لننظر إلى النصف المليء من الكأس

تصغير
تكبير
رئيس الدولة شمعون بيرس حاول في الآونة الاخيرة من خلال اتصاله مع القادة العرب، أن يبلور موقفا ايجابيا ومرنا من مبادرة السلام العربية. ورحب بالمبادرة وأكد اسسها الايجابية ودعى لاجراء مفاوضات حولها، من دون أن يتبنى كل بنودها مسبقا، لما في ذلك البند الاشكالي الخاص باللاجئين. هذا بالضبط الموقف الذي كان من الجدير على الحكومة الإسرائيلية أن تتبناه.
هذا الموقف الواضح لم يطرح من قبل حكومات «كاديما». إن شكل بنيامين نتنياهو الحكومة المقبلة، فاحتمالية تعاملها بصورة ايجابية وخلاقة مع التحدي الذي تشكله المبادرة شبه معدومة. هذا سبب آخر للخشية من المغزى السياسي المترتب على عودة نتنياهو إلى الحكم.
السعودية ومصر اوضحتا حتى الآن بصورة قاطعة، ردا على جس النبض الذي قام به بيرس، أن الخطة ليست مفتوحة للتفاوض، على إسرائيل ان تقبلها كما هي. من المفهوم أن الخطة لا تفرض تفاصيل اتفاقيات السلام المستقبلية، إلا أنها تحدد المبادىء بالتأكيد. في قضية اللاجئين تقول الخطة أن حل مشكلتهم العادل سيتم وفقا للقرار 1 9 4، الصادر عن الامم المتحدة، ذاك الذي يدعو إلى إتاحة المجال للاجئين الراغبين «بالعودة إلى منازلهم» وليس للدولة الفلسطينية، بأسرع وقت عملي ممكن.
كما أن الخطة تنص على أن الانسحاب الكامل من الجولان (الذي يعرف الجميع أن الاتفاق ليس متاحا من دونه)، سيكون حتى خطوط الرابع من يونيو 67، وليس حتى الحدود الدولي. معنا ذلك عودة سورية إلى أجزاء من شاطئ طبريا والتي ليست جزءا من المناطق السيادية السورية وفقا للحدود الدولية المعترف بها.
وبالنسبة للبنان تطالب المبادرة إسرائيل استكمال انسحابها من اراضي هذه الدولة، خلافا لقرار مجلس الأمن الذي أكد أن انسحاب إسرائيل قد استكمل عن كل الأراضي اللبنانية في عام 2000.
هذه الأمور لا تلغي بالمرة المغزى الايجابي الكبير الذي تنطوي عليه المبادرة والتي تشمل الاستعداد الصريح للسلام، وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل من قبل العالم العربي كله. يتوجب أن لا نتذكر للغة المبادرة فقط، وإنما أيضا سياقها السياسي. الصورة الأصلية لهذه المبادرة لم تتضمن البند المتعلق بعودة اللاجئين لإسرائيل. هي اقترحت على إسرائيل صفقة رزمة ثورية في طابعها: الجلاء عن المناطق مقابل السلام مع العالم العربي كله.
هذه الحقيقة تؤكد المسافة التي قطعتها الدول العربية منذ «لاءات الخرطوم الثلاث»، ورغبة الأنظمة العربية البراغماتية في وضع حد للصراع، تحديدا في ظل ازدياد قوة الأطراف المتطرفة التي تتغذى من هذا الصراع والتي تشكل خطرا على الأنظمة ذاتها. مع ذلك تعبر حقيقة إضافة بند اللاجئين على المبادرة السعودية بضغط سوري وفلسطيني عن الصعوبة الكبيرة التي تواجهها الاطراف البراغماتية لمواجهة المطالب الراديكالية التي تصاغ باسم المبادىء القومية العربية التي تحظى بتأييد شعبي واسع.
في ظل هذا الواقع المعقد يتوجب أن نركز على النصف المليىء من الكاس من دون أن ننسى النصف الفارغ. وبالتأكيد من دون نفي وجوده، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسألة مصيرية مثل مطلب العودة إلى إسرائيل. ان لم يكن هناك استعداد من قبل العالم العربي للبحث في تفاصيل المبادرة اليوم، ومن المحتمل ان تنشأ مثل هذه الاستعدادية في المستقبل، بتأثير مواقف إسرائيل وسلوكها أيضا. على أي حال من الواضح ان الموقف الإسرائيلي الرفضوي والسلبي لن يفسح المجال أمام التحقق من درجة استعداد الطرف الآخر بإبداء المرونة على مواقفه. في غياب مبادرة سلام إسرائيلية تتحول المبادرة العربية بصيغتها الحالية إلى «لعبة وحيدة في المدينة» وكل مظهر من مظاهر الاعتدال البرغماتية في العالم العربي يجدر أن يلقى معاملة ايجابية، من دون اللجوء إلى الرفض التلقائي للاقتراحات التي تتضمن عناصر اشكالية، وفي الوقت نفسه من دون التبني الشمولي لهذه الأسس ومن دون محاولة طمس وجودها.
الكسندر يعقوبسون
«هآرتس»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي