجة مريضة وأخرى تعمل في تنظيف المنازل لمساندة زوجها في حاجيات ابنهما، وقبل موته كانت في محفظته 23 الف ليرة قرّر تقسيمها بين زوجتيه، 10 آلاف لكل واحدة منهما، وذلك كبدل إبرة مسكّن لزوجته الأولى وحليب لطفله من زوجته الثانية، أما الثلاثة آلاف ليرة الباقية فأراد شراء علبة دخان بها، وعندما طلبتْ منه ابنته ألف ليرة وجد أن ما لديه من مال لا يكفي».
تقرير الطبيب الشرعي أشار، كما قال قاسم، إلى أن «ناجي لفَظ آخِر أنفاسه عند الساعة الخامسة من فجر الأحد، وكان والده أول مَن اكتشف المأساة، بعدما طلبت زوجة الضحية منه أن يتوجه الى خلفية المنزل لجلب غرض، فتفاجأ بهول المشهد، كما تفاجأنا جميعاً بخبر فقداننا له بهذه الطريقة المروعة». وأضاف: «مئات الآباء والشباب يعانون في عرسال ومختلف المناطق اللبنانية من البطالة والفقر، لذلك نتمنى على المسؤولين ان يتحمّلوا مسؤوليتهم ويولوا اهتمامهم الى الشعب، بتأمين فرص عمل للقضاء على الفقر».
يوم الأحد ووري ناجي في الثرى، التحف تراب بلدته، تاركاً ولديْه وزوجتيْه وحيدين يصارعون الحياة القاسية بعدما رَحَلَ مَن فضّل الموت على أن يرى ابنته «تنكسر» أمام عينيْه بسبب نصف دولار لم يقوَ على توفيرها، فصار حبلُ المشنقة وكأنه «حبل نجاةٍ» من الألم والقهر والعجْز، في واحدةٍ من أكثر المآسي التي «صعقتْ» اللبنانيين (35 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر والخشية أن ترتفع هذه النسبة تباعاً) وأغضبت المنتفضين الذين وجهوا إصبع الاتهام الى فساد المسؤولين، مستذكرين حادثة انتحار جورج زريق في فبراير الماضي في بلدة بكفتين - قضاء الكورة حيث أحرق نفسه لعدم تمكّنه من دفع أقساط مدرسة ابنته.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي