رواق

بحار واحد ومذكرتان

تصغير
تكبير

قبل نحو عامين حضرت عرض «مذكرات بحار» في مركز جابر الأحمد الثقافي، وعبرت عن دهشتي في مقال سابق تلك الدهشة التي دهسها تسجيل العرض وعرضه بما لا يليق بهيبته على المسرح، والذي حال دون تكرار عرضه في مواسم لاحقة أسوة بعروض عالمية ارتقى لها العمل فعلاً منذ عرضه الأول البسيط.
لكن العرض تكرر، كما توقعت، قبل حضوره، ما أثار استغرابي، خصوصاً أن العرض نفسه تكرار حديث لعرض قديم، والحيز الأكبر في إعجابنا به حالة النوستالجيا في مخاطبة الماضي التليد، باقي الحيز استأثر به الفنانان العميري والعماري بأدائهما المميز درامياً وغنائياً علاوة على حضور مريم الصالح، الذي شكّل نكهة بهار أثرت العمل مع حيز بسيط من الدهشة بالمؤثرات البصرية بين المشاهد الغنائية، وحضور مدهش لشادي الخليج في ختام العمل يعود لينشد: ها نحن عدنا!
تكرار المذكرات استند على حذف أو لنقل جميع ما سبق من عناصر نجاح، والاستناد على عناصر جديدة في العمل المجدد لعل أبرزها معالجة درامية للروائي سعود السنعوسي، ما أثار فضولي لمشاهدة العرض، ثم استغرابي بعد العرض، كيف استطاع سعود - في بداية تعيينه في مركز جابر- أن يمس مقدسات فرحة العودة باستبدال مشهد العزاء بمشهد العرس في نهاية العرض، لفرض سوداوية مشهد الختام كحال معظم رواياته وأبرزها (فئران أمي حصة) التي سمحت الإعلام بتداولها أخيرا، وأقول فرض، لتحفظ الفنان شادي الخليج على هذه النهاية، التي قد أشاركه في التحفظ نفسه تكريساً لمفهوم الترفية وسط أجواء التنكيد الكافية في الواقع الذي نريد من الفن فيه أن يعزلنا عنها لا يضعنا في وسطها نتحسر على بؤسنا.


وفي الختام أصرّ سعود على بؤسه وأصرّ شادي الخليج على عرسه، ما جعل العمل له نهايتان كخطين متوازيين بين بكاء ينهي العمل وغناء يعيد صياغة النهاية، بأمل مشوب برحلة الصيف الحزينة يتوجها فرح يناقض ما سبقه من نكد بتبرير درامي، يستذكر ولا يقنع بنهاية غير مترابطة، رغم ترابط العمل لمحاولة إرضاء الطرفين ولقد علمتنا التجارب أن محاولة إرضاء أكثر من طرف لن ترضي أي طرف.
الخلاصة: عملان: عمل عالمي حتى نهايته الدرامية، وعمل محلي في لوحته النهائية، التي سبقها لوحة تكرم رواده، في مشهد اختلط فيه رفع العتب بكسر العين، بعد ما اعترضه من اعترض، اثار العمل العالمي إعجاب المثقفين والنقاد، مثلما أثار العمل المحلي إعجاب الجمهور، وهما طرفان قلما يجتمعان على عمل، ومع ذلك كنت أتمنى التفرد بطرف دون الآخر وحالة دون أخرى، كي لا نصاب بحالة الانفصام في نهاية العمل عندما صدحت الأغاني بعد مشهد العزاء في سريالية لا يشبهها إلا عزاء الفنانة الراحلة الصبوحة!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي