كتب فهد عامر الأحمدي مقالاً قيّماً ينطبق على أوضاعنا في الكويت بعنوان: «كيف تحاشت النرويج المرض الهولندي وتجنبت نقمة النفط وحازت نعمته؟»
والمرض الهولندي الذي تكلّم عنه الكاتب، هو حال الرخاء الزائف التي أصيب بها المجتمع الهولندي بين عامي 1900 و1950 حين اكتشف النفط في بحر الشمال، وتمتع بنعيمه على مدى جيلين قبل أن ينضب نهائياً!
ففي حين تسارعت خطى أوروبا نحو الانتاج الصناعي أصيب الشعب الهولندي بتخمة معيشية جعلته يعزف عن العمل الجاد، والاقتصاد المنتج، ويستعيض عنها بالعمالة الأجنبية واستيراد السلع عوضاً عن انتاجها!
وما زاد من الأمر سوءاً أن عائدات النفط رفعت سعر صرف العملة الهولندية، ما رفع من أسعار السلع التي تصدرها هولندا، وما جعل شراء السلع المستوردة أرخص من السلع الهولندية، وتسبّب ذلك في إغلاق كثير من المصانع، وبالتالي قلّت فرص العمل وارتفعت نسبة البطالة، وأصبح الناس لا يتورعون عن طلب الإعانات الحكومية، وسمّوا تلك الظاهرة بالمرض الهولندي!
أما النرويج التي تطل كذلك على بحر الشمال، فقد تجنبت ذلك المرض الهولندي، ولم تسمح لشعبها بالوصول إلى الاموال السهلة من دون عمل وتعب، وقد انقسم البرلمان النرويجي إلى فريقين:
الفريق الأول طالب بتوزيع الثروة على عامة الناس، بينما الفريق الثاني اقترح إنفاق الثروة النفطية على الصناعة والإنتاج الوطني، ومن ثم يستفيد الناس من ريع العمل في هذه القطاعات الصناعية والإنتاجية (أي ادرس واعمل ثم احصل على المال).
وفي النهاية رجحت كفة الفريق الثاني، فتم توجيه عائدات النفط إلى صندوق سيادي يستثمر في الداخل والخارج، ويحق للحكومة فقط سحب 4 في المئة من رأس المال السنوي، لتدعيم ميزانيتها التي تعتمد بحد كبير على الضرائب المرتفعة.
والنتيجة أن النرويجيين لا يتمتعون اليوم بأعلى دخل فردي وأفضل نظام صحي واجتماعي في العالم فقط، وإنما يحققون ثروات شخصية ومداخيل قومية، فقد تجاوز نصيب كل مواطن نرويجي في صندوق بلاده السيادي 5 ملايين دولار، يحق له السحب منه بحسب معايير احتياجية خاصة لم يحتج إليها أحد منذ عام 2007!
المرض الكويتي!
لو نظرنا إلى المرض الكويتي لوجدنا أنه يفوق بأضعاف المرات المرض الهولندي، فمنذ أن منّ الله تعالى علينا بهذا النفط المتدفق قبل ستين عاماً أو أكثر، ونحن نغرف منه ونبيعه بسعر السوق ونوزع وارداته على الشعب بسخاء، ونتكلم عن التخطيط لتنويع مصادر الدخل والاستغناء عن النفط، ولكن حديثنا عبارة عن أضغاث أحلام ولا نملك الجدية في ذلك، وكلما جاء مسؤول حكومي كبير تسابق على تبديد تلك الثروة السيادية، حتى صندوقنا السيادي الذي من المفترض أن يوفر البدائل ويحفظ ثرواتنا وينميها، لا يعرف الكثيرون عن أسراره وحجمه ومواطن استثماره، حتى نواب مجلس الأمة!
أما مشاريعنا الصناعية التي بدأت قبل عقود عدة، فقد توقفت جميعها وأغلقت المصانع وتسابق الناس على إلغاء القروض وتوزيع الثروة وشعارنا «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»!