واضح

النشوز السياسي!

تصغير
تكبير

أقول نشوزاً وليس نشازاً، فالنشوز مصطلح قانوني وشرعي يعني خروج الزوجة أو الزوج عن نظام وضوابط الحياة الأسرية من دون مبررات طبعاً، والمصطلح يشمل المرأة والرجل، وإن كنا - للأسف - نقصر هذا المفهوم الشامل العميق في حياتنا وممارستنا اليومية بحصره في خروج الزوجة عن طاعة زوجها، ونتغافل في أن الزوج قد يكون ناشزاً أيضاً، وليس الأمر كذلك في الفهم السليم، فالنشوز هو خروج عن نظام أسري وضوابط تم إقرارها والاتفاق عليها بموجب عقد زواج، ولهذا الأخير قواعد معلومة في ذهن المجتمعات على اختلاف مفاهيمها، المرأة قد تكون ناشزاً والرجل أيضاً، وليس الأمر قاصراً على مفهوم الطاعة الأجوف الذي ترسخ في أذهاننا!
الفكر السياسي والتيارات السياسية كثيراً ما يمارس فيه «النشوز»، والخروج عن ضوابط العمل السياسي وقواعده ويصبح مثل تلك المرأة التي تكسر نظام الحياة الزوجية راغبة في التمرد من قيودها، أو مثل الزوج الذي يسلك ذات السلوك، اكرر... من دون مبرر منطقي، وعادة ما «يولول» الطرف الناشز بعيوب وطغيان وفساد الطرف الثاني في حياته! وتبدأ الدعايات المشوهة بين الأهل والأقارب والأصدقاء لتبرير الخروج عن ضوابط مؤسسة الزواج!
نشوز التيارات السياسية وفكرها في كل عالمنا العربي، يتمثل اليوم جلياً بعمليات التنظير التي تمارسها تلك التيارات والبعيدة كل البعد عن الواقع، وتحقيق مصالح المجتمع، فكثير من تلك التيارات أو معظمها لا يملك إلا خيالاً واسعاً في التنظير لعملية الإصلاح فقط وليس لها برنامج عملي قابل للتطبيق، ولعلها لا تراعي أبداً مسألة التطبيق لأنه غير مهم بالنسبة لها، لأنها باختصار تعلم يقيناً أنها ليست في محك التجربة، فالعمل والأداء مطلوب من غيرها، وهي تمارس هذا التنظير لتظهر بمظهر المصلح الحريص على المصالح العامة، وللأسف تنجح في هذه الدعاية كما تنجح الزوجة في كسب تعاطف من حولها حينما تنشز!
في الوطن العربي هدمت التيارات السياسية أكثر مما بنت... معظمها... هدمت أنظمة مجتمعية قائمة واهمة الناس أنها تمارس عملية الإصلاح! الغريب والغريب جداً أن تلك التيارات لا تعمل ولا تطبق مبادئ الحريات والعدالة التي تنادي بها داخل أنظمتها الإدارية، بل هي تمارس داخلها أسوأ أنواع الديكتاتورية والتسلط، في المقابل استطاعت أن تهدم في المجتمعات نظامه الداخلي بدعايتها والآلة الإعلامية التي تلقى رواجاً بسبب عملية التنظير!
كل التيارات السياسية في الوطن العربي تنعت على أنظمة دولها، فيما تنعت بأنها سلطوية تمارس القمع وتحتكر السلطة والقرار، أمعن نظرك في سلوك تلك الأنظمة مع مخالفيها وفي سلوك التيارات السياسية مع مخالفيهم تظهر لك نتيجة واضحة للعيان أن السلطوية والقمع واحتكار القرار صفات للتيارات السياسية، مثلما هي صفات لكثير من الأنظمة وأن الأنظمة أحياناً أكثر تطبيقاً لمبادئ الحريات من تلك التيارات السياسية التي تتاجر بهذه المبادئ ليس إلا، أعلم يقيناً أن مثل هذا الكلام قد لا تستطيع بعض عقولنا العربية حتى سماعه، فضلاً عن قبوله والإيمان به! لكنه في النهاية هو الحقيقة الظاهرة من مراقبة سلوك التيارات السياسية في أوطاننا.

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي