ربما كان الشيء شاقاً عليكم في الحال، وهو سبب للمنافع الجليلة في المستقبل وبالضد، ولأجله حَسُنَ شربِ الدواء المر في الحال، لتوقع حصول الصحة في المستقبل، وحَسُنَ تحمل الأخطار في الأسفار لتوقع حصول الربح في المستقبل، وحَسُنَ تحمل المشاق في طلب العلم للفوز بالسعادة العظيمة في الدنيا وفي العقبى. الإمام فخر الرازي، وهي القاعدة العظيمة في كتاب رب العالمين: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ).
وكم من إنسان أصيب بمحن ومتاعب كمن حُرم من الأب والأم، ومن فقد الأبناء، ومن أصيب بمرض فصبر ووجد الله تعالى يعوضه ويرزقه الخير.
من رضي بحكم الله تعالى وقضائه وقدره رأى الخير يأتيه من كل جانب، ومن يقع في آلام وشقاء يصبر حتى زواله، ويرى السعادة قد أحاطت به؛ لأن الله تعالى لا ينسى من صبر على الشقاء.
ومن أروع ما ذُكر في أسرار هذه الآية الكريمة أنه لا أنفع للعبد من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء؛ لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات وإن كرهته نفسه ولا شيء أضر عليه من ارتكاب النهى، وإن هويته نفسه فعواقبه كلها آلام وأحزان، وخاصيَّة العقل تحمُّل الألم اليسير لما يُعْقِبه من اللذة العظيمة والخير الكثير، واجتناب اللذة اليسيرة لما يُعْقِبها من الألم العظيم والشر الطويل، فنظر الجاهل لا يجاوزُ المبادئ إلى غاياتها، والعاقل الكيِّس دائمًا ينظر إلى الغايات المحمودة والمذمومة، فيرى المناهي كطعامٍ لذيذٍ قد خلط فيه سم قاتل، فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السمِّ، ويرى الأوامر كدواء كريه المذاق مُفْضِ إلى العافية والشفاء، وكلما نهاه كراهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول؛ فمن قوى يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحمَّلها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة.
وكما قال رسولنا الكريم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) فمن أصيب بآلام أو مصائب تشق على نفسه لا يفجع ولا ييأس من رحمة الله تعالى لأن أمر الله تعالى لاشك فيه النفع والصلاح، وكل مشقة بعدها تيسير.
aalsenan@hotmail.com
aaalsenan @