في مدينة رسول الله يشعر المسلم بالطمأنينة والسكينة، فهذا المسجد هو الحرم الثاني من ثلاثة تستحق الزيارة، من أجل التقرّب إلى الله عزّ وجل.
المدينة يأرِزُ لها الإيمان كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي يرجع لها ويستقر بها، لذا ليس مستغرباً تلك الطمأنينة التي يشعر بها المسلم ما إن تطأ قدمه مدينة الإسلام الأولى، هنا عاش المصطفى وأصحابه ليؤسسوا قيماً تسير على الأرض، قيماً فتحت العالم مشرقاً ومغرباً في عقود قليلة.
نعم لقد تغير العالم واجتاحت الفتن بلاد الإسلام المختلفة، وانتشرت الخرافة حتى سيطرت على عقول معظم المسلمين، لكن المدينة حافظت على نقائها وصفاء عقيدتها فكانت على مرِّ التاريخ أرضاً يأرز لها الإيمان.
عام 1960 زار الصحافي مصطفى أمين، رحمه الله، المدينة وكتب مقالاً نشرته جريدة الندوة التي بدأ إصدارها من مكة عام 1959، في هذا المقال شطح الصحافي الكبير متوهماً أن الإسلام مرتبط بفكر الغرب، الذي يتعلق بالتماثيل والآثار فتحت عنوان (آثار المدينة المنورة)، طالب بأن نُظهر الآثار المادية في المدينة، وأن نُميّزَ المقابر ونجعل المدينة شبيهة بمدن غربية، مثل روما تكون مليئةً بالحجارة والرموز التي تحمل تقديس الإنسان.
إنها عودة للخرافة من جديد، تلك الخرافة التي أتى الإسلام لمعاكستها، وجعل العقل البشري مرتبطاً بالقيم بدل الارتباط بالرموز الفانية، الرموز التي لم تعد قادرة لا على السماع ولا على المنفعة.
لقد فشلت محاولة الصحافي الكبير لأن الشيخ بن باز رحمه الله كتب رداً مفحماً عقلانياً عليه، وفَنّدَ في رسالة له ما طالب به الصحافي بأسلوب راقٍ وحجة دامغة.
اليوم تزور مقابر البقيع فتُسَلِّم على مجموع الصحابة الذين غطيت قبورهم بالحجارة البسيطة، تلك القبور البسيطة التي تشهد بأنهم لم يبحثوا عن تمجيد أشخاص أو عبادة أوثان بل كانوا دعاة قيمٍ، قيمٌ خالدة تنادي الإنسان في كل مكان، وعلى رأس تلك القيم حُسن الإيمان بالله وعبادته وحده دون وسيط ولا شريك.
تلك هي رسالة المدينة التي يستوطنها الإيمان، وهنا، في مدينة المصطفى، تسمع تلك الرسالة بكل وضوح.
kalsalehdr@hotmail.com