من زاوية أخرى

طريقك مسدود... مسدود!

تصغير
تكبير

ما حدث في اجتماع لجنة حقوق الإنسان البرلمانية الخميس الماضي، يمثل المحطة التالية في مسيرة تجاوزت النصف قرن من عملية الأخذ والجذب في قضية غير محددي الجنسية في الكويت «البدون»، وتظهر أن هناك جهات تضع العصي في عجلات أي حل نهائي للقضية، التي أصبحت تمثل معضلة كبيرة، وتحرج موقف الكويت أمام الرأي العام العالمي، ولا سيما أن جيل اليوم من أبناء هذه الفئة هو الجيل الثاني، وبداية الجيل الثالث ممن ولدوا وعاشوا على أرض الكويت التي أصبحت وطنهم الأول والأخير، ولا سيما أنهم لم يعرفوا غيره، بغض النظر عن أصول أجدادهم ومن أين وصلوا. وهو ما يجعلهم - وفق الرأي العام العالمي - مواطنين كويتيين حتى لو لم يحملوا الجنسية، طالما أنهم ولدوا وعاشوا في البلاد.
القضية عبر مسيرة أكثر من 60 سنة مرت بمراحل تطور عديدة، وكلما اقتربت من إيجاد حل عادل ينصف أصحاب الحقوق من أبناء هذه الفئة من جهة، ويحافظ على النسيج الاجتماعي للكويت من جهة ثانية، تأتي جهات لها موقف معلن تجاه هذه الفئة لتعيد الكرة إلى خط البداية، ليس هذا فحسب، بل هناك محاولات منظمة للتضييق على هذه الفئة في معيشتها في محاولة يائسة لتنفير أبنائها من الكويت، ودفعهم قسراً لمغادرتها، وهو أمر يبدو بعيداً عن أي مقياس إنساني، ولا سيما أن «الجهاز المركزي» كثيراً ما أعلن أن لديه وثائق تثبت الجنسيات الحقيقية لكثير من أبناء البدون، وانتظرنا أن يعلن رسمياً وصراحة عن تلك الجنسيات ويواجه أصحابها بالوثائق ليجبرهم على إعلان جنسياتهم الحقيقية، ولكنه لم يفعل، وكل ما قام به، أنه أثبت الجنسية التي يعتقد أن هذا الشخص أو ذاك من تلك الفئة ينتمي إليها على بطاقته الصحية، وهي خطوة قوبلت بتحفظ كبير سواء من أبناء البدون أو حتى الجهات الرسمية التي رأت أن هذا الأمر غير منطقي.
والطريف في القضية - كما ذكر لي أحد أبناء هذه الفئة - أن قريباً له كتب على بطاقته أن جنسيته سعودية، فذهب إلى السفارة السعودية طالباً منهم الاعتراف به سعودياً، وبعد استعلام السفارة عنه لم يجدوا له أي أثر في السجلات السعودية، فخاطبت السفارة الجهاز المركزي عبر القنوات الديبلوماسية عن سبب نسب جنسية الشخص للسعودية، فاعتذر الجهاز عن هذا الخطأ، وفق قول الشخص، وطلب منه مراجعته مجدداً ليأخذوا البطاقة ويعطوه بطاقة جديدة سجلوا عليها جنسية عربية أخرى!
من ذلك يتضح - بما لا يدع مجالاً للشك - أن قضية معرفة جنسيات البدون، التي تحدث عنها الجهاز المركزي، ليست إلا تخمينات وتوقعات لا تستند إلى أي دليل، ويؤيد ذلك أن الجهاز وخلال الفترة الماضية التي أعلن فيها عن تصنيفه للبدون وفق ثلاث شرائح، لكل شريحة بطاقة بلون خاص، لم يتخذ أي خطوة في سبيل إجبار البدون ممن يملك مستندات ووثائق على جنسياتهم، على الاعتراف بجنسياتهم الأصلية ورفع أسمائهم من قائمة غير محددي الجنسية، وهو الإجراء الذي يجب أن ينفذ حتى يطمئن الجميع إلى أن ما لدى الجهاز معلومات حقيقية ووثائق تكشف جنسيات مدعي «البدون».
أما الإصرار على التضييق على هؤلاء وعدم تسهيل أمور حياتهم في سبيل «تطفيشهم» من الكويت فهو معيار غير إنساني ويفتقد إلى الجانب الأخلاقي في التعامل مع البشر، خصوصاً هؤلاء الناس الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى الكويت. والأمر أمام الجهاز - إذا أراد الحفاظ على مصداقيته أمام الرأي العام الكويتي وحتى العالمي - أن يعلن بالمستندات الجنسيات الحقيقية لمدعي هذه الفئة، أو أن يسهل لهم أمور معيشتهم ريثما تجد الدولة حلاً نهائياً لهم، وهو الحل الذي كان يفترض أن يكون قد وصل إلى منتصف الطريق فيه، عندما أقر مجلس الأمة عام 1999 تجنيس ما لا يقل عن 2000 شخص من أبناء هذه الفئة سنوياً، وهو القرار الذي لم ير النور منذ إقراره والذي لو طبق لكان اليوم قد تجنس من هؤلاء 40 ألف شخص، وهو عدد يمثل نحو 30 في المئة من أبناء الفئة، ونحو 99 في المئة من المصنفين على أنهم يستحقون التجنيس. ولكن يبدو أن هناك أطرافاً لا تريد لهذا الملف أن يعالج أو أن يغلق بالشكل المناسب. والقضية مرشحة للتصعيد مع انتظارنا مناقشة مجلس الأمة في جلسة «الحقوق المدنية والاجتماعية» لهذه الفئة، وما سيسفر عنه فتح الملف الذي يبدو أنه مرشح للسخونة مع تهديدات نيابية باستجواب وزير الداخلية.

h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي