ظهر مصطلح الأصولية في انكلترا «Fundamentalism» ويعنون به مفهوماً جديداً عبروا عنه بمذهب العصمة الحرفية، ويرى أصحاب هذا المذهب أن الكتاب المقدس عندهم صائب ومعصوم عن الخطأ، وأن لا عصمة للبابا ولا لرجال الدين وأن لكل أحد الحق في تفسير الكتاب المقدس وفهمه وتطبيقه مباشرة من دون واسطة رجال الدين.
وأول من أطلق مصطلح الأصولية هو رئيس تحرير مجلة نيويورك «New York watch man»، في افتتاحية عدد يناير 1920، كما أثبت ذلك الكاتب جورج المصري في دراسته (الأصولية المسيحية الأميركية).
ثم اشتهر تداول مصطلح الأصولية في عام 1925 في فرنسا وألمانيا، تحديداً بعد حادثة أستاذ مادة البيولوجيا جون دي سكوبس حيث قرر على تلامذته نظرية دارون في النشوء والارتقاء، ولكنه تفاجأ بتحريك دعوى قضائية وجاءه أمر من المحكمة تتهمه بانتهاك قوانين الولاية، التي تمنع أي فكر أو نظرية تعارض نظرية الخلق الإلهي للإنسان فكانت هذه المحاكمة سبباً في إثارة الرأي العام آنذاك، وظهر بشكل علني أتباع مذهب العصمة الحرفية المتمثلون بالنصارى البروتستانت، وهم الذين حملوا لواء الاتجاه الصهيوني النصراني في أنحاء أوروبا وجاء تعريف الأصولية في قاموس لاروس الفرنسي 1966 بأنها «موقف أولئك الذين يرفضون تكييف عقيدة مع الظروف الجديدة» ثم توسع المفهوم أكثر فأصبح التعريف «موقف جمود وتصلب معارض لكل نمو أو لكل تطور».
فإذاً نخلص من هذا بأن مصطلح الأصولية والصهيونية النصرانية بدأ منذ عهد مارتن لوثر - أي قرابة سنة 1483 ميلادي - إلى أن تبلور بصورة واضحة في مؤتمر (بال) في سويسرا في آخر القرن التاسع عشر وخلال هذه الفترة كان العالم الإسلامي مغيبا عن هذه الدسائس والمخططات، التي كانت تحاك بالظلام فتقوت الصهيونية النصرانية شيئاً فشيئاً، وانتمت إلى جذورها وأصولها وتجمدت وانغلقت، ولم تتسامح وسعت بكل جهدها لتنفيذ مآربها وشرعت في تغيير الأنظمة الدينية والسياسية والاجتماعية من جذورها وسخرتها لأغراضها، وفي تلك الفترة - وتحديداً مع الثورة الصناعية في أوروبا ونهاية العهد البيزنطي - ظهرت المادية وضرب الإلحاد أوتاده في أوروبا فأينعت رؤوس العلمانيين والليبراليين وتسلموا المناصب في الجامعات المرموقة، وأخذا يبثون سمومهم في الشرق والغرب ومنها إطلاقهم لفظ الأصولية على سبيل الذم على كل من يدعو إلى العودة إلى أصوله وجذوره الدينية أو الفكرية أو التاريخية، سواء كانت تلك الأصول والجذور صحيحة حقة أم خاطئة مختلقة. فأطلقوا مصطلح الأصولية على كل من دعا إلى التمسك بالإسلام والاعتصام بالكتاب والسنة، وهناك فرق كبير بين من يتمسك بالدين الذي قال الله عنه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال عنه صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله وسنتي لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)، وبين من يعتقد بسمو العنصر العبري أو الجيرماني أو الأنجلو سكسوني، ويعتبر الناس طبقات ويقسم المجتمعات البشرية إلى أصحاب دماء زرقاء وهم الطبقة البورجوازية وطبقة ملوك يحكمون باسم الرب أو الكنيسة، وطبقة رجال دين وكهنوت ولاهوت كل واحد منهم ارتدى زيّا يتناسب مع مكانته، ثم أخيراً طبقة عوام وفلاحين! وملونين هذه إذاً ثمرة ثقافة الإقصاء والأصولية المغلفة بغلاف الحضارة الأوروبية والتقدم التي أوهموا بها الشعوب المستضعفة.
الإنجيلي والأصولي في أميركا:
ظهر مصطلح الإنجيلي في ألمانيا، وأصبح مرادفاً لمعنى لوتري نسبة إلى مارتن لوثر، وهو أول من دعا إلى خلاف الكنيسة الكاثوليكية، وانشق عنها وهو ألماني الأصل والنشـأة والهوى. والأصولي الإنجيلي أكثر تشدداً وتطرفاً، كما يقول الكاتب الأميركي جورج م مارسدن حيث عرفه بأنه: (إنجيلي غاضب من شيء ما)، وهو ليس أصولي محافظ فحسب ولكنه محافظ على استعداد وإرادة للقتال، كما أثبت ذلك الكاتب حسين مؤنس في كتابه كيف تفهم اليهود؟ 1987.
وهذا ما يبرر وجود أكثر من 200 حزب ديني في أميركا أجاز لهم الدستور حمل السلاح؟