جودة الحياة
الترفيه ضرورة أم ترف...!



من الكويت إلى جميع أنحاء العالم تنشط حركة السفر، تزدحم المطارت ويهرول الجميع إلى مدن العالم لقضاء العطلات الصيفية من بداية شهر مايو إلى نهاية أغسطس من كل عام، بحثاً عن الترفيه وتمضية أوقات ممتعة برفقة العائلة والأصدقاء، في مقابل الحصول على لحظات استثنائية تبقى حية في الذاكرة لسنوات، ينفق الناس أموالاً طائلة ويحلقون على ارتفاعات شاهقة عشرات الساعات على متن الطائرات، يقصدون وجهات مختلفة على ظهر المعمورة. إذاً الترفيه ضرورة من أجل تجديد الطاقة وتحقيق التوازن النفسي بعيداً عن ضغوط العمل، وغني عن القول إنه يتيح اكتساب معارف جديدة بزيارة أماكن مختلفة والتعرف على ثقافات وعادات شعوب العالم، فهو ليس محض فراغ وتبديد للوقت من دون جدوى، إنما هو ضروري لإسعاد الإنسان واستعادة التوازن النفسي والعقلي بعد شهور متواصلة من ضغوط العمل والحياة، قلة أماكن الترفيه في الكويت تدفع الناس للسفر إلى الخارج للعديد من الدول التي تتوافر فيها الخيارات الترفيهية الجيدة، وقضاء أوقات مختلفة وسعيدة أكثر مما هو متاح هنا في الكويت. ثمة صور وأنواع للترفيه وقضاء العطل الموسمية تلبي حاجات مختلف المراحل العمرية والاهتمامات الشخصية، فما يصلح للأطفال لا يجد فيه الكبار والشباب مزايا جاذبة تجلب المسرة وتروّح عن النفس. للترفيه عن النفس الكثير من الأهمية والفوائد التي تعود على الفرد بالنفع والفائدة، فهو يساهم في تحقيق التوازن بين متطلبات الفردّ البدنيّة والعقليّة والروحيّة، يساعد في إكساب الفرد مهارات وخبرات وأنماط معرفيّة جديدة، وتنمية مواهبه وزيادة قدراته على الابتكار والإبداع، إضافة إلى ذلك تساعد الأنشطة الترفيهية بوجه عام في إبعاد الفرد عن الإحساس بالضجر والملل وضيق الصدر وغيرها من الأحاسيس السلبية، كما يُنسي الفرد ما لديه من آلام حسية أو نفسية ويخفف من حدتها.
وتشير أبحاث علم النفس إلى أن للترفيه دوراً لا يمكن إغفاله في تحقيق الاتزان الانفعالي للشخص، وتنمية وتنشيط علاقاته الاجتماعية وتعد الحاجة للقيام بأنشطة ترفيهية عنصراً مهماً وأساسياً في علم النفس إذ يتضمن الترفيه الربط بين سلامة العقل والصحة البدنية، لأن الترفيه يتضمن تحريك العضلات والقيام ببعض الحركات الرياضية، فيما قد نعتبره نحن مجرد أفعال ونشاطات نقوم بها بغرض المتعة والتسلية وإضفاء بعض المرح على إيقاع الحياة اليومي لكسر الروتين. تفضيلات السفر وخياراته تتعدد بطبيعة الحال، فمن الناس من يختار القيام برحلات ترفيهية وتمضية أوقات الفراغ في محيط لا يتجاوز مقر إقامته، ومنهم من يختار السفر إلى أقاصي العالم، ولكن يظل الهدف دوماً البعد عن ضغوطات الحياة اليومية والعمل والواجبات الاجتماعية، غير أن الأمر يحتاج إلى تنظيم وإدارة وتدبير وفي كل الأحوال يتعين على الأفراد والجماعات أو الأسر التكيف مع الأعباء والضغوط الملقاة على عاتق كل منهم، والنظر إليها على أنها جزء من أدوارهم في الحياة، مع العمل على تخفيف هذه الضغوط وتوزيعها بشكل تصبح قابلة للتحمل وتكف من أن تصبح عائقاً أمام انسياب تيار الحياة بشكل طبيعي، كما ينبغي الفصل بين هموم العمل وهموم البيت بالتدريب على ترك هموم العمل على باب المكتب حتى لا تتكاثر هذه الهموم، وتزداد الضغوط والأعباء فيعجز المرء عن إنجازها بكفاءة. ويجب عدم التفكير في أكثر من موضوع في وقت واحد، أي تنظيم التفكير ما يقلل الإحساس بالضغوط والقلق بالإضافة إلى وجوب تنويع الاهتمامات وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية وإعطاء العمل التطوعي والخيري حيزاً من الاهتمامات الشخصية، فمن شأن الاهتمام بقضاء حوائج الناس ومساعدة المحتاجين من الفئات الضعيفة في المجتمع إثراء الحياة المجتمعية واستغلال الوقت، فيما يحسن من فرص الجميع في العيش بصورة أفضل. وبما أن الحديث عن الترفيه وقضاء الأوقات السعيدة والجيدة مع الأهل والأصدقاء فمن المناسب أن نركز على السفر كتجربة مهمّة ومثيرة تعطي للشخص، فرصة لزيادة معلوماته والاطلاع على ثقافات جديدة والتمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية والمواقع السياحية المهمة في العالم. وفي الوقت الذي تفرض فيه طبيعة عمل البعض وظروف حياتهم السفر والترحال من وقت لآخر، يجد آخرون متعة كبيرة في السفر والتنقل من بلد لآخر بحثاً عن المغامرة واستكشاف المجهول، بيد أن السفر يكون أكثر فائدة في ما لو كان بصحبة الأهل وأصدقاء مقربين للحصول على الكثير من المتعة والتسلية وخلق أجواء وأوقات مرحة والاحتفاظ بذكريات جميلة بصحبتهم. الترفيه صناعة تُنفق عليها الأموال الطائلة لجذب السواح من مناطق بعيدة في العالم، إذاً فهو ضرورة وليس ترف يسعى فيه الناس لتبديد أموالهم وأوقاتهم الثمينة بلا طائل، فمن منا لا يريد إدخال السعادة والانبساط والسرور على نفسه في عالم لاهث وسريع التغير والانفتاح كالذي نعيشه. بالترفيه وتمضية العطل الممتعة بعيداً عن أجواء العمل يتحقق التوازن النفسيّ والبدنيّ للفرد، خصوصاً في ظل ما يلازم الناس من هموم وضغوط نفسيّة وإرهاق غدت من السمات البارزة للحياة المعاصرة. هذه دعوة للانطلاق العفوي من قيود الحياة وضغوطها، وبفضل الميديا الرقمية وعصر السرعة والفضاء المفتوح يمكننا استعادة اللحظات السعيدة والذكريات المشتركة بكبسة زر، فقد أصبح بالإمكان توثيق كل لحظة سعيدة أو ذات خصوصية بالصور والفيديو، وبالتالي سيكون ثمة الكثير والكثير من الذكريات المميزة التي يمكن الاحتفاظ بها لأطول وقت، إذاً هناك فوائد كثيرة ومنافع تتحقق بالترفيه ترتبط بالسفر وتغير المكان وتتعاظم فوائده عندما يكون بصحبة الأهل والأصدقاء كما أسلفنا.
وهذه أمنية ودعوة للمسؤولين في البلد للاهتمام بالجانب الترفيهي وبالتخطيط لزيادة مشاريع وأماكن الترفيه... فالترفيه ليس بزيادة عدد المطاعم والأسواق التجارية ولا بأس من ذلك، ولكن المشاريع الترفيهية التي نقصدها هنا مثلاً إنشاء مدينة ملاهي كاملة متكاملة تحتوي على مختلف الألعاب الترفيهية، والتي تناسب مختلف الفئات العمرية، يمارس فيها الكبار والشباب والصغار حبهم للعب والمغامرة والاثارة وتمضية أوقات ممتعة، بدلاً من التسكع في الأسواق من دون هدف باعتبارها الملجأ الوحيد المتوافر للهروب من حرارة الصيف.
* مستشارة جودة الحياة
Twitter: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
talmutairi@hotmail.com