إشراقات النقد
صورة المثقف الجزائري في نصوص العنف الجزائري «2»

أحلام مستغانمي


| سعاد العنزي |
من هنا....
وبذلك يلاحظ أن المثقف قد لعب أدوارا سلبية في مجتمعه، وبدلا من أن يجعل مخزونه المعرفي والقيمي سبيلا لإعلاء كلمة الحق وبناء المجتمع، جعله سبيلا وطريقا للهدم والدمار. هل هو حب الذات هو الدافع وراء ذلك؟ أم أنهم كانوا أمام وضع مأساوي يسلبهم الإرادة ويشل تفكيرهم؟
ولسان حاله يردد شعارا:» لا تفكر في الاصلاح. قبلك عجز الأنبياء عن هذه المهمة، صلبوا المسيح، وعذبوا محمدا، وأحرقوا كبار العلماء والمفكرين في كل العصور. والعصر ليس بحاجة إلى مسيح جديد».(7)
المثقف الإيجابي
يلي هذا النموذج من المثقفين، أي المثقف السلبي، نقيضه ألا وهو المثقف الإيجابي، المثقف الفاعل المصلح المغير، وهذا هو الوضع الصحيح لأي إنسان قبل أن يكون مثقفا وواعيا لدوره في الحياة. وحقيقة جميع من خسروا حياتهم، وكثيرا من أحلامهم وطموحاتهم أنهم كانوا مصلحين.والتركيز في العنف كان من نصيب الصحفيين بوصفهم فئة من المثقفين الملتزمين، الذين ناضلوا من أجل إيصال الحقيقة، وهذا الآمر كلفهم أرواحهم في أغلب الأحوال. وقد عرضت مجمل الروايات لجدلية الصحافة والإرهاب، فالإرهابي أكثر ما يكدر صفوه هو الصحافي، لأنه ينقل أخبار ضحاياه ويوضح مدى بشاعته، ولذلك كان يشكل حجر العثرة الذي يتعثر به الإرهابي.
والمتأمل جيدا في الروايات يجد رواية «متاهات ليل الفتنة» لاحميدة عياشي ، يتضح فيها التركيز على ضحايا الإرهابيين من الصحافيين، كما تعرض لمحاولات الاغتيال التي تعرضوا لها. وتبدأ أحداث العنف عندما يقرر حميدو أحد شخصيات الرواية الدخول في حقل الكتابة ضد الإرهاب، فـ «جماعات الإسلام السياسي أصبحت هاجسه الأول سكنته الجذور».(8). بل إنه يزور الموت في قعر داره، فيزور بلد الموت التي تكن العداوة للصحافيين ماكدرة: «ماكدرة أسوأ من العاصمة، الناس هنا كلهم يعرفون.... كل الناس تعرف في ماكدرة أنك صحافي... في العاصمة لا يعرفون كلهم».(9)
وبالتالي كانت النتيجة أن قتلوه بوسيلة شنيعة» ظل أبو يزيد يصرخ تعرف من أنا؟ هل تعرف من أنا ياطاغوت....؟ كأنه لم يسمعه ظل شامخ الرأس. صامتا إلى حد الشراهة. ظل واقفا كالطود الأسطوري التفوا حوله طرحوه أرضا وبجروه. فصلوا رأسه عن جسده وظل الدم يسيح في عتمة ذلك الليل الطويل تعالت الأصوات طاغوت».(10)
هذه كانت عاقبة السعي وراء الحقيقة، القتل بأبشع صور الوحشية. كما تتجسد هزيمة المثقف في حواره مع نفسه، فاحميدة يناقش نفسه كما فعل المعلم أحمد في رواية «وادي الظلام» قائلا: «مامعنى أن يكتب المرء في مجتمع لا يقرأ، بل تحكمه ديكتاتورية.
إن الكتابة في مجتمع شفوي لا يمكن اعتبارها إلا شكلا من أشكال الجنون البائس أو من الاستئناس المجنون.
ثم خاطب احميدة نفسه: هل نكتب لنغير. لكن نغير ماذا؟». (11)
غير شخصية احميدة وحميدو، فهناك كثير من الشخصيات، التي تشتغل في مهنة الصحافة من مثل عمر وعلي خوجه اللذان كان مصيرهما هو القتل.
كذلك تظهر رواية «فوضى الحواس» لأحلام مستغانمي لجدلية الصحافي والمتطرف، فتشتغل الأحداث على مجموعة من الصحافيين يدخلون في حياة البطلة الراوية التي تمارس هواية الكتابة الروائية، فتحب عبدالحق الصحافي الذي كتبت نصا روائيا عنه من دون أن تراه، فيحدث أنها تلتقي به فجأة في مقهى، ويرسم لهم القدر اللقاءات صدفة... وتتحاور معه، فيكشف عما بنفسه من مرارة للواقع المأسوي، الذي يعيشه المواطن ولاسيما الصحافي، فيقول عن موت زميله سعيد مقبل: «كان يتناول غداءه. رفقة زميلة له في مطعم صغير جوار الجريدة. عندما اقترب من شخص، توهم منه أنه يريد محادثته. ولكنه أخرج مسدسا، وأطلق النار عليه ومضى بهدوء».(12). ويلفت النظر عبدالحق إلى مقال كتبه سعيد مقبل عن الصحافي قائلا: «هو الذي يغادر منزله كل صباح، غير واثق بأنه سيصل إلى مقر عمله.
وهو الذي يغادر عمله مساء، غير متأكد من أنه سيصل إلى بيته.
هذا المشرد الذي لم يعد يعرف عند من يقضي ليلته. إنه هو.
إنه هو الذي، يتعرض للتهديد في سرية إدارة سرية.
الشاهد الذي ينبغي عليه أن يبتلع كل مايعرف.
هذا المواطن الأعزل.
هو الذي كل هذا. وليس سوى صحافي».(13).
قتل وجريمته الوحيدة كلمات ليس سوى كلمات.
أما عبدالحق الذي يستمر في نضاله، فسيفاجئ موته البطلة، فتقول مفجوعة ترثيه: «فالبارح فتح ذلك الحوت فكيه، وابتلع لوجبته المسائية من جملة من ابتلع - عبدالحق.
أي قناص سادي هو القدر؟ يتخذ له زاوية منسية في حياتنا، ثم يأخذ في إطلاق النار، كيفما اتفق على من أحببنا، دون شعور بالألم».(14)
كاتبة وناقدة كويتية
(7) د.محمد عزام، «البطل الإشكالي»، الأهالي للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 1992م، ص12.
(8) رواية «متاهات ليل الفتنة»، ص11.
(9) الرواية، ص 23.
(10) الرواية، ص57.
(11) الرواية، ص97.
(12) أحلام مستغانمي، رواية « فوضى الحواس»، منشورات أحلام مستغانمي، الطبعة الرابعة عشرة 2004م، ص297.
(13) الرواية ، ص299.
(14) الرواية، ص245.
من هنا....
وبذلك يلاحظ أن المثقف قد لعب أدوارا سلبية في مجتمعه، وبدلا من أن يجعل مخزونه المعرفي والقيمي سبيلا لإعلاء كلمة الحق وبناء المجتمع، جعله سبيلا وطريقا للهدم والدمار. هل هو حب الذات هو الدافع وراء ذلك؟ أم أنهم كانوا أمام وضع مأساوي يسلبهم الإرادة ويشل تفكيرهم؟
ولسان حاله يردد شعارا:» لا تفكر في الاصلاح. قبلك عجز الأنبياء عن هذه المهمة، صلبوا المسيح، وعذبوا محمدا، وأحرقوا كبار العلماء والمفكرين في كل العصور. والعصر ليس بحاجة إلى مسيح جديد».(7)
المثقف الإيجابي
يلي هذا النموذج من المثقفين، أي المثقف السلبي، نقيضه ألا وهو المثقف الإيجابي، المثقف الفاعل المصلح المغير، وهذا هو الوضع الصحيح لأي إنسان قبل أن يكون مثقفا وواعيا لدوره في الحياة. وحقيقة جميع من خسروا حياتهم، وكثيرا من أحلامهم وطموحاتهم أنهم كانوا مصلحين.والتركيز في العنف كان من نصيب الصحفيين بوصفهم فئة من المثقفين الملتزمين، الذين ناضلوا من أجل إيصال الحقيقة، وهذا الآمر كلفهم أرواحهم في أغلب الأحوال. وقد عرضت مجمل الروايات لجدلية الصحافة والإرهاب، فالإرهابي أكثر ما يكدر صفوه هو الصحافي، لأنه ينقل أخبار ضحاياه ويوضح مدى بشاعته، ولذلك كان يشكل حجر العثرة الذي يتعثر به الإرهابي.
والمتأمل جيدا في الروايات يجد رواية «متاهات ليل الفتنة» لاحميدة عياشي ، يتضح فيها التركيز على ضحايا الإرهابيين من الصحافيين، كما تعرض لمحاولات الاغتيال التي تعرضوا لها. وتبدأ أحداث العنف عندما يقرر حميدو أحد شخصيات الرواية الدخول في حقل الكتابة ضد الإرهاب، فـ «جماعات الإسلام السياسي أصبحت هاجسه الأول سكنته الجذور».(8). بل إنه يزور الموت في قعر داره، فيزور بلد الموت التي تكن العداوة للصحافيين ماكدرة: «ماكدرة أسوأ من العاصمة، الناس هنا كلهم يعرفون.... كل الناس تعرف في ماكدرة أنك صحافي... في العاصمة لا يعرفون كلهم».(9)
وبالتالي كانت النتيجة أن قتلوه بوسيلة شنيعة» ظل أبو يزيد يصرخ تعرف من أنا؟ هل تعرف من أنا ياطاغوت....؟ كأنه لم يسمعه ظل شامخ الرأس. صامتا إلى حد الشراهة. ظل واقفا كالطود الأسطوري التفوا حوله طرحوه أرضا وبجروه. فصلوا رأسه عن جسده وظل الدم يسيح في عتمة ذلك الليل الطويل تعالت الأصوات طاغوت».(10)
هذه كانت عاقبة السعي وراء الحقيقة، القتل بأبشع صور الوحشية. كما تتجسد هزيمة المثقف في حواره مع نفسه، فاحميدة يناقش نفسه كما فعل المعلم أحمد في رواية «وادي الظلام» قائلا: «مامعنى أن يكتب المرء في مجتمع لا يقرأ، بل تحكمه ديكتاتورية.
إن الكتابة في مجتمع شفوي لا يمكن اعتبارها إلا شكلا من أشكال الجنون البائس أو من الاستئناس المجنون.
ثم خاطب احميدة نفسه: هل نكتب لنغير. لكن نغير ماذا؟». (11)
غير شخصية احميدة وحميدو، فهناك كثير من الشخصيات، التي تشتغل في مهنة الصحافة من مثل عمر وعلي خوجه اللذان كان مصيرهما هو القتل.
كذلك تظهر رواية «فوضى الحواس» لأحلام مستغانمي لجدلية الصحافي والمتطرف، فتشتغل الأحداث على مجموعة من الصحافيين يدخلون في حياة البطلة الراوية التي تمارس هواية الكتابة الروائية، فتحب عبدالحق الصحافي الذي كتبت نصا روائيا عنه من دون أن تراه، فيحدث أنها تلتقي به فجأة في مقهى، ويرسم لهم القدر اللقاءات صدفة... وتتحاور معه، فيكشف عما بنفسه من مرارة للواقع المأسوي، الذي يعيشه المواطن ولاسيما الصحافي، فيقول عن موت زميله سعيد مقبل: «كان يتناول غداءه. رفقة زميلة له في مطعم صغير جوار الجريدة. عندما اقترب من شخص، توهم منه أنه يريد محادثته. ولكنه أخرج مسدسا، وأطلق النار عليه ومضى بهدوء».(12). ويلفت النظر عبدالحق إلى مقال كتبه سعيد مقبل عن الصحافي قائلا: «هو الذي يغادر منزله كل صباح، غير واثق بأنه سيصل إلى مقر عمله.
وهو الذي يغادر عمله مساء، غير متأكد من أنه سيصل إلى بيته.
هذا المشرد الذي لم يعد يعرف عند من يقضي ليلته. إنه هو.
إنه هو الذي، يتعرض للتهديد في سرية إدارة سرية.
الشاهد الذي ينبغي عليه أن يبتلع كل مايعرف.
هذا المواطن الأعزل.
هو الذي كل هذا. وليس سوى صحافي».(13).
قتل وجريمته الوحيدة كلمات ليس سوى كلمات.
أما عبدالحق الذي يستمر في نضاله، فسيفاجئ موته البطلة، فتقول مفجوعة ترثيه: «فالبارح فتح ذلك الحوت فكيه، وابتلع لوجبته المسائية من جملة من ابتلع - عبدالحق.
أي قناص سادي هو القدر؟ يتخذ له زاوية منسية في حياتنا، ثم يأخذ في إطلاق النار، كيفما اتفق على من أحببنا، دون شعور بالألم».(14)
كاتبة وناقدة كويتية
(7) د.محمد عزام، «البطل الإشكالي»، الأهالي للنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 1992م، ص12.
(8) رواية «متاهات ليل الفتنة»، ص11.
(9) الرواية، ص 23.
(10) الرواية، ص57.
(11) الرواية، ص97.
(12) أحلام مستغانمي، رواية « فوضى الحواس»، منشورات أحلام مستغانمي، الطبعة الرابعة عشرة 2004م، ص297.
(13) الرواية ، ص299.
(14) الرواية، ص245.