No Script

تقرير / أشادت برؤية الكويت الثاقبة للمصلحة الاستراتيجية الخليجية

المجموعة الأكاديمية لفلسطين تنبّه من خطر التطبيع على المصلحة الوطنية للدول العربية

No Image
تصغير
تكبير

إسرائيل لن تحارب إيران نيابة عن أحد 

تاريخياً ارتبط الدعم العربي للقضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع إسرائيل بأسباب عقائدية قومية وإنسانية أيضاً. إلا أنه برزت محاولات عدة في السنوات الأخيرة لإحداث نوع من تطبيع للعلاقات بين عدد من الأنظمة الرسمية العربية وحكومة الاحتلال لأسباب شتى، فقد ارتأت بعض هذه الأنظمة أن في ذلك خدمة لمصالحها الوطنية وأيضاً لخدمة واستقرار الأنظمة نفسها.
المجموعة الأكاديمية لفلسطين طرحت هذا التساؤل على أعضائها، والذين ارتأوا أن تطبيع العلاقات الرسمية العربية مع تل أبيب سيكون له ثمن باهظ يمس بالمصلحة الوطنية للدولة العربية بالدرجة الأولى ويمكن رؤيته على عدة مستويات منها السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية.
سياساً، يرى إبراهيم فريحات أن التقارب العربي مع إسرائيل سيحدث نوعاً من التوتر السياسي داخل الدول التي قد تحدث مثل هذا النوع من التقارب. وللتدليل على ذلك؛ فلم تنتقل اتفاقات السلام مع إسرائيل من اتفاقات مع أنظمة رسمية للتطبيع مع شعوبها، بل بقيت مسألة رفض التطبيع الشعبي نقطة توتر حتى بين إسرائيل والأنظمة الرسمية التي لطالما تساءلت الأولى عن المعنى الحقيقي للسلام والجدوى من توقيع اتفاقيات في ظل الرفض الشعبي لإقامة مثل هذه العلاقات. هذا لا يعني أن العواصم العربية ستشهد مظاهرات تطالب بإسقاط الأنظمة المطبعة في اليوم التالي، ولكن التطبيع سيصبح عامل توتر إضافياً ويوسع من الفجوة بين الأنظمة والشعوب.
وفي هذا الصدد، يشير خالد الحروب إلى أنه سواء في حالات المعاهدات العلنية أو العلاقات السرية، فقد ظلت العلاقة التطبيعية مع إسرائيل محصورة في الدوائر الرسمية، وانسدت كل أوجه التطبيع الشعبي أمام المحاولات الإسرائيلية اليائسة والمتواصلة حتى اللحظة. فلم تستطع إسرائيل اختراق أي شعب عربي لها علاقة علنية أو خفية مع نظامه، ذلك أن وجدان الشعوب العربية ظل نقياً وصارماً تجاه إسرائيل وصهيونيتها وعنصريتها.
الرفض الشعبي للتطبيع مع دولة الاحتلال يلقي بظلاله على الأوضاع الداخلية للأنظمة التي يمكن لها أن تدخل في علاقات تطبيعية من هذا، حيث تستمد الأنظمة عادة شرعيتها من الداخل وهي في الغالب الشرعية الأصلب والأكثر حماية، خصوصا عند مقارنتها بأنماط أخرى من الشرعية مستمدة من الخارج أو من الدور الوظيفي لها في النظامين الإقليمي والدولي.
ويستحضر شفيق الغبرا في هذا السياق تجربة اليمين اللبناني في السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي في التطبيع مع إسرائيل وكيف تحول ذلك التطبيع وبالا على لبنان وعلى المشاركين به. فقد أنتج التطبيع مقاومة شرسة من قبل قطاع كبير من اللبنانيين، وكانت النتيجة تخلي إسرائيل الكامل وتخلي الولايات المتحدة عن حلفائها في لبنان واستفراد سورية بالوضع اللبناني. نفس النموذج قد يتكرر اليوم، ولكن بلاعبين مختلفين، ويسوق الغبرا تجربة سعد حداد وأنطوان لحد في التعامل المباشر مع إسرائيل نموذجا لكيفية تخلي إسرائيل عن من يتعامل معها في المراحل المفصلية.
وفي مسألة العلاقة مع الجماهير، ينبّه الغبرا الى أنه بالنسبة لإسرائيل فكل العرب هم امتداد للفلسطينيين حتى لو قالوا بعكس ذلك، وكل الفلسطينيين امتداد للعرب حتى لو قالوا بعكسه، وعليه؛ فإن التطبيع الرسمي الراهن سيعني عملياً إدامة الصراع العربي الإسرائيلي لعقود مقبلة، وهذا ما لا تراه القوى السياسية الرسمية المنغمسة بالتطبيع. فالشعوب العربية ستشعر، بسبب ما يقع في هذه المرحلة بمزيد من الإهانة والخسارة في الداخل والخارج. لنتخيل لو طبعت كل أفريقيا مع نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا لكان البيض تحكموا بأفريقيا لعقود طويلة. فالتطبيع العربي مع نظام عنصري إسرائيلي سيؤدي الى إطالة عمر الاحتلال وتعزيز قدرته على التأثير في القرار العربي لعقود طويلة. فالمصلحة العربية تقتضي بالدرجة الأولى تفكيك النظام العنصري الإسرائيلي - كما فككت أفريقيا نظام «الأبارتايد» - حتى لا تنتقل هذه الحمى العنصرية الإسرائيلية للمنطقة العربية.
ينبّه غسان الخطيب إلى أهمية عدم الوقوع بالوهم والذي تحاول إسرائيل تسويقه للدول العربية على أنها المفتاح للوصول الى قلب الولايات المتحدة والغرب، صحيح بأن الغرب حريص على إسرائيل ولكن لكل دولة مصالحها الخاصة بهذا المضمار والتي تأخذ أولوياتها الوطنية. فواشنطن لديها مصالح لدى العرب لا يمكن الاستغناء عنها وليس لإسرائيل علاقة بذلك. ومن أهم هذه المصالح قدرة واشنطن على التحكم بأسعار النفط كسلعة استراتيجية كان لتخفيضها دور محوري بانهيار الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة عندما أوصلت سعر البرميل لأقل من عشر دولارات مما عمل على المساهمة بانهيار النظام الاقتصادي للسوفييت. كذلك هناك تعاون العرب في الحرب على الإرهاب بالإضافة الى العنصر الأهم لإدارة دونالد ترامب وهو مبيعات الأسلحة. فليس لإسرائيل دور في أي من العوامل الثلاثة التي تشكّل مرتكزات للسياسة الأميركية في العالم العربي.
كما يوضح الخطيب بأن التعاون والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية سيؤدي إلى هيمنة إسرائيلية على تلك الدول وتجييرها لمصالحها وذلك بسبب الاختلال الكبير في الموازين السياسية والاقتصادية بين الطرفين وكذلك بسبب العقلية والأيديولوجيا الإسرائيلية العنصرية المتعالية، والتي ترى في نفسها العقل والعلم – كما تعبّر عنه هي –وترى في العرب المال والمكان والكم، وتسعى للتكامل بينهما.
حالة الاختلال في الموازين وعلاقتها بالهيمنة يوضحها باسم الزبيدي في الجانب الاقتصادي، ويقول إن إسرائيل تنتج على سبيل المثال صناعات إلكترونية دقيقة وبرامج حاسوب ستجد طريقها للأسواق العربية الكبيرة في ظل مناخ تطبيعي، بينما لا يوجد صناعات عربية بالمقابل لتشق طريقها للسوق الإسرائيلي الصغير نسبيا. هذا سيؤدي إلى حالة من العجز التجاري لصالح إسرائيل، والدول العربية هي بغنى عن ذلك أصلا. كما أنه من المفيد ذكره بأن ما تحتاجه الأسواق العربية سواء كان من إلكترونيات أو برامج حاسوب أو تكنولوجيا زراعية هو متوفر وبشكل واسع في الأسواق الألمانية واليابانية وغيرهما، وبإمكان الدول العربية الحصول على ما تحتاج من هذه التكنولوجيا من دون أن تدفع أي ثمن سياسي يذكر، فلماذا تريد الأنظمة العربية تحمّل الوزر السياسي للتطبيع للحصول على بضاعة اقتصادية متوفرة بأسواق أخرى وفي أي وقت؟
بالإضافة لذلك، فإن تطبيعاً عربياً مع إسرائيل سيكون بمثابة بوابة لنشاطات اقتصادية دولية في المنطقة تعمل بأحد معطياتها على تعزيز دور مدن مثل تل أبيب لتصبح منافساً إقليمياً قوياً في الميادين الاقتصادية لمدن عربية. تحجم بعض الشركات الدولية في ظل المقاطعة العربية لإسرائيل عن تركيز نشاطاتها الاقتصادية الإقليمية في مدن إسرائيلية كونها تواجه صعوبة في التعامل مع الإقليم انطلاقاً من هذه المدن. ولكن إذا رفعت المقاطعة فإن مثل هذه المدن ستصبح منافساً قويا للمدن الاقتصادية العربية، وعندها لن يكون بمقدور الأنظمة العربية إعادة العجلة الى الوراء.
ولا بد هنا من التذكير بالموقف المتميز لدولة الكويت التي وقفت حكومة وبرلماناً وشعباً، موقفاً موحداً رافضاً لكل أشكال العلاقة مع دولة الاحتلال. الرفض الكويتي ينطلق ليس فقط من الالتزامات القومية والإنسانية بالوقوف في صف قضية عادلة ولكن أيضاً للرؤية الثاقبة للمصلحة الاستراتيجية لدول الخليج العربي واستقرار المنطقة من على ضفتي الخليج. فلم يشهد التاريخ أن إسرائيل قامت بالحرب نيابة عن آخرين وهي بالضرورة لن تقوم بمحاربة إيران نيابة عن أحد.
من جهة أخرى، ينبه خالد الحروب إلى دور «الذباب الإلكتروني» الإسرائيلي في خلق مناخات تطبيع تحديداً في الخليج مع الدولة الصهيونية. فهناك مئات إن لم يكن ألوف من حسابات تويتر والفيسبوك وإنستغرام لإسرائيليين من الواضح أنهم يشتغلون ضمن برنامج أمني وسياسي واضح الأهداف، يتحدثون اللغة العربية ويستخدمون أسماء خليجية مزيفة، وتحوم مضامين منشوراتهم حول أفكار مثل «نكران الفلسطينيين لما قدمته الدول الخليجية من دعم»، «بيع الفلسطينيين أرضهم»، «عدم خوض إسرائيل أي حرب ضد الخليج»، «أحقية إسرائيل التاريخية بفلسطين وذكر بني إسرائيل في القرآن»... إلخ. وعادة ما تحمل البروفايلات الخاصة بهؤلاء أعلام وصور خاصة بدول الخليج، وتعكس «وطنية» متشددة، والنتيجة أنه يقع كثير من الفلسطينيين والعرب في فخ هذه المنشورات ويعتقدون أنها حقيقية ويبدأون في تداول وتوزيع هذه المنشورات من باب النقمة والحنق، يليه قصف الشتائم العشوائي المعمم. ويبتعدون في ذلك عن أحد أنجع طرق التعامل مع هذه المنشورات سواء أكانت حقيقية أم مزيفة، وهو قتلها في مهدها عن طريق عدم الرد وعدم المشاركة والتوزيع.
وبذلك، يبدو جليا أن الجهود التطبيعية تفتقر للمد الشعبي اللازم لمنحها المعنى والشرعية والاستمرارية، وتفتقر كذلك لرؤية استراتيجية ضرورية لتتمكن النظم من استخدامها لصالحها أو الحصول على أي مكاسب مقابلها وبالذات إذا نظرنا لكلفتها العالية. ما يجعل هذه المبادرات بمثابة هدايا ثمينة تقدم لإسرائيل بالمجان بما يخالف أهم قواعد العلاقات الدولية التي تقوم على المصالح المشتركة.

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي