يحكى أن جحا قد وقف على قارعة الطريق، وكلما مر عليه رجل قال له: هنالك وليمة في هذا الاتجاه فاذهب إليها، وبعد فترة احتشد مئات الناس باتجاه الوليمة المزعومة، فقال جحا لنفسه: وما يدريك ألا تكون هنالك وليمة حقيقية هناك، فركض إليها!!
في تصوري أن قضية شراء الدولة لقروض المواطنين ثم جدولتها على المدى البعيد بعد إسقاط الفوائد هي نكتة أطلقها بعض نواب مجلس الأمة لجس نبض الشارع الكويتي والحكومة، ولكنهم بعد فترة صدقوها وأصبحت بالنسبة لهم واقعا ملموسا لا بد من فرضه، فتراكض الكثيرون وراءه وكيفوا حياتهم على الحصول عليه.
وإني لألوم أصحاب العقول الراجحة من النواب كيف انساقوا بتلك الطريقة وراء ذلك الوهم والسراب، حتى الحركة الدستورية صاحبة المبادرات، كان يجب أن يكون لها موقف قوي وواضح في الرفض بدلاً من التأني ودراسة الموضوع، والأسباب واضحة في ضرورة رفض تلك المقترحات وهي:
أولاً: لا يجوز تشريع قوانين تخدم فئات من الشعب وتحرم فئات أخرى، فكيف إذا كانت تلك القوانين تعاقب الإنسان العصامي الملتزم الذي يجوع ولا يقترض بينما تكافئ الإنسان المغامر الذي يستسهل الاقتراض ويسارع فيه حتى وان كان لحاجات كمالية؟
ثانياً: المقارنة بسوابق للدولة في شراء مديونيات المواطنين مقارنة غير عادلة، فالمديونيات التي اشترتها الدولة بعد الغزو العراقي للكويت تقع ضمن التعامل مع الكوارث، وواجب الدولة التدخل في تلك المناسبات لإنقاذ الاقتصاد ومنع انهياره وتعويض المتضررين من أبشع كارثة حلت بالكويت، أما المديونيات التي اشترتها الدولة بعد أزمة المناخ فهي وان كانت ظروفها أصعب من ظروفنا الحالية، لكنها كانت غلطة كبيرة ارتكبتها الحكومة عانى منها الاقتصاد زمناً طويلاً، ويجب عدم تكرارها.
ثالثاً: أغلب فوائد الديون التي ستشتريها الحكومة وفق القانون المقترح هي فوائد ربوية، فلماذا يضحي الشعب من حر ماله لكي يسدد الفوائد الربوية للبنوك نيابة عن المقترضين؟
وقد أفتى جمع من العلماء المعتبرين بتحريم شراء الدولة لقروض المواطنين وتسديد فوائدها الربوية، ولا يعني ذلك جواز شراء الفوائد غير الربوية.
رابعاً: الاحصائيات الكثيرة والواضحة تبين أن أعداد المقترضين المعسرين لا يزيد بأي حال من الأحوال على عشرة آلاف معسر، وحتى هؤلاء قد لا تصل غالبيتهم إلى السجن أو العقوبة، ولو لم نتفق على الأرقام فإن الواقع المشاهد يدل على أن قلة من الناس يعانون من مضاعفات الديون مثل الضبط والإحضار والتحويل للنيابة والسجن، فلماذا تسقط القروض عن 450 ألف مقترض من أجل تلك القلة؟!
خامساً: ومع هذا فإن من الحلول المطروحة هو إنشاء صندوق خاص للمعسرين ويمكن تزويده من أموال الزكاة ودعم الدولة، وقد قام بيت الزكاة بمساعدة أكثر من سبعين ألف عائلة من تبرعات الشيخ سالم العلي- شفاه الله- وأهل الخير في الكويت مستعدون لبذل المزيد.
وللحديث بقية بإذن الله.
د. وائل الحساوي
wae_al_hasawi@hotmail.com