استوقفني قبل سنوات عدة مضت عندما - كنت أقوم بواجب العزاء في المقبرة لأحد الأصدقاء في أول أيام العيد - منظر ذاك الزحام الشديد هناك وطابور السيارات التي تنتظر الدخول وجموع كبيرة من الزائرين للمقبرة، وكثرة الذين يحرصون في العيد على زيارة موتاهم بِرّا بهم وحنينا لذكراهم، قطعاً لست ضد هذه الزيارات ولا ضد الحنين لذكرى الأعزاء الذين يرحلون عنا قبلنا.
ما استوقفني في الحقيقة هو علمي اليقيني بكثرة «القطاعة» في المجتمع والخلافات العائلية التي تمنع الوصل، استوقفتني تلك القصص التي نسمعها يومياً عن أشخاص قد تمر عليهم سنوات طويلة لا يرى فيها أحدهم عمّه «أخو ابوه» او خالته «أخت أمه» وبعضهم قد لا يعرف أبناء عمومته ولا أبناء خؤولته، ثم إن هذا الشخص نفسه تارك الأحياء في العيد ويحرص على زيارة قبر أبيه أو أمه برّاً بهما!
عمّك الذي قطعت صلته هو شخص حمله ذات الرحم الذي حمل أباك وأرضعته ذات المرأة، وهي التي ربي في حجرها أبوك وعمك... خالتك التي لا تعلم عنها شيئاً شاركت أمك في دم والدتهما وحليبها وجيناتها! أبناء عمومتك وأهلك يحملون «ريحة» أمك وأبيك اللذين تحرص على زيارة قبريهما، بينما أنت تقطع رحمك إهمالاً وكسلاً أو لأسباب تافهة يتقاطع الناس من أجلها ويفترقون!
العيد للأحياء لا للأموات... جعله الله فرحة ومناسبة يتواصل بها الناس، الوصل والحب والحميمية في الحياة... في هذه الدنيا... أما في الآخرة فلا أحد في حاجة لأحد! هنا يتواصل الناس ويحبون بعضهم، هناك قد أغنى الله كلا منا عن أهله وعشيرته!
«الوصل» أن تصل من وصلك ومن قطعك، أما أن تصل من وصلك فقط فأنت تكافئه وترد عليه زيارته ووصله، بدلاً من زيارة القبور زوروا الأحبة وأهاليكم وأقرباء موتاكم وخاصتكم ولا تقاطعوهم من أجل تفاهات الدنيا، صلوا أحبتكم في أيام العيد ما كان الوصل ممكناً قبل أن ينقطع بكم سبيله بحبل الفراق المكتوب على كل البشر.
@lawyermodalsbti