فوجئت كثيراً بردود الفعل المتعلقة بمقالي الأخير حول أزمة منتصف العمر، وهو مقال كتبته على عجل وأعترف لكم، «من دون مزاج»، وكنت أتوقع مروره مرور الكرام، كالكثير مما كتبته سابقاً، إلا أن التفاعل الشديد مع ذلك المقال هو ما دفعني لإتمامه بهذا المقال الذي بين أيديكم، لما ظهر لي من تعطش الناس لمواضيع كهذه، وقلة تفاعلهم مع مقالات سياسية قد يراها كاتبها أكثر أهمية وأشد إلحاحاً!
أولى ملاحظاتي كانت حول تساؤلات الكثيرين عن منتصف العمر وكيفية تحديده، وهل من الممكن أن تبدأ هذه الأزمة في سن أبكر من الأربعين، ومع تقديري لصعوبة إجابة هذا السؤال، إلا أنني أبشركم أن أزمة منتصف العمر بأشكالها المختلفة، العاطفية والوظيفية والاجتماعية وغيرها، ممكن أن تبدأ في منتصف الثلاثينات في مجتمعاتنا التي يتوقع للمرء فيها أن يعيش سبعين سنة أو تزيد قليلاً... «عسى بس ما انصدمتو»!
ثانية ملاحظاتي هي إصرار الكثيرين على التركيز على هذه الأزمة من الزاوية العاطفية، ورغبتهم في الخروج من زيجات ارتبطوا بها في العشرينات من عمرهم لأسباب شتى، أهمها المقارنة في عالم باتت فيه العلاقات الاجتماعية أكثر انفتاحاً ما يجعل الكثيرين ينظرون «باشمئزاز وقرف» - أحيانا - لمن ارتبطوا بهم في سن مبكرة متسائلين عن السبب الذي دفعهم للارتباط «بهذه الأشكال»!
ولعله من الإنصاف الاعتراف أن الجانب العاطفي والرومانسي هو من أهم ملامح هذه الأزمة، إلا أن عدم تحقيق المكانة الاجتماعية أو الأحلام الوظيفية والمادية، التي تخيلها الشخص لنفسه في مقتبل حياته، هو جانب آخر لا يقل أهمية عن الجانب العاطفي في أزمة منتصف العمر!
لا توجد لديّ وصفة واحدة تنفع للجميع للتعامل مع هذه الأزمة، ولكنني أعتقد أن المرء يجب أن يفكر في حياته على مسارين، أولهما ما نعيش فيه من ارتباطات عاطفية واجتماعية ومواقع وظيفية ومشاريع مادية وغيرها، وهو ما قد يسير في اتجاهات غير ما يتمناه المرء، أما المسار الثاني فهو مسار الهوايات وتنمية الذات، التي قلما تخذلك إن ربطتها بذاتك وليس بإبهار المجتمع بما تملك.
بمعنى، ارسم لنفسك، اكتب لنفسك، تعلم العزف لنفسك، وليكن هدفك هو تحقيق ذاتك أمام ذاتك لا الآخرين، ولا تخجل من بساطة مستواك في هواياتك، وما قد تستطيع تحقيقه من خلالها، فهي لك وتعبير عن ذاتك لا شأن للآخرين بها، كما أنصحك بعدم مقارنة نفسك بالآخرين في هذا المسار من حياتك، فالمقارنة هنا خاطئة لأسباب شتى، كما أوصيك بإعطاء العمل الانساني - دينياً أم تطوعياً «غير ذي توجه ديني» - قدراً من وقتك.
فالاحتكاك المباشر بمعاناة الآخرين يجعلك تحمد الله كثيراً على حالك... حتى لو كان في نظرك «مش ولا بد».
أعاننا الله وإياكم على هذه المرحلة من حياتنا!
alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari