نفسياسي

الإرهاب وجذوره... بلانا منا وفينا!

تصغير
تكبير

كان من حظي الوافر أن أتيحت لي فرصة العيش في بلاد الغرب لمدة تناهز الثماني سنوات، رأيت فيها ما رأيت من تقدم ونظام وعيوب أيضاً، إلا أن أشد ما لفت نظري - وهو ما يتعلق بمقال اليوم - ذاك التجاذب بين اليمين واليسار في الغرب حول قضية الهوية واستيعاب المهاجرين، وكيفية التعامل مع الثقافات المختلفة التي يجلبها المهاجرون معهم من بلدان المنشأ إلى بلادهم الجديدة.
نقاش حيوي وفعّال، لا ينقصه التشدد والتطرف والتعميم من قبل اليمين، أو التسامح المفرط من قبل اليسار، تجاه المهاجرين وقضاياهم، فاليمين يرتكز في تصوراته حول المهاجرين على فكرة الهوية الثقافية للبلاد وعدم تغييرها وضرورة انصهار المهاجرين الجدد فيها، بينما يرتكز اليسار على فكرة التنوع والتعدد وقبول الاختلاف الثقافي - بتطرف أحيانا يجعل بعضهم من مؤيدي محاكم الشريعة في البلدان الغربية - وبين هذين الاتجاهين المتنافرين كانت الضحية الأكبر هي مسألة مراجعة مجمل التراث الاسلامي، والذي هو «حمال ذو وجوه»، كما قال الإمام علي عليه السلام عن القرآن الكريم، وبه من الأحداث والروايات والتفسيرات والأحداث ما يمكن استخدامه لتبرير كل أعمال العنف والإرهاب الحاصل حولنا في العالم من قبل تيارات الإسلام السياسي المتشددة، وهي محور حديثنا اليوم إذ لن يسعنا المجال للحديث عن التطرف الموجود في الأديان اخرى!
مشكلة المسلمين المهاجرين في المجتمعات الغربية لم تكن في نظري مشكلة حرية تعبدية، بل أزمة الانتماء العقائدي وربطهم بكل الأفعال العنيفة التي يقوم بها بعضهم، رغم أن الغالبية الساحقة من المسلمين هم أناس مسالمون و«عايزة تعيش» ولا ينخرطون البتة في أي تنظيمات أو أفعال عنيفة، لذلك فالدين بالنسبة للكثير منهم أصبح أداة للتعريف عن الهوية ومتماهيا معها، وأي انتقاد للتطرف الديني يزعج المسلمين الموجودين في بلاد الغرب باعتباره ناشئا بالضرورة من عنصرية ضدهم تكريساً لظاهرة الـ«islamophbia»، يؤيدهم في ذلك اليسار الغربي ومنظمات حقوق الإنسان التي تتحسس من أي نقد قد يوجه لجماعة معينة، وأنه مقدمة للضغط عليها أو تطهيرها عرقياً كما حدث في التاريخ الغربي غير البعيد عنا.


هذه التجاذبات بين اليمين واليسار الغربيين وأزمة الهوية - التي يعيشها مسلمو الغرب - ألقت وما زالت تلقي بظلالها على أي مراجعة نقدية حصيفة لمجمل تراثنا الديني والتاريخي، وتحديد الأسباب الثقافية لظاهرة العنف الديني التي تنامت بيننا، فكلما حاول مفكر تقديم نقد لبعض القضايا الدينية ووجه بكلمة «محفوظة»، مفادها أن الغرب - ويقصد اليسار- يتقبلنا كما نحن وأنت تأتي لتعطي اليمين المتطرف ضدنا أسباباً لتشديد حملاته علينا؟!
لا يا سادتي... يجب أن نعترف أن «بلانا منا وفينا».
وهنالك في تراثنا ما يوفر مادة خصبة للعنف والإرهاب، لا بد من مراجعته ومواجهته ونبذه، وما عاد الادعاء بأن أسباب الجنوح إلى الإرهاب اجتماعية فقط كالفقر والحرمان والضغوطات السياسية، فهي مجرد مكملات، أو «بهارات»، لا تشكل «طبخة» متكاملة إن لم لتكن مستلزمات ومكونات تلك «الطبخة» الأساسية متوافرة أيضاً، ناهيك عن أمثلة كثيرة لأناس «مستريحين» جداً من الناحية المادية قاموا بالانخراط في الأفعال العنيفة وآخرها في سريلانكا قبل أسابيع.
مرة أخرى... «بلانا منا وفينا»... فهل نملك شجاعة مواجهة أنفسنا؟!
alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي