No Script

«أسياد الصحراء»... يعيد توثيق فصول الصراع بين واشنطن ولندن للهيمنة على شرق أوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية (2 من 3)

الرئيس الأميركي يتقاسم مع بريطانيا نفط الكويت والعراق والسعودية وإيران!

تصغير
تكبير
  • رئيس أميركا قال للسفير البريطاني: «نفط إيران لبريطانيا... بريطانيا والولايات المتحدة ستتقاسمان النفط الكويتي والعراقي... والنفط السعودي لأميركا» 
  • مسؤول بريطاني رفيع قال للشيخ مبارك الصباح في 1914: «نحن لا نريد أن نضع أيدينا على الكويت لكننا أيضاً لا نريد لأي أحد غيرنا أن يفعل ذلك» 
  • وكالة «سي آي إي» نسقت مع تنظيم «الضباط الأحرار» قبل أشهر قليلة من إطاحة الملك فاروق... وكانت صاحبة فكرة إذاعة «صوت العرب»! 
  • رئيس وزراء العراق نوري السعيد قال لنظيره البريطاني أنتوني إيدن: «اضربوا عبدالناصر بقوة الآن وإلا سيفوت الأوان... وعندها سيقضي علينا جميعاً» 
  • الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت قال متعهدا: «لن ندعم أبداً الصهاينة ضد العرب في الصراع على أرض فلسطين»... ثم نقض تعهده لاحقاً

يكشف كتاب «أسياد الصحراء» تفاصيل مثيرة تتعلق بالصراع الأميركي البريطاني الخفي على نفط الخليج خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك مثلا أن الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت وضع في العام 1944 تصوراً من جانبه تتقاسم بموجبه واشنطن مع لندن نفط كل من الكويت والعراق والسعودية وإيران.
وعلى محور آخر، يبين الكتاب كيف أن الولايات المتحدة لعبت دوراً مراوغاً في ما يتعلق بمصر خلال الحقبة ذاتها، حيث قدمت وعوداً لكنها لم تفِ بها مطلقاً، وخصوصاً تعهدها للملك فاروق بأنها ستساعده على التخلص من قبضة السيطرة البريطانية، حيث إن ما فعلته بدلا من ذلك – وفقا للكتاب – هو أنها قامت في السر بدعم «الضباط الأحرار» ضده حتى نجحوا في اطاحته.
فالكتاب يزعم أن الولايات المتحدة هي التي منحت الضوء الأخضر لجمال عبدالناصر ورفاقه في ذلك التنظيم كي يتحركوا ضد الملك بتاريخ 23 يوليو 1952، وذلك في اطار سعي واشنطن إلى سحب البساط من تحت أقدام البريطانيين الذين كانوا ما زالوا يحتفظون بقدر من الهيمنة والنفوذ على قرارات القصر الملكي المصري. بل يذهب الكتاب إلى التأكيد على أن وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إي» كانت صاحبة فكرة تأسيس واطلاق إذاعة «صوت العرب» كي يستخدمها عبدالناصر كأداة لإثارة الجماهير العربية ضد الامبريالية البريطانية، وذلك في إطار لعبة خفية أدارتها واشنطن آنذاك بهدف إزاحة البريطانيين.
حلقة اليوم تسلط الضوء على جوانب مما جاء بين طيات الكتاب عن: التنافس الأميركي البريطاني على نفط الخليج، وألاعيب الصراع الذي دار بين واشنطن ولندن في الحلبة السياسية المصرية، إلى جانب خلفيات تتعلق ببدايات القضية الفلسطينية...

أميركا وبريطانيا...
ونفط الخليج

يوضح الكتاب كيف أن الصراع المكتوم بين الحليفتين بريطانيا وأميركا على نفط منطقة الشرق الأوسط بدأ منذ أواخر الحرب العالمية الثانية، لكن موقف البريطانيين كان أضعف نسبياً. ففي فصله الذي يحمل العنوان «عيون الأغنام»، يسرد الكتاب جوانب من فصول ذلك الصراع، مبيناً أن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل بدأ في السعي إلى اجراء مفاوضات مع الأميركيين لأنه كان قلقاً جداً من توسع نطاق الهيمنة الأميركية على نفط المنطقة من خلال شركة «أرامكو».

ويمضي الكتاب إلى أنه في أوائل العام 1944 طلب السفير البريطاني لدى واشنطن مقابلة الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت، وهي المقابلة التي تمت بتاريخ 18 فبراير من ذلك العام. ووفقا للكتاب، فإن روزفلت أراد خلال تلك المقابلة تهدئة قلق ومخاوف البريطانيين فأخرج للسفير البريطاني خريطة لمنطقة الشرق الأوسط كان قد رسمها بيده وقال له «نفط إيران (سيكون) لبريطانيا... بريطانيا والولايات المتحدة ستتقاسمان النفط الكويتي والعراقي... والنفط السعودي (سيكون) لأميركا».

قلق حكام الكويت
من مطامع العراق

في فصله المعنون «متمردون على الجبل»، يسلط الكتاب الضوء على قلق حكام الكويت آنذاك إزاء استمرار مطامع وادعاءات حكام العراق المتكررة بتبعية أرض الكويت إليهم ومن احتمالات سعيهم إلى غزوها وضمها بالقوة، كاشفاً عن أنه في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914 عرضت بريطانيا على حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح أن توفر لإمارته الحماية في مقابل عدم دخولها في أي مفاوضات أو تأجيرها أراض لأي قوة أجنبية أخرى.
وعن ذلك ينقل الكتاب عن مسؤول بريطاني رفيع أنه قال للشيخ مبارك: «نحن لا نريد أن نضع أيدينا على الكويت، لكننا أيضاً لا نريد لأي أحد غيرنا أن يفعل ذلك». ويتابع الكتاب مشيراً إلى أن حسابات «لا أستفيد ولا أترك غيري يستفيد» البريطانية إزاء الكويت ظلت قائمة على حالها إلى أن تغيرت تماما عندما تم اكتشاف وجود مخزونات نفطية هائلة في الكويت في أعماق ضحلة تحت الأرض وعلى مقربة من الساحل، وهي التوليفة التي كانت تمثل «حلم الباحث عن النفط» وفقا لما وصفها السفير الأميركي لدى الرياض آنذاك.

إسقاط الملك فاروق

في الشأن المصري، ينقل الكتاب عن ضابط وكالة الاستخبارات المركزية كيرمت (كيم) روزفلت شهادات وأقوال كثيرة تتعلق بما قامت به واشنطن في أرض النيل.
في هذا الصدد ، جاء في مذكرات ذلك الضابط  أنه قبل حركة 1952 التي أنهت الحكم الملكي في مصر، قررت الولايات المتحدة أنه: «يجب عليها أن تشجع ظهور قادة أكفاء (في الشرق الأوسط) لديهم موالاة تجاه الغرب، وذلك من خلال برامج مصممة لهذا الغرض، بما في ذلك من خلال جهود واعية وإن كانت سرية من أجل زرع ومساعدة هؤلاء القادة المحتملين، حتى عندما لا يكونوا في سدة السلطة».
ومن هذه الزاوية، يسعى الكتاب إلى إثبات أن المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إي) هي التي وقفت وراء التخطيط للإطاحة بالملك فاروق ومن ثم تمهيد الطريق أمام جمال عبدالناصر، الرجل الأقوى آنذاك في حركة الضباط الأحرار، كي يعتلي سدة السلطة لاحقاً خلفا لشريكه في التنظيم اللواء محمد نجيب.

أميركا...
و«الضباط الأحرار»

ويسلط مؤلف الكتاب الضوء على ما يقول إنها اتصالات سرية جرت قبل أحداث يوليو 1952 في مصر بين ضابط وكالة «سي آي إيه» الأميركي الشهير كيرمت (كيم) روزفلت وبين أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، وكيف أنه التقى مع مجموعة منهم في قبرص قبل أشهر قليلة من تنفيذ تحركهم الذي أسفر عن عزل الملك فاروق واضطراره إلى الذهاب إلى منفاه الاختياري الذي مات فيه لاحقاً.
وعن ذلك جاء في الكتاب: «بتاريخ 13 يوليو، أي قبل 10 أيام من الانقلاب الذي تحول إلى ثورة،... تم إبلاغ الملحق الجوي المساعد لدى السفارة الأميركية في القاهرة بأن الضباط الأحرار كانوا على أهبة الاستعداد لاتخاذ خطوة معينة».
ويتابع: «وبعد مرور أسبوع، وعقب أن حاول الملك وفشل في اقالة (رئيس الجمهورية المصرية لاحقاً) محمد نجيب» من منصبه كرئيس لنادي الضباط، «قال السفير الأميركي إن سفارته (لن تتدخل في سياسة بلد آخر) – وكان ذلك إعلانا ضمنيا من جانبه بأنه لن يوقف الضباط المتمردين إذا قرروا التصرف».

سي آي إي»
و«صوت العرب»!

ووفقاً للكتاب فإنه: «مع حلول نهاية أغسطس 1952، بدأ الديبلوماسيون البريطانيون في القاهرة يشكون في أن السفير الأميركي، جيفرسون كافري، كان يدعم المجلس العسكري (مجلس قيادة الثورة) كي يبعدهم (البريطانيين) عن اللعبة. وفي وقت لاحق من ذلك العام، كتب الوزير في الحكومة البريطانية هارولد ماكميلان ما نصه (إننا الآن يتم التعامل معنا من قبل الأميركيين بمزيج من الشفقة المتعالية والازدراء)، ويرى المؤلف أن ذلك ربما كان علامة على أن الولايات المتحدة كانت قد صممت دعمها لتنظيم الضباط الأحرار على أساس إنهاء النظام الملكي في مصر ومعه النفوذ البريطاني في آن واحد معاً».
في هذا الاطار، يستشهد الكتاب بسجلات ووثائق تشير إلى أن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي) هي التي اقترحت على جمال عبدالناصر لاحقاً فكرة تأسيس وإطلاق محطة إذاعية لاستخدامها كمنصة لتأجيج المشاعر القومية العربية المناهضة للامبريالية الغربية عموما والبريطانية خصوصاً، وذلك في اطار سعي الولايات المتحدة إلى إنهاء بقايا الهيمنة البريطانية في المنطقة كي تنفرد واشنطن بالهيمنة. ووفقا للكتاب، فإن تلك المحطة لم تكون سوى إذاعة «صوت العرب» التي أسهمت لاحقا في إلهاب مشاعر الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج!

«هتلر النيل»...«موسوليني المسلم»!

ويستعرض الكتاب كيف أن حدة التوتر والتنافس على النفوذ في مصر بين بريطانيا والولايات المتحدة بلغت ذروتها بسبب دعم أميركا لجمال عبدالناصر بعد توليه السلطة في مصر، وأن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك أنتوني إيدن كان حانقاً جداً على عبدالناصر وكان يلقبه علنا بـ«هتلر النيل» وموسوليني المسلم «، ووصل حنقه ضده إلى درجة طلب صراحة ذات مرة من الوزير أنتوني ناتينغ أن يتولى التخطيط لتنفيذ عملية لاغتيال عبدالناصر، لا مجرد محاصرته أو إطاحته من الحكم.
ويواصل الكتاب وصف وقائع عداوة إيدن وعبدالناصر التي تواصلت إلى أن أوقع إيدن نفسه في ورطة حرب السويس (العدوان الثلاثي) في العام 1956، وهي الحرب التي يرى مؤلف الكتاب أنها لم تكن في حقيقتها سوى حلقة في سلسلة من المخادعات التي استدرج الأميركيون البريطانيين إليها كي يقضوا على نفوذ بريطانيا في المنطقة، وأنه منذ ذلك الحين، بدأت بريطانيا تلعب دورا ثانويا تابعا للأميركيين.

جاسوسان
في بيت عبدالناصر!

ومن بين القصص المثيرة للاهتمام التي يرويها الكتاب أن الجاسوس كيرمت (كيم) روزفلت وزميله ضابط وكالة الاستخبارات الأميركية الآخر مايلز كوبلاند زارا جمال عبد الناصر في بيته ذات يوم لإقناعه بتخفيف حدة التوتر مع إسرائيل. وعن ذلك جاء في الكتاب: «وبينما كانا منهمكين في الحديث مع مضيفهما (عبدالناصر)، وصل السفير البريطاني في القاهرة لزيارته، وهنا اضطر الأميركيان إلى الصعود إلى الطابق العلوي»، وهناك قال كوبلاند لروزفلت ممازحاً: «سيكون من الممتع أن نرى ردة فعل السفير البريطاني إذا قاطعنا جمال عبد الناصر لنقول له إن المشروبات المرطبة في الطابق العلوي قد نفدت».
ويشير الكتاب إلى أنه في العام 1956 تصاعد التنافس بين لندن وواشنطن، عندما قام ناصر بتأميم شركة قناة السويس، وتوحدت بريطانيا مع فرنسا وإسرائيل في مخطط جنوني لإسقاطه، وكان الرئيس دوايت أيزنهاور غاضباً بسبب إبقائه بعيداً عن مخطط الدول الثلاث التي هاجمت مصر، ولذلك قرر أيزنهاور دعم عبد الناصر ضد العدوان الثلاثي.

نوري السعيد:
اضربوا عبدالناصر

ويكشف المؤلف عن أن جمال عبد الناصر لم يكن غير مرغوب من جانب البريطانيين فقط، بل أيضا من جانب بعض كبار السياسيين العرب، حيث يروي الكتاب كيف أن رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري السعيد طالب نظيره البريطاني أنتوني إيدن خلال زيارة إلى لندن بتوجيه ضربة قاصمة إلى عبد الناصر. قال السعيد: «اضربوه بقوة الآن وإلا سيفوت الأوان، وعندها سيقضي علينا جميعاً»، لكن السعيد لم يُطِل المكوث في منصبه بعد ذلك إذ إن ضابطًا في الجيش العراقي هو عبد الكريم قاسم أطاح به وبالنظام الملكي في انقلاب عسكري تم تنفيذه بتاريخ 14 يوليو 1958.
وفي نظر مؤلف الكتاب، فإن هذا الانقلاب العراقي - والذي جاء بعد تأميم قناة السويس بعامين - كان ضربة مؤلمة جديدة عجلت باقتراب نهاية نفوذ وهيمنة بريطانيا في المنطقة.

فلسطين...
والخداع الأميركي

يعيد الكتاب النظر من منظور جديد إلى التطورات التي أدت إلى نهاية الحكم البريطاني في فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، وهي التطورات التي يرى المؤلف أن الولايات المتحدة اضطرت في خضمها إلى أن تلعب دورا ثنائياً أو ربما ثلاثي الأوجه.
ويكشف الكتاب للمرة الاولى عن أن الوعد الذي قدمه الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين روزفلت بأن يدعم ديفيد بن غوريون (الذي أصبح لاحقا رئيسا لوزراء دولة إسرائيل) في اطار جهوده لإضعاف قبضة الحكم البريطاني في فلسطين كان ضروريا من أجل ضمان الفوز في حملة إعادة انتخابه رئيسا لأميركا، وأن ذلك الوعد لم يكن منسجماً مع وعده الآخر الذي كان قد قدمه آنذاك إلى السعودية بأن الولايات المتحدة «لن تدعم أبداً صراع الصهاينة ضد العرب في الصراع على أرض فلسطين».
ويشير الكتاب إلى أن ذلك الوعد الذي قدمه روزفلت إلى ملك السعودية كان ضرورياً في حينه لتأمين المصالح النفطية الأميركية في المملكة، إلى جانب ضمان الحصول على موافقة المملكة على تشييد قاعدة عسكرية أمـــيركــــية جديدة في الظهران.
ووفقا للكتاب، فإن ما حصل عمليا هو أن مسألة الوفاء بذلك الوعد الأميركي تُركت لخليفة روزفلت، هاري ترومان، لكن هذا الأخير أصر على «السماح لـ100 ألف يهودي بالدخول إلى فلسطين» بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من تحذير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك كليمنت أتلي من أن القيام بذلك من شأنه أن «يلهب الشرق الأوسط بأسره» وأن يجلب «ضرراً خطيراً» على العلاقات البريطانية - الأميركية، وفي الوقت ذاته إفساد وتعكير صفو العلاقات الأميركية مع السعودية.
وإزاء ذلك الوضع، اضطر الرئيس الأميركي ترومان إلى كتابة «رسالة متملقة إلى ملك السعودية زاعماً أنه تم نقل آرائه بشكل خاطئ واجتزائها من سياقها على نحو جعلها تبدو متناقضة مع التعهد الذي كان قد قدمه سلفه روزفلت». لكن ما حصل فعليا هو أن ترومان قدم الدعم الكامل إلى العصابات الصهيونية في صراعها ضد العرب على أرض فلسطين.

في الحلقة المقبلة:
(قصة جاسوس قََلََبََ موازين اللعبة... بالانقلابات!)

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي