رؤية / والكتب أيضا تعدم!

من منحوتات الفنان سامي محمد


| سعاد العنزي |
تغييب الحريات، القتل والتعذيب والسجن, كلها مصطلحات تعود عليها الشارع العربي, مع تواتر الأزمات الواحدة تلو الأخرى, كما تعود المواطن العربي على أن يتحدث بصوت خافت عن السياسة والساسة, وأن يتلفت قليلا قبل أن يتحدث عن شيء خطير يمس أمن دولته, واعتدنا أيضا أن نسمع بين فينة وأخرى عن كاتب أعدم أو سجن, بسبب شطحاته الفكرية, وسبه للسلطة الحاكمة, فنجده يسخط على تلك اللحظة التي امتطى بها جواد الحقيقة.
ولكن...
إعدام الكتب مصطلح جديد من المصطلحات التي باتت تتردد في الفترة الأخيرة, في الأوساط الثقافية؟ كيف تعدم الكتب؟ وبأي محكمة؟ وما الدوافع وراء ذلك؟ وما الخطوط الحمراء التي تجاوزها ذلك الكاتب أو ذاك حتى يلغى كتابه من الخارطة الفكرية والثقافية في العالم؟
تفاجأت منذ أيام بوصول رسالة الكترونية من رابطة القلم المغربي, بشجبها لإعدام كتابين لمؤلفين, وتريد جمع أكبر عدد من الكتاب الذين يشجبون ويرفضون ما حدث؟ لأول وهلة كنت أعتقد أن مؤلفي الكتب هم الذين قتلوا, كما هو متواتر عن قتل المفكرين في الجزائر والعراق وغيرها من الأقطار التي تسيطر عليها بعض التيارات المتطرفة.. ولكن ما إن قرأت الخبر تكرارا ومرارا حتى علمت إن مؤلفات الكاتبين هي التي طحنت وصودرت من قبل دار نشر رفضت إعطاء المؤلفين حقوقهما المادية.. وبعد استمرار الكاتبين بالمطالبة بحقوقهما فإن أجدى وسيلة لإكرام الكاتبين طحن الكتب, وإلغاء نتاج أفكارهم وجهوهم التي بذلوها شهورا وسنينا من البحث المضني والعمل الدائب, فضاع الأجر, وضاع الأثر, ! وفيما يلي جزء من الرسالة الالكترونية التي وصلتني:
«في المغرب...
إعدام الكاتب حادث لا يستحق الانتباه!
أقدمت الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة (سبريس) في الدار البيضاء المغرب على إبادة مؤلفين لكاتبين مغربيين وضعا كتابيهما في عهدة سبريس للتوزيع في مجموع نقط البيع بالمغرب، وهما:
آليات إنتاج النص الروائي للدكتور عبد اللطيف محفوظ (للكتاب نفسه طبعة ببيروت والجزائر).
المحاكمات الأدبية للدكتورة وفاء سلاوي (للكتاب نفسه طبعة عربية ثانية بمصر ).
وقد تَعَرَّفَا حكاية الإعدام اللاقانوني للكتابين منذ مطالبتهما بمرجوعاتهما بعد سنة كاملة من العرض الأول، وذلك حتى تتمكن جهة النشر(منشورات القلم المغربي) من إعادة توزيع الكتابين مرة ثانية ضمن نفس الشركة الموزعة أو لدى غيرها.. وفي كل مرة كانا يجدان من المبررات، ما يعيق استرجاعهما لحقوقهما، واستمر التماطل إلى أن توصلا في 28 نونبر من السنة الماضية برسالة تخبرهما بإعدام الكتابين وتحويلهما إلى «ورق مطحون».
وبدأت أسائل نفسي العديد من الأسئلة, وأجول بالتاريخ أبحث عن جواب:
لو كانت هناك قضية أخلاقية وفكرية وأيديولوجية, معارضة للمعتقدات والمقدسات كتبت في الكتاب, لقبلنا على مضض فكرة الإلغاء, والإبادة, على الرغم من انه لا يجوز إلغاء فكر الآخرين , ولكنها محاولة لفهم ماحدث, أما أن إنسان يطالب بحقوقه المادية , التي هي حق مشروع كفلته جميع الشرائع السماوية, والمواثيق الدنيوية, فهذه ردة أخرى تعيدنا قرونا إلى الوراء, أيام الغارات والغزوات الجاهلية التي تشن من أجل اختطاف حق الأغيار, عندما نطالع التاريخ يطل علينا إرث تاريخي كبير للبشرية التي حاولت إلغاء ثقافة الآخر, بحرق كتبه ومدوناته, بغية تهميشه, وإلغائه ومحو ما حاكته عقول أمة من الأمم, مثلما حدث عندما أغرق المغول كتب بغداد في الأنهار, فاختلطت الدماء بالكتب, ولا يفوت القارئ إحراق مكتبة الإسكندرية, ولكن هذا الحدث صادر من أمة تجاه أمة معادية لها وفي خضم معركة حربية.
وعلى المستوى الشخصي, نجد ابن رشد أحرقت كتبه, بإيعاز من ضلاليي الفكر, الذين حرضوا الحاكم ضده, ليحرموا الإنسانية من الفكر المجدد والاصلاحي الذي قدمه لشعوب العالم, ولم تمنع محاولات رموز الظلام فكر ابن رشد, وأقرانه من المفكرين الأصيلين أن تنتشر, وتصل, لأن قدرها الوصول وإشغال الفكر الإنساني بها.
وابن حيان التوحيدي, فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة, في لحظة من اليأس في استجابة أبناء جيله ومعاصريه لما يقدمه من إبداع قام بحرق مؤلفاته إلا بعضا منها.
كل هذه مسوغات نفسية واجتماعية وسياسية تسببت في حرق الكتب وإبادتها وإحراقها, ولكن حادثة مثل ما قامت بها الشركة المغربية, كيف نصنفها, وكيف نفهمها, أرادت الخلاص من عقبة , فتفاقمت لتصبح عقبات أمامها, بعد الإعلان عن ماحدث من قبل جمعية القلم المغربي, وغيرها من الروابط والمواقع الالكترونية, التي قامت بفضح وتعرية صنيعها البشع, والذي يضعنا أمام العديد من الأسئلة الفكرية والأخلاقية, وما الاجراءات التي سيتبعها الكتاب ودور النشر التي تتعامل مع هذه المؤسسة, هل ستكمل تعاملاتها مع هذه الدور ومثيلاتها, هل ستكون هناك وقفة حكومية ورسمية, ام انها مجرد جهود فردية تحاول ضحد العدوان الذي وقع على أصحاب الكتب, وعلى كل مواطن عربي غيور على المسلمات الفكرية الثقافية, فالإلغاء والتهميش مرفوض جملة وتفصيلا, بكل صوره وأشكاله..
مثل هذه الأزمة قد تجعل الكاتب والمبدع العربي ينصرف عن التعامل مع الدور العربية, فاقدا للأمن الثقافي, هذا إن لم تصبه صدمة فيقلع عن الكتابة كلها, مادامت حقوقه مهضومة, كما ان مثل هذه الواقعة من شأنها تعطيل الفعالية الثقافية وتأخير عجلة الحضارة,, وتلاقح الأفكار ونموها, وازدهارها.
أعتقد ان مثل هذا الأمر يجعلنا أمام أزمة فكرية... خلاصها في وضع أشد العقوبات على كل من تسول له نفسه المساس بحقوق الآخرين المعنوية والمادية, وكيف للعرب أن ينتجوا ويتقدموا بفكرهم, ومثل هذه النماذج تقيم بيننا كالورم الذي لابد من استئصاله وإلا تفاقم علينا وتضخم,, حتى يودي بنا إلى الموت والفناء.
والكاتبة هنا تؤكد ان مثل هذه الحادثة ما هي إلا سابقة غير معهودة في الوطن العربي, ولا تعممها على بقية دور النشر العربية الرصينة والأصيلة التي تحافظ على العهود والمواثيق التي هي وحدة أصيلة من أخلاق العرب.
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
تغييب الحريات، القتل والتعذيب والسجن, كلها مصطلحات تعود عليها الشارع العربي, مع تواتر الأزمات الواحدة تلو الأخرى, كما تعود المواطن العربي على أن يتحدث بصوت خافت عن السياسة والساسة, وأن يتلفت قليلا قبل أن يتحدث عن شيء خطير يمس أمن دولته, واعتدنا أيضا أن نسمع بين فينة وأخرى عن كاتب أعدم أو سجن, بسبب شطحاته الفكرية, وسبه للسلطة الحاكمة, فنجده يسخط على تلك اللحظة التي امتطى بها جواد الحقيقة.
ولكن...
إعدام الكتب مصطلح جديد من المصطلحات التي باتت تتردد في الفترة الأخيرة, في الأوساط الثقافية؟ كيف تعدم الكتب؟ وبأي محكمة؟ وما الدوافع وراء ذلك؟ وما الخطوط الحمراء التي تجاوزها ذلك الكاتب أو ذاك حتى يلغى كتابه من الخارطة الفكرية والثقافية في العالم؟
تفاجأت منذ أيام بوصول رسالة الكترونية من رابطة القلم المغربي, بشجبها لإعدام كتابين لمؤلفين, وتريد جمع أكبر عدد من الكتاب الذين يشجبون ويرفضون ما حدث؟ لأول وهلة كنت أعتقد أن مؤلفي الكتب هم الذين قتلوا, كما هو متواتر عن قتل المفكرين في الجزائر والعراق وغيرها من الأقطار التي تسيطر عليها بعض التيارات المتطرفة.. ولكن ما إن قرأت الخبر تكرارا ومرارا حتى علمت إن مؤلفات الكاتبين هي التي طحنت وصودرت من قبل دار نشر رفضت إعطاء المؤلفين حقوقهما المادية.. وبعد استمرار الكاتبين بالمطالبة بحقوقهما فإن أجدى وسيلة لإكرام الكاتبين طحن الكتب, وإلغاء نتاج أفكارهم وجهوهم التي بذلوها شهورا وسنينا من البحث المضني والعمل الدائب, فضاع الأجر, وضاع الأثر, ! وفيما يلي جزء من الرسالة الالكترونية التي وصلتني:
«في المغرب...
إعدام الكاتب حادث لا يستحق الانتباه!
أقدمت الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة (سبريس) في الدار البيضاء المغرب على إبادة مؤلفين لكاتبين مغربيين وضعا كتابيهما في عهدة سبريس للتوزيع في مجموع نقط البيع بالمغرب، وهما:
آليات إنتاج النص الروائي للدكتور عبد اللطيف محفوظ (للكتاب نفسه طبعة ببيروت والجزائر).
المحاكمات الأدبية للدكتورة وفاء سلاوي (للكتاب نفسه طبعة عربية ثانية بمصر ).
وقد تَعَرَّفَا حكاية الإعدام اللاقانوني للكتابين منذ مطالبتهما بمرجوعاتهما بعد سنة كاملة من العرض الأول، وذلك حتى تتمكن جهة النشر(منشورات القلم المغربي) من إعادة توزيع الكتابين مرة ثانية ضمن نفس الشركة الموزعة أو لدى غيرها.. وفي كل مرة كانا يجدان من المبررات، ما يعيق استرجاعهما لحقوقهما، واستمر التماطل إلى أن توصلا في 28 نونبر من السنة الماضية برسالة تخبرهما بإعدام الكتابين وتحويلهما إلى «ورق مطحون».
وبدأت أسائل نفسي العديد من الأسئلة, وأجول بالتاريخ أبحث عن جواب:
لو كانت هناك قضية أخلاقية وفكرية وأيديولوجية, معارضة للمعتقدات والمقدسات كتبت في الكتاب, لقبلنا على مضض فكرة الإلغاء, والإبادة, على الرغم من انه لا يجوز إلغاء فكر الآخرين , ولكنها محاولة لفهم ماحدث, أما أن إنسان يطالب بحقوقه المادية , التي هي حق مشروع كفلته جميع الشرائع السماوية, والمواثيق الدنيوية, فهذه ردة أخرى تعيدنا قرونا إلى الوراء, أيام الغارات والغزوات الجاهلية التي تشن من أجل اختطاف حق الأغيار, عندما نطالع التاريخ يطل علينا إرث تاريخي كبير للبشرية التي حاولت إلغاء ثقافة الآخر, بحرق كتبه ومدوناته, بغية تهميشه, وإلغائه ومحو ما حاكته عقول أمة من الأمم, مثلما حدث عندما أغرق المغول كتب بغداد في الأنهار, فاختلطت الدماء بالكتب, ولا يفوت القارئ إحراق مكتبة الإسكندرية, ولكن هذا الحدث صادر من أمة تجاه أمة معادية لها وفي خضم معركة حربية.
وعلى المستوى الشخصي, نجد ابن رشد أحرقت كتبه, بإيعاز من ضلاليي الفكر, الذين حرضوا الحاكم ضده, ليحرموا الإنسانية من الفكر المجدد والاصلاحي الذي قدمه لشعوب العالم, ولم تمنع محاولات رموز الظلام فكر ابن رشد, وأقرانه من المفكرين الأصيلين أن تنتشر, وتصل, لأن قدرها الوصول وإشغال الفكر الإنساني بها.
وابن حيان التوحيدي, فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة, في لحظة من اليأس في استجابة أبناء جيله ومعاصريه لما يقدمه من إبداع قام بحرق مؤلفاته إلا بعضا منها.
كل هذه مسوغات نفسية واجتماعية وسياسية تسببت في حرق الكتب وإبادتها وإحراقها, ولكن حادثة مثل ما قامت بها الشركة المغربية, كيف نصنفها, وكيف نفهمها, أرادت الخلاص من عقبة , فتفاقمت لتصبح عقبات أمامها, بعد الإعلان عن ماحدث من قبل جمعية القلم المغربي, وغيرها من الروابط والمواقع الالكترونية, التي قامت بفضح وتعرية صنيعها البشع, والذي يضعنا أمام العديد من الأسئلة الفكرية والأخلاقية, وما الاجراءات التي سيتبعها الكتاب ودور النشر التي تتعامل مع هذه المؤسسة, هل ستكمل تعاملاتها مع هذه الدور ومثيلاتها, هل ستكون هناك وقفة حكومية ورسمية, ام انها مجرد جهود فردية تحاول ضحد العدوان الذي وقع على أصحاب الكتب, وعلى كل مواطن عربي غيور على المسلمات الفكرية الثقافية, فالإلغاء والتهميش مرفوض جملة وتفصيلا, بكل صوره وأشكاله..
مثل هذه الأزمة قد تجعل الكاتب والمبدع العربي ينصرف عن التعامل مع الدور العربية, فاقدا للأمن الثقافي, هذا إن لم تصبه صدمة فيقلع عن الكتابة كلها, مادامت حقوقه مهضومة, كما ان مثل هذه الواقعة من شأنها تعطيل الفعالية الثقافية وتأخير عجلة الحضارة,, وتلاقح الأفكار ونموها, وازدهارها.
أعتقد ان مثل هذا الأمر يجعلنا أمام أزمة فكرية... خلاصها في وضع أشد العقوبات على كل من تسول له نفسه المساس بحقوق الآخرين المعنوية والمادية, وكيف للعرب أن ينتجوا ويتقدموا بفكرهم, ومثل هذه النماذج تقيم بيننا كالورم الذي لابد من استئصاله وإلا تفاقم علينا وتضخم,, حتى يودي بنا إلى الموت والفناء.
والكاتبة هنا تؤكد ان مثل هذه الحادثة ما هي إلا سابقة غير معهودة في الوطن العربي, ولا تعممها على بقية دور النشر العربية الرصينة والأصيلة التي تحافظ على العهود والمواثيق التي هي وحدة أصيلة من أخلاق العرب.
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]