من زاوية أخرى

وسوى الرجعان خلف ظهرك... جيش!

تصغير
تكبير

عندما كان سيف الدولة الحمداني يحارب الروم على تخوم حدود الدولة العربية معهم شمالي بلاد الشام، في القرن العاشر الهجري، دفاعاً عن دولة العرب والإسلام، حذره الشاعر أبو الطيب المتنبي من أعداء وراء ظهره في الداخل، ليسوا أقل خطراً من الروم أمامه، متسائلاً كيف سيوازن بين جبهتين:
وَسِوى الرومِ خَلفَ ظَهرِكَ رومٌ
فَعَلى أَيِّ جانِبَيكَ تَميلُ؟!

تذكرت هذه القصة وذاك البيت، وأنا أتابع مرافعة النيابة العامــــة أمام محكمة الجنايات، يوم الخميـــس الماضي، في قـــــضية اخــــتلاس أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية المتهم فيها مدير المؤسسة السابق فهد الرجعان وزوجته، وهي سابقة قضائية شهدتها المحاكم الكويتية، حين ترافعت النيابة أمام المحكمة، بغياب المتهمين، ويتم توثيق المرافعة إعلامياً في مثل هذه القضية، حيث لم يسبق أن شهدت محاكمات مشابهة مرافعة علنية وموثقة تلفــــزيونياً، حيث شرح ممثل النيابة حجم الاعتداءات على أموال المتقاعدين، في مرافعة «عاطفية» بامتياز، خاطب فيها ممثل النيابة قلوب أعضاء المحكمة والسامعين قبل عقولهم، حيث وصف الرجعان بأنه كبير معلمي أكل أموال الناس بالباطل، سلك بتاريخه مسالكه، ويعوزه الانتماء الحقيقي إلى بلده، باع سعي الكادحين والقاعدين والمرضى كداً كداً، برغد يومه وأمسه وغده، معقباً بالقول «ألا قبح الله بيعك... ولا بورك لك في ما كسبت يداك». ليكون الخطاب عاطفياً قبل التعريج على الجانب القانوني.
والرابط بين ما تابعته من جلسة المحاكمة، وقصة المتنبي مع سيف الدولة، أن هذا الهارب بملايين استولى عليها من أموال المؤمنين في المؤسسة، أشباهه كثير خلف ظهر النيابة في الداخل، وبنظرة بسيطة تبرز لنا عشرات القضايا التي تتعلق باختلاسات من المال العام، أقربها ما تنظره المحكمة حاليا في قضية «ضيافة وزارة الداخلية»، المتهم فيها قيادات عسكرية ومدنية في الوزارة، إضافة إلى تجار ورجال أعمال سهلوا عملية الاستيلاء على تلك الأموال، وما يؤكد ضخامة ما سرق حجم الكفالات التي دفعتها بعض الشخصيات تحت طائلة المحاكمة، والتي وصلت إلى الملايين، وكذلك التي يعرض دفعها المتهمون المحبوسون للخروج من السجن تحت طائلة المحاكمة أيضاً. وليس بعيداً عنها قضية ملاحقة شركات متهم فيها مسؤولون بتجاوزات مليونية تــــؤكد ان المال العام مستباح لكل من تسول له نفسه الاستيلاء عليه ممن يتولون المناصب.
كما لا تفوت الإشارة إلى ما كشفته أزمة الأمطار العام الماضي من التلاعب في المناقصات الخاصة بتنفيذ البنية التحتية لبعض المناطق، وهو من مظاهر الاستيلاء على المال العام بطرق أخرى غير مباشرة، من خلال أخذ المناقصات بالمــــلايين وعــــدم تنفــــيذ المشاريع وفــــق المقــــاييس والمواصفات المتفق عليها في العقد، وهنا يشترك أكثر من جهة في المسؤولية، بدءاً بالــــشركة المنفــــذة وانتهاء بالمسؤولين عن تسلم تلك المشاريع الذين يكونون شركاء في الاستيلاء على المال العام، بعدم التدقيق على سلامة التنفيذ - سواء بقصد أو بغير قصد - ليستمر مسلسل الهدر والاعتداء على المال.
ورغم تحرك الحكومة في ملف مكافحة الفساد، فإننا لم نلمس أي خطوات إيجابية تؤكد صدق التوجه، ولن نلمس ذلك، ما لم نر مسؤولاً كبيراً يقف في قفص الاتهام ويحكم عليه بالعقوبة المغلظة.

h.alasidan@hotmail.com
@DAlasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي