كان من حظي الوافر أن أتيحت لي فرصة العيش في بلاد الغرب لمدة تناهز الثماني سنوات، رأيت فيها ما رأيت من تقدم ونظام وعيوب أيضاً، إلا أن أشد ما لفت نظري - وهو ما يتعلق بمقال اليوم - ذاك التجاذب بين اليمين واليسار في الغرب حول قضية الهوية واستيعاب المهاجرين، وكيفية التعامل مع الثقافات المختلفة التي يجلبها المهاجرون معهم من بلدان المنشأ إلى بلادهم الجديدة.
نقاش حيوي وفعّال، لا ينقصه التشدد والتطرف والتعميم من قبل اليمين، أو التسامح المفرط من قبل اليسار، تجاه المهاجرين وقضاياهم، فاليمين يرتكز في تصوراته حول المهاجرين على فكرة الهوية الثقافية للبلاد وعدم تغييرها وضرورة انصهار المهاجرين الجدد فيها، بينما يرتكز اليسار على فكرة التنوع والتعدد وقبول الاختلاف الثقافي - بتطرف أحيانا يجعل بعضهم من مؤيدي محاكم الشريعة في البلدان الغربية - وبين هذين الاتجاهين المتنافرين كانت الضحية الأكبر هي مسألة مراجعة مجمل التراث الاسلامي، والذي هو «حمال ذو وجوه»، كما قال الإمام علي عليه السلام عن القرآن الكريم، وبه من الأحداث والروايات والتفسيرات والأحداث ما يمكن استخدامه لتبرير كل أعمال العنف والإرهاب الحاصل حولنا في العالم من قبل تيارات الإسلام السياسي المتشددة، وهي محور حديثنا اليوم إذ لن يسعنا المجال للحديث عن التطرف الموجود في الأديان اخرى!
مشكلة المسلمين المهاجرين في المجتمعات الغربية لم تكن في نظري مشكلة حرية تعبدية، بل أزمة الانتماء العقائدي وربطهم بكل الأفعال العنيفة التي يقوم بها بعضهم، رغم أن الغالبية الساحقة من المسلمين هم أناس مسالمون و«عايزة تعيش» ولا ينخرطون البتة في أي تنظيمات أو أفعال عنيفة، لذلك فالدين بالنسبة للكثير منهم أصبح أداة للتعريف عن الهوية ومتماهيا معها، وأي انتقاد للتطرف الديني يزعج المسلمين الموجودين في بلاد الغرب باعتباره ناشئا بالضرورة من عنصرية ضدهم تكريساً لظاهرة الـ«islamophbia»، يؤيدهم في ذلك اليسار الغربي ومنظمات حقوق الإنسان التي تتحسس من أي نقد قد يوجه لجماعة معينة، وأنه مقدمة للضغط عليها أو تطهيرها عرقياً كما حدث في التاريخ الغربي غير البعيد عنا.