No Script

بحرٌ بشري متعدّد الطوائف وحضور رئاسي ومشاركة عربية ودولية

وداعٌ تاريخي لـ «البطريرك الكبير» استحضر المعاني «فوق العادية» لمسيرته

u0627u0644u0628u0637u0631u064au0631u0643 u0627u0644u0643u0627u0631u062fu064au0646u0627u0644 u0645u0627u0631 u0628u0634u0627u0631u0629 u0628u0637u0631u0633 u0627u0644u0631u0627u0639u064a u064au062au0642u062fu0645 u0645u0634u064au0639u064a u0635u0641u064au0631 u0641u064a u0628u0643u0631u0643u064a  t      (u0623u0641 u0628)
البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يتقدم مشيعي صفير في بكركي (أف ب)
تصغير
تكبير

ساترفيلد من لبنان إلى إسرائيل لِسماع جوابها حول آلياتبحث النزاع الحدودي

 

كما كان مار نصر الله بطرس صفير على رأس الكنيسة المارونية لربع قرن (بين 1986 و 2011) بطريركاً استثنائياً، كذلك جاء وداعه الأخير، أمس، غير عادي ويختزل الأدوار التي أدّاها كـ«أيقونة الكرسي البطريركي» و«حارس» العيش المشترك الذي آمن بأنها وحدَها «الصرخةُ» المسيحية - الإسلامية «تودي» إلى استعادة السيادة وإلى «الاستقلال الثاني»، بعدما كان حمى لبنان «الفكرة» من الموت ووفّر الغطاء للخروج من حرب الـ 15 عاماً على «حمّالة» اتفاق الطائف.
تاريخياً بكل المعاني كان الوداع المَهيب للبطريرك الكبير (الخامسة عصر الخميس)، الذي وُلد مع «لبنان الكبير» (1920) والذي سيحتضنه تراب بكركي (حيث مقر البطريركية المارونية) التي عرفتْه على مدى نحو 63 عاماً في رحابها رجلاً صلباً تدرّج في مسيرته الكهنوتية التي وضعتْه لا سيما بعد توليه السدّة البطريركية على تماس مباشر مع المخاطر الكبرى التي كانت تقبض على «الوطن الصغير» إبان الحرب ليتحوّل في زمن «النسخة السورية» من اتفاق الطائف (بين 1991 و2005) «صخرةً» وقفت بوجه الوصاية وحوّلت السيادة والحرية والاستقلال «وصية» حفَرَها موقفاً موقفاً وعظةَ عظةً وخطوة خطوة ونداءً ونداءً ومصالحة مصالحة وجسراً جسراً مع الشريك في الوطن إلى أن زهّرت «ثورة الأرز» في مارس 2005 وجدّدت روح الفكرة اللبنانية.
وكل هذه الأبعاد والأكثر التي جسّدها «كبير لبنان» ومسيرته، حضرت في يوم التشييع الذي جمعتْ مشهديتُه بين الزهد والتواضع اللذين عاش في كنفهما وبين العظمة التي اكتسبتْها أدواره وصارت «لقباً» له، فيما كانت رمزيةٌ قَدَريّة مثلّها تزامُن التشييع الـ «فوق عادي» مع الذكرى 30 لاغتيال مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد الذي كان «شريك» صفير و«نصفه الآخر» في رفْض الحرب والتمسك بالعيش المشترك.


وفي موازاة «لوحة الوداع» التي استُحضر معها تنظيماً ومشاركةَ رسمية تقدّمها الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري وممثلو رؤساء عرب وغربيين (وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان مثّل الرئيس إيمانويل ماكرون) وحشوداً شعبية (بعشرات الآلاف) ما رافق زيارت الباب يوحنا بولس الثاني (1997) وبينديكتوس السادس عشر (2012)، فإنّ «زحْف» لبنان العيش المشترك لتأدية التحية الأخيرة لـ«بطريرك مصالحة الجبل» (المارونية - الدرزية 2001) حملتْ دلالات لافتة مع مشاركةٍ درزية كبيرة رافقت النائب تيمور وليد جنبلاط في المأتم الذي استُحضرت معه كل المعاني التي جسّدها «البطريرك التاريخي» في البُعد الوطني والسياديّ.
وكان لافتاً قبيل التشييع تقدُّم وزارة الخارجية الأميركية بالتعازي بالبطريرك، معلنة «كان قائداً شجاعاً ضد الاستبداد والاضطهاد، وكان بطل فكرة سيادة لبنان واستقلاله، والولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب لبنان لدعم هذه المثل العليا التي يجسّدها الكاردينال صفير».
ولم يحجب وهج «عرس الوداع» الذي ترافق مع يوم حداد رسمي (بدأ الأربعاء) وقفل المؤسسات العامة والخاصة، الاهتمام بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد التي تناولت الوضع في المنطقة والنزاع الحدودي البحري والبري بين لبنان وإسرائيل.
وفي الشق الأول أفادت المعطيات المتوافرة عن محادثات ساترفيلد أنه حمل رسالة واضحة في ما خصّ مَخاطر التَساهُل في السماحِ لـ«حزب الله» بتوريط لبنان برمّته بحال أي استهداف للمصالح الأميركية أو تحريك لجبهة الجنوب وذلك في سياق المواجهة الآخذة في الاحتدام بين واشنطن وحلفائها وبين طهران، مع تأكيد أن واشنطن ليس لديها قرار بالحرب ولكنها جاهزة للردّ إذا بادرت إيران إليها سواء مباشرة أو عبر أذرعها في أي ساحةٍ مع نصيحة ببقاء لبنان خارج هذه الأزمة ومتفيئاً النأي بالنفس.
وما جعل رسائل ساترفيلد في هذا السياق تكتسب طابعاً بالغ الأهمية أنها ترافقت مع مسألتين: الأولى تحذير السفارة الأميركية في بيروت (في إطار تحذيراتها الروتينية) «جميع المواطنين الأميركيين من التوترات المتصاعدة في المنطقة، ونحن نشجعهم على الحفاظ على مستوى عال من اليقظة وممارسة الوعي بحالة جيدة»، والثانية نشرُ الخارجية الأميركية عبر حساب «فريق التواصل الإلكتروني» التابع لها على «تويتر» مقطعاً مصوراً تحت عنوان «بمنتهى الوضوح- فيلق القدس الإيراني»، تحدثت فيه عن تدريب هذا الفيلق وتجهيزه قوات غير خاضعة لسيطرة الدولة بما فيها ميليشات شيعية في العراق و«حزب الله» في لبنان، لافتة أنه «يدرب ويسلح ويجهز ميليشيات تابعة له في معسكرات تدريب في لبنان (في البقاع تحديداً) وكذلك داخل إيران»، مضيفاً أن «الهدف من ذلك هو استخدام هذه الميليشيات في حروب «الوكالة»، وتطوير قدرات حلفائها المحليين».
وفي ما خص ملف النزاع الحدودي مع إسرائيل، فإن غموضاً حقيقياً لفّ خفايا ما يُعمل عليه والآليات المطروحة لمعالجة هذه المسألة رغم وضْعها بين حدّيْ موافقة لبنان على أن يكون الأمر في عهدة لجنة ثلاثية لبنانية دولية، من خلال الأمم المتحدة، وإسرائيلية بمتابعةٍ أميركية، وأن يقترن تنفيذ أي تفاهمات قد تفضي إليها المفاوضات إلى تَزامُن في التنفيذ بين البرّ والبحر.
وفيما كانت الأنظار شاخصة إلى ما سيسمعه ساترفيلد في إسرائيل التي يفترض أن يكون انتقل إليها وتحديداً سماع موقفها لجهة القبول بأن يكون الدور الأميركي «للمساعدة والتسهيل» وليس رعاية التفاوض التي ستكون للأمم المتحدة (كانت تل أبيب أعلنت عدم موافقتها على مشاركتها في الترسيم البحري)، فإن أوساطاً سياسية تساءلتْ عن خلفيات ما يشبه «الخطوة إلى الوراء» من«حزب الله» خصوصاً بالقبول (من خلال موافقة الرئيس بري) بوساطة أميركية في هذا الملف بعدما كان أمينه العام السيد حسن نصر الله أعلن أخيراً موقفاً متشدداً حيال هذا الأمر، متسائلة إذا كان في مثل هذا التطور محاولة لـ«ربْط نزاع» احتوائي مع إسرائيل في غمرة «اللحظة الخطرة» في المنطقة بما يجْعل«خيْط التفاوض» (الذي يتصدّره لبنان الرسمي من خلال الآلية المطروحة) بمثابة«ورقةٍ تبريدية» يستفيد منها لـ«شراء الوقت» وربما ما هو أبعد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي