كنا قد أفضنا في الحديث عن الاستجوابات ومراميها، ودوافع مقدميها، في ظل التسابق النيابي نحو مساءلة الوزراء، ولن نضيف جديداً مع استمرار موجة التهديد بالاستجوابات، وتقديم أحدها لرئيس مجلس الوزراء، ولكننا - قبل أن نناقش ما جرى الأسبوع الماضي - نهمس في أذن النواب الأفاضل ونقول لهم: يجب أن يكون ميزانهم في أي مساءلة أو استجواب يقدمونه... الوطن والمصلحة الوطنية، وألا يكونوا أداة لهذه الجهة أو تلك كما يدعي البعض أو يصرحون به، وذلك حفاظاً على مكانة المجلس دوره التشريعي الرقابي، وسمعة أعضائه.
أما ما حدث في جلستي الاستجوابين في الثلاثاء الماضي، فقد أفرزت عدداً من المعطيات التي يجب الوقوف عندها، وتناولها بشيء من التأمل والتفكير، لنضع الأمور في نصابها وفق رؤية شخصية متواضعة، هدفها بالدرجة الأولى أن يبقى مجلس الأمة محافظاً على قيمته الرقابية بالدرجة الاولى. فما بين استجواب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة انس الصالح، واستجواب وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب محمد الجبري، جرت أحداث ووقائع يجب ألا تمر من دون وضعها على بساط البحث والدراسة، ولا سيما أن الاستجوابين أفرزا وبشكل جلي الفرق بين استجواب وزير «ظهره قوي» واستجواب وزير بلا ظهر، أو على أقل تقدير ظهره أضعف من ظهر زميله! ففي ما كانت مساءلة الصالح خاطفة من حيث الوقت الذي كان سريعاً، وصحيفة الاستجواب التي لم تتجاوز ثلاث ورقات كل ورقة فيها محور ناقشه فيها نائبان، جاءت مساءلة الجبري «كاملة الدسم» بمحاور متعددة تنقلت ما بين أروقة وزارة الإعلام والهيئات التابعة للوزير، وتصدى له فيها ثلاثة نواب، هذا من جهة. ومن جهة ثانية، كانت جلسة المساءلة للأول سريعة وخاطفة كمحاورها ووقتها، وسجلت - للمرة الأولى في تاريخ الاستجوابات - عدم تقدم أي نائب بطلب للحديث سواء أكان مؤيداً أو معارضاً، كما لم تحدث تعقيبات على حديث النائبين ومن بعدهما الوزير، ولم يترتب على الاستجواب أي نتائج، بلا توصيات ولا طلب طرح الثقة الذي لم يطرح أصلاً، وكأن الأمر يصنف ضمن مفهوم «رفع العتب». أما مساءلة الجبري، فقط تضمنت كل عناصر الاستجواب بدءاً بمرافعة المستجوبين، مروراً برد النائب، ثم حديث المؤيدين والمعارضين، وتعقيب كل من الوزير ومستجوبيه وصولاً إلى تقديم طلب «طرح الثقة». وإذا كان الحديث عن استجواب الصالح لا يأخذ كثيراً من الكلام، ويقتصر على جملة أن الوزير كان له ثقل داعم في الجلسة التي تمخضت مساءلته فيها عن «لا شيء»، فإن استجواب الجبري يسيل الكثير من الحبر تعليقاً وتحليلاً، ولا سيما الطريقة التي انتهى إليها، والتي يمكن أن تفسر بتفسيرات عدة، ويأخذها المراقب السياسي وفق الاتجاه الذي يرغب. ولأن الأمر متشعب في ذلك فسنحاول الاقتصار على بعض الملاحظات العريضة التي سجلناها، ونسعى لتقديم وجهة نظرنا فيها. وأول ما يتبادر إلى الذهن في القضية ما تسرب من أخبار تقول إن بعض المسؤولين رفيعي المستوى في الجهات التي تتبع الوزير وتضمنت صحيفة الاستجواب ملاحظات عنها، قد زودوا المستجوبين بالمعلومات التي أثاروها وساءلوا الوزير عليها، ما يدفع للتساؤل عن مدى قوة الجهاز الحكومي وتضامن قيادييه، ووحدة موقفهم، أم أن الأمر يدخل في نطاق حرب المناصب ومعارك الإطاحة بالرؤوس! والأمر الأهم الذي سنقصر حديثنا عنه هنا، ما أثير أثناء الاستجواب من «نعرة العنصرية» التي ظهرت جلية في تعقيب أحد النواب المؤيدين للوزير، الذي اتهم المستجوبين ومن وقع على طلب طرح الثقة، بالعنصرية، وبأنهم يستهدفون الوزير لشخصه ومن وراءه وليس لمنصبه، وأن ما رآه يصب في إطار حرب عنصرية تستهدف فئة من أبناء الشعب الكويتي، في مقارنة بين مخرجات الاستجواب، وسابقه الذي لم يفصله عنه سوى دقائق. وهذا أمر مؤسف ويطرح عددا من علامات الاستفهام، عن واقع المجتمع الكويتي ومدى حقيقة انقسامه إلى مجتمع طبقي، أو على الأقل مجتمع فئوي بين واقع المجتمع على طرفي «السور» ولا سيما أن ما طرح يأتي استمراراً للجدل حول تزوير الجنسية الكويتية، والحديث عن الزيادة غير الطبيعية لعدد الكويتيين بمئات الآلاف من الأشخاص. وهذه القضية خطيرة يجب أن تتداركها الحكومة وتتحمل مسؤولياتها تجاهها وأن تضع النقاط على الحروف، وتنهي حالة الأخذ والرد قبل أن تستفحل الأمور وتصبح عصية على الاحتواء.
h.alasidan@hotmail.com
@DAlasidan