نشرت جريدة «الثورة اليمنية» التي تصدر عن جماعة أنصار الله الحوثية في عددها الصادر في 2019/4/29، إعلاناً قضائياً بطلب 52 متهماً للمثول أمام المحكمة الجزائية في «الحديدة»، وذلك لسماع أقوالهم في اتهامهم بمقتل صالح الصمّاد، وإلا فإن الأحكام الجزائية ستصدر عليهم غيابياً - حسب الإعلان - والمتهمون الذين تطلب هذه الجماعة مثولهم أمام محاكمهم هم: رئيس الولايات المتحدة الأميركية ووزير دفاعه وعدد من قادة الجيش الأميركي وعدد من رؤساء الدول الأوربية والقادة العسكريين، ورئيس وزراء إسرائيل ووزير دفاعه وثلاثة من رؤساء دول الخليج وأولياء عهودهم، وعدد من رؤساء الدول العربية وقيادات عسكرية في هذه الدول ووزراء الدفاع وسياسيين من كل الدول التي تشارك في التحالف!
تظن هذه الجماعة أنها قادرة على محاكمة مجموعة كبيرة من رؤساء دول العالم والقيادات فيها بهذه الطريقة وأن أي حكم سيصدر من محكمة «الحديدة» الجزائية، سيكون ذا أثر على العالم في حالة إدانة هؤلاء الرؤساء والقادة!
هذه الطريقة في التفكير ليست قاصرة على جماعة أنصار الله في اليمن، بل هي ديدن غالبية الجماعات السياسية سواء كانت دينية أو غير دينية، كلها تعاني من هذا الغرور السياسي الفكري، فهي تعتقد أنها لمجرد إيمانها بغلبتها فهي غالبة لا محالة! وهي المنتصرة بمعتقدها المزعوم، ويتكرر المشهد دائما مع هذه الجماعات على مرّ التاريخ.
إيران ليست بعيدة أيضاً عن نهج الغرور السياسي هذا، حتى وإن كانت تمارسه بشيء من الدهاء، إلا أنها ما زالت تعتقد أنها قادرة على مواجهة هذه القوى العالمية، بمجرد معتقدها في أنها «غالبة» وفقا لرؤاها الدينية، وتخسر إيران شعباً وأمة سنوات كثيرة من عمر إنجازها وتطورها، من أجل هذا الوهم والغرور.
الكل في الإقليم يتمنى لإيران الاستقرار والتواؤم مع النظام العالمي، بما لا يتعارض مع سيادتها ومصالحها، وبما يتناسب مع قواعد هذا النظام، ووفقا للمركز الفعلي لإيران في موازين هذه القوى، وبعيداً عن طغيان ذاك الغرور السياسي، ونحن في بداية تطبيق القرار الأميركي الرامي لتصفير صادرات النفط الإيرانية، على المراقبين أن يعووا أن سياسة البيت الأبيض في هذه المرحلة ليست كما كانت من ذي قبل، فهي الآن سريعة وحازمة - بغض النظر عن مدى الصواب والخطأ فيها - لكن السرعة والحزم سمة واضحة في قرارات القيادة الأميركية في هذه المرحلة، وقد أرسلت أميركا إلى العالم العربي «بالونات اختبار» عدة لقياس وقوة ودرجة ردود الأفعال، قررت بداية نقل سفارتها إلى القدس وانتظرت تراقب ما عساه أن يحدث، ثم اعترفت لإسرائيل بضم الجولان، واستكملت مراقبتها، وقبلها انسحبت من الاتفاق النووي مع إيران، وفي كل هذه «البالونات» عرفت أميركا أن الطريق أمامها ممهد لفرض سياستها التي تريد من دون أي عوائق.
البرغماتية مذهب فلسفي سياسي يعني أن الأثر العملي هو معيار الحقيقة والنجاح، فهذا المذهب يبحث عن نتائج أي فعل أو فكر أو سياسة، وهو يدعو للتأقلم لتحقيق النتائج أيضاً، وعلى دولة كبرى مثل إيران أن تبحث عن نتائج سياستها منذ أكثر من 40 سنة وما حققته لشعبها، فالنتائج هي المعيار الوحيد لقياس صواب أو عدم صواب المنهج.
في النهاية... هذا الغرور السياسي والفكري هو الذي دمّر كثيراً من الدول، حين تسلطت عليها هذه الجماعات والأحزاب المريضة بـ«الوهم السياسي».
@lawyermodalsbti