استعادة إدلب... هل ما زال الوقت مبكراً (2 من 2)

فتِّش عن العلاقة الروسية - التركية

No Image
تصغير
تكبير

طوال سنوات الحرب السورية، كان لتركيا دور فاعل في الأزمة السورية. وقد سهلت أنقرة دخول آلاف المقاتلين وساعدتْ على احتلال مدينة إدلب، ونسقت مع المسلّحين لاحتلال مدينة كسب ومحيطها لتفتح لهؤلاء نافذة على البحر الأبيض المتوسط ويهددوا اللاذقية. واحتلت تركيا مدينة عفرين الكردية وأدخلتْ إليها مجموعات سورية تابعة لها. واليوم يحتاج الرئيس أردوغان لعذر فاعل وجدّي لإرضاء هذه الجماعات وإيجاد طريقة لدمجها داخل الإدارة السورية وخصوصاً ضمن اللجنة الدستورية التي ستكتب وتعيد صوغ الدستور السوري.
وعلى الرغم من العدد الكبير للمقاتلين المُوالين لتركيا، فقد أظهر هؤلاء عجْزهم عن التصدي لـ«القاعدة» وحلفائها، وهذا ما ساعد في احتلال إدلب. إلا أن الرئيس أردوغان يحتاج إلى المجموعات السورية الموالية له للوقوف في وجه أكراد الحسكة والقامشلي المدعومين من أميركا، وذلك لخفض عدد الإصابات في صفوف الجيش التركي إذا أراد الدخول في معركة ضد الأكراد.
وتقول أنقرة إن التعديلات الدستورية يجب أن تُرْضي المعارضة التابعة لها. ولذلك فهي اقترحت 150 شخصية، من ضمن هؤلاء جماعة تابعة للإخوان المسلمين، للاستماع إلى مَطالبهم. إلا أن دمشق رفضتْ هذه الأسماء ولا تزال تدرس المقترحات الأخيرة إلى حين اللقاء المقبل في أستانة.


وفي موازاة موقف أردوغان الداعِم لأعداء الحكومة السورية من المعارضة التابعة له والتي تخضع لحمايته، إلا أن لتركيا أهمية إستراتيجية مهمة لروسيا وإيران. إذ إن الموقف التركي المُعادي لأكراد الحسكة الموالين لواشنطن ساعَدَ الحكومة السورية في منْع الأكراد من إنشاء دولتهم على الرغم من الدعم الأميركي لهم بتحقيق دولة «روج آفا» الكردية من الحسكة وحتى عفرين.
وتصرّ تركيا على انتزاع سلاح الأكراد وإلا ستتدخّل بنفسها لتحقيق أهدافها بعد الانسحاب الأميركي. وهذا ما يساعد الرئيس بشار الأسد في مفاوضاته مع أكراد سورية. وعلى الرغم من هذا الدور، إلا أن الرئيس الأسد يرفض الوجود التركي على أرض سورية ويصرّ على استعادة إدلب وأريافها كلها. والتوافق التركي - الروسي الإيراني يسهّل هجوم الجيش السوري على إدلب حين يحين الوقت لذلك، وهذا ما يساعد بتخفيف الإصابات بين كل الأطراف والمدنيين خصوصاً، ويمنع تدمير البنية التحتية السورية التي تحتاج اليها حكومة دمشق بعد التحرير.
وتبدو موسكو أقلّ حماسة من دمشق للدخول إلى مدينة إدلب، وهي تدعم استعادة المناطق المحاذية لها. وتدرك روسيا أن أي هجوم على المدينة سيتسبب بهجرة المدنيين (أكثرهم) إلى تركيا بدل المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وقد وصلتْ العلاقة التركية - الروسية إلى مستوى جيد جداً وخصوصاً بعدما ضربت الديبلوماسية الأميركية دولاً عدة تكاتفت مع بعضها البعض، واستوعبت موسكو إسقاط طائرتها من قبل أنقرة العام 2015 ورفعت من مستوى التعاون العسكري والتجاري بين البلدين. وقد سجّل الرئيس فلاديمير بوتين إنجازاً بكسْر حلف شمال الأطلسي (الناتو) بجذْب أحد أهمّ عناصره (تركيا) إلى جانبه، وهو البلد الذي كانت تعتبره أميركا في الموقع المتقدّم لمواجهة «التهديد الروسي». بالاضافة إلى ذلك وصل خط أنابيب الغاز TURKSTREAM البالغ طوله 910 كيلومترات إلى الشواطئ التركية من روسيا وبالتالي أصبحت أنقرة الممر الأساسي الذي يعبر من خلاله الغاز المورد إلى أوروبا.
وتهدف موسكو وأنقرة الى أن تبلغ العلاقة التجارية مستوى 100 مليار دولار سنوياً، وزيادة عدد السياح الذي وصل إلى 5 - 6 ملايين زائر. وهذا التطور في العلاقة بين روسيا وتركيا يسهل استغلالها لتحسين العلاقة بين أنقرة ودمشق، وبالتالي تخفيف الضغط على استعادة مدينة إدلب حالياً.
وبالنظر الى الدور المهم الذي تلعبه روسيا بتوفير الدعم للجيش السوري لاستعادته المناطق المحتلة سابقاً، على أرض المعركة وفي أروقة الأمم المتحدة وضغطها على الرئيس دونالد ترامب لمنعه من استخدام ضربات عسكرية مؤذية ضد الجيش السوري، فإن موسكو تملك ثقلاً تستطيع معه تخفيف العداء التركي - السوري والحؤول دون تدْهور الأمور بل إصلاحها في الوقت المناسب.
والرئيس أردوغان شريك لروسيا ولإيران التي فتحت مئات المكاتب في أنقرة لمواجهة الخطر الأميركي. وقد لعبت طهران دوراً مهماً بإبلاغ الرئيس أردوغان ودعْمه أثناء محاولة الانقلاب عليه العام 2016.
كل هذه العناصر تدلّ على أن لا شيء يحصل في إدلب من دون تفاهم بين اللاعبين الرئيسيين وأن الهجوم على المدينة ليس قريباً. وعليه فعلى الرئيس أردوغان إيجاد طريقة لوقف وتحجيم «القاعدة» والمجموعات الأخرى أو إعطاء الضوء الأخضر لمهاجمة إدلب عند إيجاد حلّ للسكان المدنيين.
ويحتاج أردوغان إلى احتواء عشرات الآلاف من المسلّحين الموالين له وإيجاد الحجج المُقْنِعة لقادة هؤلاء لإنهاء حالة اللادولة في المناطق الشمالية بتَفاوُضٍ مع الدولة السورية أو سيتعيّن على إدلب الانتظار لفترة طويلة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي