أصبوحة

الحريات

تصغير
تكبير

الحرية هي أثمن ما يمتلكه الإنسان، وهي قيمة كبرى من قيم الحياة، ومكون أساسي من مكونات الدولة المدنية الديموقراطية، وخلال التاريخين البعيد والقريب، ارتكبت مجازر ومآسٍ في المجتمعات المختلفة من أجل نيل هذه الحرية، التي تعتبر حقاً طبيعياً للإنسان.
وفي كل مجتمع هناك ثقافات عدة، وعادات وتقاليد عدة وليس تقاليد واحدة، رغم أن هناك قيماً وتقاليد مجتمعية مشتركة، فاختلاف الثقافات في المجتمع، تولد عادات وتقاليد مختلفة أيضاً، فلا يستطيع مكون من مكونات المجتمع، أن يفرض قيمه الاجتماعية أو أيديولوجيته على باقي المكونات.
لكن إضافة إلى وجود القيم الاجتماعية المشتركة بين أبناء المجتمع بكل مكوناته، فهناك شيء جامع آخر هو الدولة المدنية الديموقراطية، التي يحكمها دستور وقوانين، تشمل جميع أبناء المجتمع ومكوناته على اختلاف قيمهم وثقافاتهم الخاصة.
بالطبع لا يوجد حريات أو شيء مطلق في الحياة، فكل شيء نسبي وله حدود، والحريات لها حدود ينظمها القانون، لكن هذا لا يعني أن القوانين يجب أن تعلو على مواد الدستور الجامع، أو أن تلغي هذه القوانين مواد الدستور وروحه بحجة التنظيم، ولا يجب أن تقيد الحريات باسم القوانين، فالدستور هو أبو القوانين، وهو ليس صياغة إنشائية خالية المفعول، أو مجرد حبر على ورق، فالدساتير لا توضع لمراعاة مصالح فئة معينة أو مكون من مكونات المجتمع.
الدولة المدنية الجامعة لكل الأديان والمذاهب والأعراق والثقافات، تضع دساتير وقوانين تراعي مصلحة الجميع، وتحترم الاختلاف بين الثقافات والقيم المتعددة، وتستمد الدساتير وقوانينها المنظمة قوتها من القيم الإنسانية المشتركة.
في الكويت سنت الحكومة قوانين منظمة للحريات، لكن بدلاً من أن تستهدي هذه القوانين بمواد الدستور وروحه، جاءت متعسفة في تنظيمها المفترض، وعملت بشكل متناقض تقريباً مع الدستور وروحه، والغايات التي كتبت في مواده ومذكرته التفسيرية، بهدف لجم هذه الحريات وبالتالي نقض ما جاء به دستور البلاد، ومن اعتبار الحريات مكوناً أساسياً من مكونات الدولة المدنية الديموقراطية.
وقد ساهمت القوانين الانتخابية المتتالية، بوجود بعض الأعضاء في المجلس النيابي لا يمثلون كل الأمة، ولكنهم يمثلون مكوناً واحداً وثقافة واحدة في المجتمع، وهؤلاء الأعضاء هم من ساهموا بسن وتشريع هذه القوانين المقيدة للحريات، والمناقضة لمواد الدستور، تحجّم الطبيعة الأصيلة للمجتمع الكويتي، قبل ثمانينات القرن الماضي، وأيضاً وجود قوى نيابية ذات مرجعيات وأيديولوجيات ماضوية، واستجابت لهم الحكومة، حتى تحول الدستور حبراً على ورق.
إن إصلاح تراجع البلد في جميع المجالات، يستلزم إصلاحات سياسية أولاً، تعيد الاعتبار لقيم الحرية وتفعيل مواد الدستور، وتنظيمها بحيث تنسجم مع ما جاء بالدستور، والبدء بتغيير القانون الانتخابي، وإكمال هذه الديموقراطية، عن طريق سن قوانين تسمح بوجود أحزاب على أساس وطني لا طائفي ولا قبلي، وتطبيق ما وضعه الآباء من مواد، تضمن استنارة وتحضر وتطور هذا البلد.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي