رؤى
المجلس والدورة الأخيرة
جميلة وممتعة تلك اللحظات عندما أجلس أمام شاشة التلفاز لمشاهدة بطولات ألعاب القوى، والأجمل والأمتع إذا كانت ضمن برنامج سباقات المسافات الطويلة، التي يصعب تكهن الفائز فيها، حتى آخر لحظة بسبب كثرة الخطط والمهارات ووسائل التحدي النفسية.
في سباقات الجري تظهر تكتيكات لدى العدائين لا يلحظها المشاهد العادي، وينتبه إليها المتخصصون والجماهير الواعية المحبة للعبة، وهي التي تتعلق بتوزيع المجهودات في الدورات الأولى، واستخدام بعض المهارات في العدو موزعة طوال مدة السباق، بالإضافة إلى إيهام الخصوم بخطط مغايرة، ورغم كل هذا الجهد الخططي والمهاري الا أن الدورة الأخيرة تخرج عن السيطرة فتكون مختلفة.
في آخر دوران وقبل بلوغ خط النهاية قل من يلتزم بالخطة المعدة سلفاً، إما لحدوث بعض الاختلالات في خطط البداية والمنتصف وإما لعدم القدرة في الالتزام بالمهارات المطلوبة، أو حتى عدم توقع قوة الخصوم، ولذلك في الدورة الأخيرة ترتفع فيها حدة المنافسة إلى أقصى درجة، ويبدأ كل عداء بإخراج كل ما لديه من قوة وجهد وكشف آخر الورقات الرابحة سواء كانت مهارية أو خططية، وأنت تشاهد بشغف وترقّب من سيكون الفائز، فما أجمل تلك المنافسات وما أحلى تلك اللحظات الممتعة، التي تشاهد فيها جل عزائم الرجال والنساء أيضاً.
وحتى لا أخفي عنكم شيئاً مما يدور في ذهني، أحياناً أرى وجه الشبه كبيرا بين بعض أعضاء مجلس الأمة وممارسي ألعاب القوى، ودائماً ما يبرز ذلك في آخر دور انعقاد عندما يبدأ عدد من النواب في استخدام آخر الأوراق الرابحة، ويتجهون إلى طريق النهاية بكل ما يملكون من قوة، حتى يضمنوا العودة إلى البرلمان من جديد، من خلال سباق الانتخابات، فتكثر في آخر سنة أو في الدورة الأخيرة التصريحات الإعلامية الرنانة، وتبني القضايا الشعبية لدغدغة مشاعر الناخبين أو حتى تحديد المسار بين نائب معاملات أو نائب معارض أو نائب استجوابات، ونائب يقدم مصلحة الشعب والوطن على مصلحته الشخصية والعكس إلخ، باختصار هم يقدمون كل ما يملكون ويستطيعون تقديمه، ولكن لا يلاحظ ذلك إلا الجمهور الواعي مثلما في مدرجات ألعاب القوى.
على كل حال، نصيحتي - حتى تكون أكثر إدراكاً وتشاهد كل ما يحدث في الميدان دائماً - ضع نفسك مكان جمهور مدرجات المنتصف، فكلما صرت مع جماهير الرابطة المتعصبة ستقل زوايا المشاهدة والتقييم، وستكون النظرة واضحة لديك من جانب واحد، وتقل في الجانب الآخر، فتعقّل ولا تتعصب لأن التعصب آفة تأكل العقل.