ألوان
الإخراج والموسيقى في «71»



تمتلك السينما البريطانية مكانة مرموقة في عالم السينما، وبها أسماء كبيرة من مخرجين وممثلين تركوا بصمتهم بعد أن رحلوا، والبعض منهم ما زال يقدم إبداعاته خاصة في مجال التمثيل سواء في بريطانيا أو في الولايات المتحدة الأميركية.
ومن بين أبرز الافلام التي شاهدتها فيلم يحمل اسم «71»، وقد صدر في عام 2014م، حيث قدم أحداثا متصاعدة لمدة مئة دقيقة - هي مدة الفيلم - الذي قام باخراجه يان ديمنج وهو مخرج فرنسي حائز على جائزة افضل مخرج في مهرجان السينما المستقلة، والفيلم من تأليف غريغوري بورك. وبطولة ممثلين بريطانيين هم جاك اوكونيل وشون هاريس وبول اندرسون والاسترالي سام ريد، إضافة إلى الأميركية فالين كين ومجموعة اخرى من الممثلين.
وبلغت موازنة الفيلم أكثر من ثمانية ملايين باوند، حيث حقق أرباحا تصل إلى ثلاثة ملايين دولار أميركي، الأمر الذي يشير إلى أنه يمكن صناعة فيلم مميز في موازنة قليلة نوعاً ما، وأنه يمكن - من خلال هذا الفيلم - تحقيق أرباح مادية مريحة للمنتج.
وقد تم التصوير في انكلترا، التي تتمتع بطبيعة خلابة، إضافة إلى مواقع تصوير مناسبة للأماكن التاريخية في حقبة قديمة.
وتدور قصة الفيلم حول جندي بريطاني شاب، تتخلى عنه وحدته العسكرية في اعقاب شغب مرعب في شوارع بلفاست عاصمة ايرلندا الشمالية في عام 1971م.
وبعدها يرحل الجندي غاري هوك مع كتيبة إلى ايرلندا، وقبل ذهابه يقضي يوماً مع أخيه الذي يعيش في دار الأيتام.
ويذهب هوك وزميل له نفسهما وسط جمهرة من المتظاهرين، الذين يبدؤون في الاعتداء عليهم بالضرب وقد تفرق أفراد الكتيبة، وفُقد أثرهم إلى أن يبقى هوك وحيداً لا يعرف أين يذهب أو ماذا يفعل؟ ليجد نفسه مجبراً على أن يدافع عن نفسه حفاظاً على حياته في الشوارع المخيفة غير الآمنة.
وقام بتأليف الموسيقى للفيلم ديفيد هولمز، وقد أحسن التعبير موسيقياً، ليس عن الأحداث، التي يقدمها هذا الفيلم التاريخي الذي لا يخلو من الاثارة، بقدر ما كانت موسيقاه تنبئ بأن بعض الأحداث الكبيرة المهمة ستحدث قريباً في هذا الفيلم.
الأمر الذي يعكس مدى اندماجه مع قصة الفيلم بكل تفاصيله، وللمؤلف الموسيقي هولمز مشاركات في العديد من الأفلام مثل «بعيداً عن الأنظار» و«أحمق وجوع وذبذبات جيدة»، كما أن له بعض المساهمات في التلفزيون.
ان هذا الفيلم يقدم وثيقة فنية للشباب الحالي، الذي لم يعش أحداث الثورات ضد بريطانيا في أوروبا، بل إنه يقدم تاريخاً مهماً من تاريخ شعب عانى كثيراً من الثورة والقمع، إلى أن تم إنهاء حالة الحرب، كي يتفرغوا لمرحلة التشييد والبناء. ومن ميزات هذا الفيلم الايقاع السريع، الذي قدمه المخرج لنا على مدار الأحداث، بل إن بعضها كان مثيراً بصورة كبيرة، وربما يعتبر هذا الفيلم من أفضل الأفلام التي تناولت قضية الجيش الجمهوري الإيرلندي وثورته ضد المملكة المتحدة.
ولأنه لم يعتمد على نجوم كبار من الممثلين، نجد أن الفيلم لا يقدم بطلاً منفرداً بحد ذاته، بل هناك عمل جماعي للممثلين الذين كانوا مقنعين تحت قيادة المخرج والمؤلف الذي كان مصراً على أن يقدم بعض الأحداث المأسوية، وبعض العنف والمواقف السلبية، إلا أنه قدم لنا أيضا الجانب الإنساني في الكثير من المشاهد، وأظن أنه أعاد كتابة المشاهد مع المخرج أثناء التحضير لإنتاج هذا الفيلم.
إن السينما البريطانية باتت اكثر حيوية، وهي تقدم أفكاراً كثيرة عبر الأفلام السينمائية، التي تقدمها كما أنها باتت أكثر انفتاحاً على استقطاب المواهب السينمائية من بعض الدول الأخرى، سواء من الدول التابعة للمملكة المتحدة أو من بعض دول الكومنولث، إضافة إلى بعض الممثلين من الولايات المتحدة الأميركية، ومتى ما استمرت في الانفتاح على الترحيب بالممثلين من بقية الدول، كما هو الحال في الدول الأوروبية مثل السينما الفرنسية، التي لها إنتاج مشترك مع الكثير من الممثلين من دول المغرب العربي، فإنه ستصبح أكثر حيوية وأكثر رواجاً، وهي قادرة على تقديم الأفضل.
* كاتب وفنان تشكيلي كويتي