فشلت الحكومة - على عادتها - في تهيئة الأجواء وخلق المناخ المناسب لوجود معارضة قوية رصينة، تحترم قواعد اللعبة السياسية مع قوتها وصلابتها، وتكون بعيدة عن الأخطاء التي قد تمس استقرار البلاد والحياة فيها، بل لا نكون متجنين لو قلنا إن الحكومة نجحت في غلق كل الأبواب أمام وجود مثل هذا النوع من المعارضة.
لم تدع الحكومة لأي تيار سياسي منظم أو غير منظم، كما أنها لم تدع لأي مهتم بالشأن العام إلا أحد خيارين لا ثالث لهما: إما أن تكون من صعاليك السياسة تصنع ثروات الحرام من ممارسات يفترض بها أنها سياسية، أو أن تكون معارضاً لا تعرف الخطوط الحمراء في العمل السياسي، فيتحول هذا العمل إلى شبه «ثوري» أو قريب منه، لا خيار لدى الحكومة إلا أحد هذين الطريقين! مع وجود طريق ثالث رديف للأول: هو أن تعمل ضمن صعلكة المواقع الإعلامية، فتضرب وتسلخ وتنفخ وتمارس الرذيلة الإعلامية من أجل مساندة الخيار الأول المفضل لدى الحكومة!
بلا شك أنه ليس من مسؤولية الحكومة خلق تيار معارض منطقي، لكن مسؤوليتها في عدم إفساد الحياة السياسية وتحويلها إلى حياة تشبه اللعب في صالات اللهو! مسؤوليتها في عدم ترسيخ ممارسات شراء الذمم التي أصبحت أفضل وأسرع وسيلة للثراء الفاحش في حياتنا السياسية، تلك هي مسؤوليتها التي تخلت عنها وتمسكت بضدها!
الحقيقة أن الحكومة أحوج من الشعب لوجود تيار معارض ولحركة معارضة قوية وصلبة ومنطقية، حتى لو خرجت بعض ممارساتها عن الحدود السياسية الواقعية، لكن حاجة أي حكومة لمثل هذا التيار المجتمعي المعارض لا تقل عن حاجة أفراد المجتمع لتحقيق الصالح العام، المعارضة في هذه الصورة هي الدافع لأي حكومة للعمل الجاد وتصحيح الأخطاء.
حتى هذا الإحباط الذي أصبح يملأ حديث الناس ومنتدياتهم وكتاباتهم والذي تنتقده الحكومة، هو مسؤوليتها أيضا، فهو إما أن يكون حقيقة نتج عن سوء الأداء، أو أنه مبالغ فيه تتخلله قصص خيالية عن الفساد، وهذا أيضا مسؤولية حكومية إذ إن واجبها التصدي بصدق لمثل هذه الاشاعات إن لم تكن حقيقة، لكن الأذرع الإعلامية الحكومية منشغلة بأشياء أخرى، ظاهر الحال أنها «أهمّ».
«تدجين» المجتمع بالمال الحرام وتحويله إلى لاهث خلف هذا النهر الجاري من مال الدولة المستباح، ليس عملاً سياسياً أبداً، وليس به أي إحكام للسيطرة على هذا المجتمع، هذه مجرد عملية انشاء حظيرة «دواجن» سياسية لاهثة خلف «الحبوب» المسروقة، ولو امتنعت الحكومة والمتنفذين عن إفساد العملية السياسية برمتها، لوُجدت حركة سياسية وإعلامية معارضة تصحح أخطاءها بنفسها، وتكون ذراعاً قوياً لأي خطوة ومسيرة نحو إصلاح أي وضع أو مشكلة هذا ما نفتقده للأسف!
@lawyermodalsbti