رؤية ورأي

إلى أنور دشتي... مع التحية

تصغير
تكبير

بعد استماعي إلى كلمة الناشط الحقوقي الأستاذ أنور دشتي في الندوة التي نظمها تجمع النسيج الوطني - في مساء الأربعاء من الأسبوع الماضي - قررت أن أرسل إليه بشكل خاص، وإلى سائر النشطاء الحقوقيين، رسالة عامة غلّفتها بهذا المقال، من باب التفاعل مع مشاريعهم ومناشدتهم إعادة صياغة استراتيجيتهم الخاصة بتعزيز حرية إبداء الرأي والتعبير في الكويت.
السبب وراء تفاعلي بهذه الدرجة الخاصة مع الناشط الحقوقي أنور، رغم غياب المعرفة الشخصية بيننا، ورغم - أيضاً - انزعاجي من بعض تغريداته، هو أنني أراه مختلفاً عن الكثير من النشطاء الحقوقيين من جوانب متعددة، تأتي في مقدمها مدى احترامه لسيادة القانون.
فهو من النشطاء الحقوقيين القلائل الذين سلّموا أنفسهم إلى السلطات الأمنية لتنفيذ أحكام السجن التي صدرت ضدهم، بالرغم من اعتقاد هؤلاء القلة ورفاقهم بقساوة تلك الاحكام. وما يميز دشتي عن هؤلاء القلة هو أنه كان يمتلك من السيرة الحقوقية القدر الكافي لتبرير تهرّبه عن تنفيذ حكم السجن، لأنه كان أحد النشطاء الحقوقيين المطالبين بإلغاء أحكام السجن في قضايا الرأي - قبل سنة تقريباً من تغريدته التي سجن على اثرها - فكان بإمكانه الاحتماء وراء ستار المظلومية وإظهار نفسه كضحية قوى وتيارات سياسية متنفذة معادية للحريات.


وكان أيضا بإمكان دشتي اللجوء إلى الخارج وإحراج الكويت في المحافل الحقوقية الدولية، من أجل الضغط على الدولة بقصد الوصول معها إلى صفقة سياسية تعفيه عن دخول السجن. ولكنه عوضاً عن ذلك حرص وأصرّ على أن يكون قدوة طيبة للنشطاء الحقوقيين، باحترامه سيادة القانون وبمراعاته مصالح الدولة.
نظرتي المتفائلة تجاه دشتي، هي التي شجعتني على توجيه هذه الرسالة إليه وإلى من في مرتبته من النشطاء الحقوقيين. رسالة تتضمن بعض النصائح الممزوجة بالنقد البناء، تضيف على التطور الملحوظ في رؤية دشتي للأمور المتشعبة المرتبطة بممارسة حرية إبداء الرأي والتعبير في الكويت. رسالة أدعوه فيها إلى مضاعفة طاقته وكفاءته الاصلاحية عبر الاستعانة بالمختصين في تلك الأمور المتشعبة.
أبدأ بمناشدته ونظرائه، تنمية قدراتهم على فهم المجتمع وكيفية التفاعل معه والتأثير عليه، لكي يفتح المجتمع قلوبه لهم قبل أبوابه، ويطمئن لسلامة نواياهم قبل أن يتحاور معهم في آرائهم وأفكارهم؛ تلك الآراء والافكار التي سيقيّمها ليشخص الصالح منها فيحتضنه ويحدّد الطالح فيها ليرفضه؛ عوضا عن حالة الشك والريبة والحذر، التي تتفاقم أحياناً إلى العداء والمواجهة بآليات تقليدية واتهامات نمطية سريعة الانتشار وشديدة المفعول.
لذلك أدعوهم إلى التزود من مصادر علم الاجتماع التقليدية، وإلى التنظيم والمشاركة في ورش عمل بإدارة متخصصين في علم الاجتماع حول آليات نشر ثقافة التعدّدية في المجتمع وتخفيف القيود المجتمعية على حرية الرأي والتعبير.
من جهة أخرى، أدعوهم إلى تنظيم ورش عمل من أجل تكييف القوانين الكويتية لتكون أكثر تناغماً مع حرية الرأي والتعبير، ضمن الأطر التي تفرضها متطلبات الأمن الوطني الشامل. وهي أطر دقيقة وشديدة الحساسية، ليس في الكويت فقط، بل - أيضاً - في الدول الغربية الراعية لحرية الرأي والتعبير، وفق الشواهد العديدة.
كما أناشدهم ترشيد منهجيتهم لتشريع الإصلاحات القانونية المطلوبة لتعزيز حرية الرأي والتعبير. فقد جاء في كلمة دشتي في الندوة، وفي لقاء تلفزيوني: أن من سجنني هو المشرّع وليس القاضي.
صحيح أن مجلس الأمة هو الذي شرّع القوانين المطبقة حالياً في المحاكم، وأتفق معه في جزئية أن عضو مجلس الأمة مسؤول عن اقتراحات القوانين، التي يقدمها وعن مواقفه من اقتراحات ومشاريع القوانين، وأخص بالذكر موقفه من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات «المعروف بقانون الجرائم الالكترونية»، إلا أن العديد من النواب الحاليين براء من هذا القانون، ومن بينهم من يعمل لتعديل بعض بنوده.
لا شك أن منهجية الهجوم على مجلس الأمة بعمومه منهجية لها سلبياتها، وغالباً يتّبعها مرشحو المجلس ومؤيدوهم، ولكنها لا تليق بالنشطاء الحقوقيين الساعين لإقرار إصلاحات تشريعية عبر ذات المجلس. لذلك أدعو دشتي ونظراءه إلى تبني خطاب سياسي موضوعي متزن تجاه المشرّع الكويتي. فيكشفون ويفضحون النوّاب المعادين للحريات وفي الوقت نفسه يمدّون جسور التعاون مع النوّاب المتحمّسين لترسيخ المدنية في الدولة وتنمية التعددية في المجتمع وتعزيز الحريات الدستورية في القوانين... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي