من زاوية أخرى

ديّة الـ 10 ملايين... رأي آخر

تصغير
تكبير

وسط الأحداث التي تموج بها الساحة المحلية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، برزت في الآونة الاخيرة قضية جهود الإفراج عن المواطن خالد بن نقا العازمي المحكوم بالسجن المؤبد لقتله الإعلامية هداية السلطان عام 1999، حيث تم التوصل - وفق ما أعلن - إلى اتفاق مع ورثة الراحلة، بالتنازل عن حقهم الشخصي، والعفو عن ابن نقا، مقابل دية مقدارها 10 ملايين دينار، وهو الأمر الذي استنهض همم أبناء قبيلة السجين، والكثير من الجهات الكويتية الأخرى، من قبائل وعائلات وشخصيات، بهدف عتق رقبة السجين، وتخليصه من سجنه بعدما دفع ثمن عمله 19 عاماً في السجن فقد خلالها وظيفته ضابطاً في وزارة الداخلية، والأهم أنه فقد جزءاً كبيراً من عمره وصحته خلف القضبان.
ومع انطلاق حملة جمع الدية رسمياً مساء اليوم في اجتماع كبير جنوب الصباحية، تداعى له أبناء قبيلة العوازم وكل مكونات المجتمع، فقد شهدت القضية تجاوباً واسعاً في الوسط الاجتماعي الكويتي، حيث رأى الكثيرون أن ما ناله ابن نقا من عقوبة كاف، وحان الوقت ليخرج، وقد وصلت رسائل دعم من جهات عدة تؤكد استعدادها للمشاركة في جمع الدية، لتؤكد تلك الرسائل وحدة المجتمع الكويتي وتضامنه وتكافله، وهي ظاهرة ليست بالجديدة على الكويت وأهلها الذين تضامنوا وتكاتفوا وقت الشدة وظهر معدنهم الأصيل على امتداد تاريخ الكويت قديماً وحديثاً.
وفي ما يتعلق بحجم الدية، فقد أبدت أكثر من جهة - ولا سيما من رجال الدين - تحفظها على العشرة ملايين دينار، مؤكدين أنه مبالغ فيه، وكبير جداً، وقد يؤسس إلى ظاهرة ليست جيدة في مسألة الدية، إذا ما حدثت مشكلة مشابهة في المستقبل، ومبعث الاستغراب من المبالغة بحجم المبلغ أن الجاني قد دفع ثمن فعلته 19 عاماً كاملة في السجن، ضاع فيها شبابه ومستقبله الوظيفي، وهي مدة عقوبة ليست بالسهلة، ويكفيه ذلك.


فيما رأى آخرون أن المشاركة الشعبية في جمع المبلغ الكبير - ولا سيما في شهر رمضان المبارك - سيحرم عائلات وفئات كثيرة من مساعدات وصدقات وزكوات، كانت تنتظرها لتدبر بها شؤونها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها، وهو أمر يجعل تلك الفئات تعيش في حالة من الضيق الحياتي والمعيشي.
ولعل هذه النقطة الأخيرة التي أريد تسليط الضوء عليها في موضوع الدية وحجمها الكبير. فمبلغ 10 ملايين دينار ليس سهلاً، ويمكن له أن يحل الكثير من المشاكل والقضايا، فقد كشفت حملة إسقاط القروض عن حالات مأسوية لمواطنين تلاحقهم الديون والقضايا وعليهم محاضر ضبط وإحضار، ويمكن لمثل هذا المبلغ أن ينهي معاناتهم ومشاكلهم، ويضعهم من جديد على سكة الحياة الطبيعية، ولعل مثل هذا الأمر يلفت نظر أهل الدم الذين سيتسلمون الدية، وأظن أنهم ليسوا بحاجة للمبلغ، ليتم توجيهه نحو معالجة قضايا المدينين والأسر الفقيرة المتعففة، ويكون ثوابه في ميزان والدتهم الفقيدة، لعل الله يرفع درجتها بصدقات دفعت باسمها. وإن عفوا وأصفحوا - وهو خير لهم كما قال الله تعالى في كتابه - فيتم توزيع المبلغ صدقة عن السجين، وفي كلٍّ خير. وليكن مثل هذا التصرف تأسيسا لسُنة حميدة يوجه فيها مثل هذا العمل لمساعدة المحتاجين والأسر الفقيرة المتعففة، بدل أن نسن سُنة غير حسنة في المبالغة بمقدار الدية التي تقر في حالات الاعتداء قتلا أو إصابات.
وهنا يجب أن نشير إلى أمر مهم في قضية الدية، أن الله تعالى عندما شرعها كان الهدف منها الزجر والردع للكف عن الاعتداء وحماية الأنفس من جهة، ومن جهة اخرى تعويض لما فات من الأنفس بالمال الذي يأخذه ورثة المجني عليه. ولكن ذلك له حدود ضابطة بعيداً عن تنظيم الحملات لجمع الدية التي نراها كثيراً، والتي قد تُخرج القضية كلها عن مسارها. وهذا يلزم العقلاء التدخل لإعادة تلك القضية إلى سكتها الشرعية الصحيحة.
h.alasidan@hotmail.com
@DAlasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي