«داعش سمٌ ليس لنا فقط بل للدين الإسلامي والعالم... وأستغرب مَن يتهمني بأنني وراء إنشائه»

الأمير بندر: أخطأنا بترك «الإخوان» يغيّرون مناهجنا سطراً وسطرين... حتى وصلنا إلى 11 سبتمبر

تصغير
تكبير

تنظيم «الإخوان» يشبه أحزاب إيران وتحديداً «حزب الله»

لو بحثنا عن أعدى الأعداء للعرب والمسلمين لن نجد مَن ينجح  في تدمير الأمة كما فعل  «القاعدة» في 11 سبتمبر

دعمنا اللوجستي للمقاومة السورية المعتدلة لم يكن سراً...  و«داعش» لم يستهدف النظام  وإنما المعارضة

اكتوينا بنار «الإخوان» والجماعات المتطرفة واتهمنا زوراً وبهتاناً بدعم  «المدرسة» في أفغانستان  والكل يعرف مَن وراءها

كيف قطع الملك عبدالله  اجتماعه مع بوش بسبب  التعرض لمسنّة فلسطينية



في الحلقة الثالثة، تحدث الأمير بندر بن سلطان، بإسهاب عن القضية الفلسطينية ومعاهدات السلام التي سعت السعودية لإتمامها ودفع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للمضي قدماً بها، ومنها مبادرة سلام في عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.
وكشف بندر، الذي شغل منصب رئيس الاستخبارات والأمين العام لمجلس الأمن الوطني في المملكة وسفيرها الأشهر لدى الولايات المتحدة، للمرة الأولى عن تفاصيل المبعوثين الخاصين الذين أرسلهم الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز إلى بشار الأسد، في بداية الثورة، ومبلغ 200 مليون دولار، دعما للإصلاحات بعد حديث رئيس النظام السوري عن الحاجة للمال للبدء في التغيير.
وفي الحلقة الحالية، وهي قبل الأخيرة، يواصل الأمير بندر الحديث لرئيس تحرير «إندبندنت عربية» عضوان الأحمري، عن القضية الفلسطينية بذكر تفاصيل الخلاف بين الملك عبدالله والرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش في مزرعة الأخير. كما يتطرق إلى الاتهامات الموجهة له بإنشاء تنظيم «داعش»، وعن دقة ما يتداول عنه وعن تمويله لجماعات متطرفة...

في العام 2002، حين كان الملك عبدالله ولياً للعهد، زار الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن، لكن هذه المرة في مزرعته في كروفورد (تكساس)، حيث سبق أن زار الأمير عبدالله، بوش في البيت الأبيض. وحين زار بوش السعودية، أخذه الملك إلى مزرعته في الجنادرية، ومن هنا جاء اختيار مزرعة بوش كمقر للقاء الثاني.
يقول الأمير بندر: «أخبرت الملك أن لا مطار في مدينة كروفورد التي تقع فيها المزرعة، وسنستقل السيارات إلى هناك. وافق الملك، وطلب رؤية بوش الأب كذلك، لكنني أخبرته أنه بروتوكولياً يجب أن يلتقي الرئيس أولا ثم يلتقي الأب».
ويصف الأمير بندر منزل بوش الابن بقوله إنه عبارة عن «تاون هاوس» متواضع وسط المزرعة مخصص لاستقبال الزائرين.
ويضيف: «اتفقت مع المسؤولين على الترتيبات في شأن الوفد السعودي ليستقل الملك حافلة بعد وصوله إلى هيوستن ترافقه فيها كونداليزا رايس»، مستشارة الأمن القومي.
يستذكر بندر من كانوا مع بوش الابن، وهم نائب الرئيس ديك تشيني، ورايس، ووزير الخارجية كولن باول. ويقول: «حين دخلنا استقبل بوش الابن الملك عبدالله عند الباب. كان البيت صغيراً ومتواضعاً، ويتضمن مطبخاً وصالة طعام. وعند المدخل هناك تقسيمات كثيرة للأمن الخاص وغير ذلك».
الاعتداء على المسنّة الفلسطينية

وفور وصول الملك عبدالله، عرض بوش الابن عليه أن يستقلا بمفردهما سيارة «بيك أب» أثرية، ويتجولان لدقائق في المزرعة. سأل الملك - حسب بندر - من سيترجم، فكرا ثم أجلا الجولة، ومازحا بعضهما وقالا، سندع بندر يترجم، ولأن لا مكان له سيستقل «حوض» السيارة ويترجم لنا مع النافذة.
بعد الغداء في مزرعة بوش الابن، تحدث الملك عبدالله معه عن اعتداء الجندي الإسرائيلي على المسنة الفلسطينية، وكان غاضباً، وقال لي «جهز الموكب» ورفض أن يجلس... وحاولنا تهدئة الأمر.
كان أحد الأهداف الرئيسية للزيارة، القضية الفلسطينية وملف السلام العربي - الإسرائيلي. يقول بندر: «هناك قصة شهيرة، حين شاهد الملك عبدالله خبراً من الضفة الغربية وفيه سيدة مسنة ألقى بها عسكري إسرائيلي على الأرض، ووضع قدمه على يدها أو كتفها، ويتضح في الصورة كأنه يضع قدمه على رقبتها، طلب الملك حفظ نسخة من الفيديو والصور، وحين هممنا بالذهاب إلى أميركا طلب أن نأخذ النسخة معنا. وحين بدأ الرئيس بوش الحديث قال للملك: طعامنا قطعة لحم وبطاطا وخضار، وزوجتي هي من تمسك بزمام الأمور بالمطبخ وتقترح أن نبدأ الأكل الآن، وبعدها نجلس الوقت الذي نحتاجه، وفعلاً بدأ الغداء».
كان الملك غير مرتاح... يقول الأمير بندر إن الجميع يشعر بان الملك سيقول شيئاً في أي لحظة، منذ دخوله للمزرعة وهو يريد أن يتحدث بشيء في داخله قبل بدء أي نقاش.
ويضيف: «انتهينا من الأكل وقال الرئيس: نحن والفريق السياسي نقترح أن نذهب إلى الصالون حتى نتحدث في القضايا المشتركة، فأجابه الملك: لا لنجلس على انفراد أولاً، وحين سأل بوش عن المترجم، قال الملك، بندر يترجم لنا. ذهبنا إلى الصالون وبدأ الملك كلامه، قائلاً: فخامة الرئيس لم أرد فتح الموضوع احتراماً للغداء. لقد تابعت مشهداً، ومن كان لديه احترام للمرأة أو المسن لن يقبل به. ثم شرح الملك الموقف الذي شاهده والذي يظهر فيه العسكري الإسرائيلي الذي وضع قدمه على كتف مسنة فلسطينية. فرد بوش: هل هذا معقول؟ ثم سأل أين شاهدتها؟ فرد الملك: ألم تشاهدها؟ وأجابه بوش أنه لا يشاهد التلفاز، ثم استطرد قائلاً: سأسأل.
طلب مني الملك فوراً نسخة عن الفيديو، وصور فوتوغرافية توضح بشاعة ما يقوم به الإسرائيليون، بما في ذلك صور أشلاء لأطفال ومسنين، شاهدها بوش ثم قال، الأمر غريب لكن الفيديو سيوضح اللقطة أكثر من الصورة الثابتة، فرد الملك: كيف تتضح أكثر؟ فأجابه بوش بأن هناك فرقاً بين الفيديو والصور الثابتة، فالصورة تظهر اللحظة، والفيديو يظهر ما قبل وما بعد المشهد. فرد الملك: ماذا تتوقع أن تشاهد؟ قال بوش: قد يكون معها مسدس أو سكين؟ ثم انفعل الملك وقال: أين حقوق الإنسان والإنسانية؟ كيف تتوقع أن يتقبل العالم العربي والإسلامي، بل العالم بأسره بهذا الظلم والضيم والإذلال؟ وأكمل الملك انفعاله بمواصلة طرح التساؤلات على بوش، ثم التفت إليّ وطلب تجهيز السيارات للمغادرة. طلب بوش من الملك البقاء لكنه رفض. قلت له الرئيس يريد أن يكمل حديثه فالتفت الملك إليّ وقال: اذهب وجهز السيارات. ذهل بوش من انفعال الملك لأجل السيدة الفلسطينية».
يصف الأمير بندر الوضع كما كان، ويقول إن صغر البيت وتواضعه، يجعل أي شخص خارج هذا الصالون يسمع النقاش، وكان انفعال الملك بسبب ما فعله الجندي الإسرائيلي واضحاً. ويكمل: «وكان وزير الخارجية الأميركي كولن باول ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خارج القاعة، وأخبرتهما أن النار بدأت في العشب، فرد باول مستحيل أن يتم ذلك، ومهمتنا ألا يخرج الملك غاضباً. قلت لباول اذهب أنت وقل له، ثم طلب باول مني مرافقته إلى الملك وبوش، فعلت ذلك بعدما طلبت منهم تجهيز موكب الملك. عدنا وأخبرت الملك بما فعلت وقلت له باول يريد أن يقول شيئاً، التفت الملك لباول وقال حتى أنت يا باول لا تشاهد التلفاز؟ قال باول، لم يخبرني أي أحد بشيء، ثم أخبرته أنا. قال له: أمير عبدالله، هذه غلطتي، السفارة الأميركية في الرياض أبلغتني بالمشهد وكنا نعد تقريراً عنه لنرسله للرئيس، لكن لأن الرئيس في المزرعة، ولأن الحدث جرى وغير مستمر، قلنا سنخبره به لاحقاً، وهو مع الملف الذي عند الرئيس لكنه ليس ضمن الأولوية. قال الملك لباول، أسمع عنك أشياء جيدة وأعرفك منذ حرب تحرير الكويت، هل تكذب علينا أم فعلاً حدث ذلك؟ قال: لا أجرؤ على الكذب عليك. التفت الملك إليّ وقال: أخبر الرئيس بوش بأنني أخرجت ما بداخلي، وأشكرهم على الغداء وأنا مضطر لتوديعه والذهاب للسلام على بوش الأب. ودع بوش الملك وقال له أعدك بالاهتمام بالموضوع شخصياً وسأبلغ بندر بالنتائج لكي ينقلها لك».
وقبل أن ينتقل الأمير بندر إلى ما حدث أثناء زيارة بوش الأب، قال لي: «ولو تذكر يا عضوان حين تحدثنا عن القضية الفلسطينية ماذا كان يقول جورج بوش لي حينما اتصلت أسأله عن مبادرة السلام التي يسعى إليها كيلنتون؟ قال لو وجدت شيئاً وقعه رئيس قبلي سأباركه، وإذا لم يكن أمامي شيء سأبدأ من الصفر، ولو تتذكر أيضاً أنه تحدث أن منطقة الشرق الأوسط ليست من أولوياته كذلك».
زيارة بوش الأب

بعد الجو المتوتر، انطلقت سيارات الملك عبدالله والوفد المرافق إلى هيوستن وإلى مكتبة جورج بوش الأب، ولزيارته وزيارة زوجته باربرا. يقول الأمير بندر: «وحين دخلنا قال لي بوش الأب: اطلب من الملك أن يطلب من باربرا مسامحة ابنها، وصلنا خبر إغضاب جورج للأمير عبدالله... فرد الملك عبدالله: هذا طبيعي ويحدث بين الأصدقاء. ثم قال بوش الأب: هل تمانع لو اتصلنا بالابن جورج الآن؟ اتصل الملك وقال لبوش الابن طلبت مني والدتك مسامحتك... فشكره بوش الابن، ثم استغل الملك المكالمة وقال: السيدة الفلسطينية التي تعرضت للأذية هي أم لأحدهم أيضاً».
ويختم بندر: «وسأتحدث لاحقاً عن كيف نسفت الجهود التي قام بها الملك عبدالله والسعودية ابتداء من تلك الزيارة بفعل مجموعة إرهابية لو بحثنا عن ألد أعداء الأمة والدين لن نجد مثلهم».
«الإخوان»

وعرض الأمير بندر مطولاً لعلاقة المملكة بقطر، وعلاقته هو شخصياً بالمسؤولين القطريين وقدم وجهة نظره في الخلاف الحالي بين الدوحة من جهة والدول الأربع من جهة أخرى، محللاً الأسباب ومعطياً توقعات. كما تحدث عن علاقة تنظيم «الإخوان المسلمين» بالدوحة والمملكة وغيرهما، محذراً من تغلغله.
وقال «إن التنظيم ليس حزباً تستطيع أن تتفق أو تختلف معه، بل منتشر في كل مكان وله سياساته وطرقه، يشبه أحزاب إيران وتحديداً حزب الله. ولماذا أقول إن الجماعة كيان منتشر وغير ثابت، لأن لهم خططاً واستراتيجية، وانتشاراً، وحين يبايعون يكون الأمر في الظلام. وحين تم طرد الإخوان من مصر وسورية وغيرها استضافتهم السعودية، وبدأوا بالانتشار والتغلغل، وأول بوابة لهم كانت في وزارة التعليم، بدأوا بالتغيير في المناهج رويداً رويداً. مثلاً، في منهج معين يغيرون سطراً، وفي العام المقبل سطرين، وهكذا حتى قاموا بتغيير المناهج كاملة بحسب ما يوافق هواهم. وكان هذا خطأ منّا، وحين حدثت حادثة جهيمان (حادثة الحرم المكي 1979)، لم نبحث عن الخلل، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بدأنا نحاسب أنفسنا ونراجع ما نحن فيه لأننا كنا نرى أخطاء الآخرين ولا نرى أخطاءنا».
ويكمل عن خطأ السعودية القديم الذي لم تستفد منه الدوحة: «حين حصلت حادثة 11 سبتمبر جاء وقت المراجعة الجادة، وفتشنا في كتبنا ومناهجنا وبدأنا نستغرب من تطرف بعض ما ذكر في المناهج والذي لا علاقة له بالإسلام وسماحته».
«تقية» إيرانية!

يقول الأمير بندر عن موقف الإيرانيين من حرب تحرير الكويت: «كنا في نيويورك أثناء الحشد للقرار الأممي لتحرير الكويت، والتقينا مصادفة علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران وقتها وقلت له سنقوم بتحرير الكويت، وطلبنا من الأميركيين والأوروبيين والسوفييت ألا يعارضوا قرار الأمم المتحدة... فما هو موقف إيران؟ قال ولايتي: نؤيدكم 100 في المئة! قال لي الأمير سعود الفيصل: هل هذه تقية إيرانية أم تتوقع أن إيران جادة؟ قلت له المنطق يقول إنهم سيؤيدون أي شيء ضد صدام».
ويتابع: «بعد يومين، وفي مقر الأمم المتحدة سأل صحافي غربي ولايتي، هل توافق إيران على إرسال قوات أميركية إلى السعودية لتحرير الكويت؟ أجاب ولايتي بأن إيران لا تقبل بأي تدخل عسكري في المنطقة خاصة إذا كان من الشيطان الأكبر. كنت في جناحي في الفندق، وإذ بالهاتف يرن والأمير سعود الفيصل يكلمني وقال: هل ستنام؟ أجبته: أشاهد الأخبار، ثم ذهبت إليه وأطلعني على الخبر. وقلت له يبدو أن رأيك في محله، تقية. قلت له على كل حال تحصيل حاصل إن وافق الإيرانيون أم لم يوافقوا، لا قيمة لرأيهم. قال: لا، يجب عدم تفويت الفرصة. اتصل سعود الفيصل بالسفير الإيراني وطلب ترتيب لقاء مع علي ولايتي، فقال له السفير الإيراني إن ولايتي في مبنى الأمم المتحدة».
في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، توجد قطعة من ستار الكعبة أهدتها السعودية للأمانة العامة، اقترح الإيرانيون على سعود الفيصل أن يكون اللقاء تحت هذه القطعة من الستار. ويشرح بندر ما حدث: «فقلت هل سيصبح اللقاء مقدساً؟ المهم التقينا به وقلنا له كيف تقول لنا إنكم لا تعارضون حشدنا للعالم لتحرير الكويت، ثم تخرج بهذا التصريح؟ قال: نحن خائفون أن ينسحب صدام وإذا شعر بأن إيران قد تقف معه في شأن الوجود الأميركي، سيبقى في الكويت، نحن صرحنا بهذا الكلام حتى لا ينسحب ويتم طرده من الكويت. رد سعود الفيصل: هذه سياسة عجيبة غريبة، شكراً لكم».
يواصل الأمير بندر سرد التفاصيل، ويقول إن الرياض لم تكن طامعة في وجود قاعدة أميركية على أراضيها قبل أو أثناء أو بعد حرب الخليج. ويؤكد أنه داخل دائرة الملك فهد بن عبدالعزيز، وإخوته ومستشاري الدولة السعودية ورجالاتها، كانت هناك استشارات مستمرة.
ويتابع: «كان هناك نقاش في القيادة السعودية وبرأي الجميع واستشارة الجميع، هل نستعين بالأميركيين أم لا؟ وهل إذا جاؤوا سيبقون أم لا؟ وأتذكر الملك فهد رحمه الله بعد ما جاء وزير الدفاع ديك تشيني والجنرال الأميركي نورمان شوارزكوف وشرحا التفاصيل، وكنت أترجم، قال لوزير الدفاع: لحظة لو سمحت، التفت إلى الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد وسأله ما رأيك؟ وسأل الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز وكان نائب وزير الدفاع، قال: موافق، وسأل الموجودين وكلهم وافقوا. الأمير سلطان كان خارج البلاد لإجراء عملية في الركبة. التفت الملك فهد لتشيني وقال: نحن لا نبحث عن المشاكل ولا نشجع على الحروب، وقمنا بجهدنا كله لثني صدام عما فعل وحل الموضوع بسلم، لكن صدام هو من أصر أن نصل إلى هذه النتيجة. يقول تشيني لاحقاً للأمير بندر: «حين بدأ الملك فهد يتحدث بالعربية مع الحضور، بدأت دقات قلبي تتسارع قلقاً، لأننا أخذنا موافقة شفوية منك وبناء على ذلك بدأت طائراتنا العسكرية بالتحرك وخفنا أن يعدل الملك عن قراره ثم نقع في ورطة».
كان الملك فهد يريد ضمانة عدم بقاء الجنود الأميركيين على الأراضي السعودية، ولذا وافق بعد الاستشارة لكنه وضع القيود والشروط. ويقول بندر: «طلب مني الملك فهد إحضار ورقة، وقال اكتب، وكتبت النقطة الأولى، تأتي القوات المسلحة الأميركية إلى السعودية بناء على طلبنا، ثانيا تغادر القوات الأميركية متى طلبنا ذلك، ثالثاً تحافظ القوات المسلحة الأميركية على عادات وتقاليد البلاد وتحترمها ولا تقوم بأي تصرفات منافية لعادات وتقاليد البلد. وقال الملك فهد، الآن اذهب إلى قصر الضيافة وأخبر تشيني وقل له أن يوافق عليها وأن يوقع في حال وافق. ويكون لدينا نسخة ولديهم نسخة، وسأذهب أنا لاستقبال والدك في المطار».
الموافقة الشفوية من الملك فهد، نقلها بندر قبل هذا الاجتماع، وبناء عليه تحركت الطائرات الأميركية وناقلات الجنود، وكادت الورقة التي اشترطها الملك فهد أن تغير من كل شيء وتؤجل وصول القوات في حال لم يوقع عليها الجانب الأميركي.
يتابع بندر بن سلطان عن هذه الورقة وتفاصيل توقيعها: «ذهبت إلى تشيني وأخبرته عن التوقيع، فقال: إذا أتت القوات الأميركية، أهم نقطة عندنا دائماً هي متى يعود الجنود إلى أهلهم وهذا لا إشكالية فيه، قلت صحيح لكن ليطمئن قلبي، وهذا سياسياً ينفعنا وينفعكم. رد تشيني: لا صلاحية للتوقيع عندي وهذه تشبه المعاهدة. قلت: إذاً أنا آسف إذا لم تستطع سأذهب للملك وأخبره. فأجابني: لماذا يا بندر الطائرات أقلعت وبي 52 أقلعت، وسنتأخر، هل هذه الورقة مهمة؟ وهل لو لم يتم توقيعها نلغي تحرك الطائرات؟ قلت: نعم. خرج وزير الدفاع واتصل بالرئيس بوش الأب من هاتف مؤمّن، وقال له وقعها. وقعها تشيني وقلت له، الأمير سلطان سيصل ويوقعها، وتم ذلك وأعطيت الملك النسخة بعد توقيعها».
«داعش» والنظام السوري

هل ساهم الأمير بندر في إنشاء الجماعات الإرهابية ومنها «داعش» في سورية؟
في أواخر 2014، بدأ الحديث عالمياً عن أن السعودية ضخت الأموال والأسلحة والسيارات لتنظيم «داعش» في سورية والعراق، وأن الأمير بندر كان أحد مهندسي إنشاء جماعات إرهابية جديدة على الأراضي السورية.
رد الأمير بندر مؤكداً: «لا يوجد رجل عاقل يحضر السم ويضعه في كأسه ويشربه ويدعو ربه ألا يموت، لا بل نؤكد أنك ستموت إذا شربت السم. داعش سم ليس لنا فقط، بل للدين الإسلامي والعالم. في سبتمبر 2001، كان الرئيس بوش الابن سيلقي خطاباً في الأمم المتحدة ويعلن فيه حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل ويعترف بالدولتين، وجلسنا نعمل على نص الخطاب قرابة 10 أيام، مع رايس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينيت... وبقيت الموافقة على النسخة النهائية لمسودة الخطاب والتي سيلقيها الرئيس في 12 أو 13 سبتمبر. ليلة 8 سبتمبر، اتصل بي تينيت، وقال إنه تسلّم رسالة من باول، ويأمل أن نؤجل الاجتماع النهائي الذي سنتفق فيه على الخطاب إلى 10 سبتمبر لأن لدى باول زيارة لبعض دول أميركا الجنوبية. وأعود وأقول لو أننا بحثنا عن أعدى الأعداء للعرب والمسلمين لن نجد من ينجح في تدمير الأمة كما فعل تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر وأفسد كل ما تم الترتيب له لخدمة القضية الفلسطينية».
سألت الأمير بندر مرة أخرى: ماذا عن «داعش»، فأجاب: «تذكرني بالمنطق الإيراني، أو بالمعنى الأصح، بالتبرير اللامنطقي». استغربت مقاطعاً: أنا؟ فرد: «السؤال منطقه إيراني لا أنت... كانت إيران تدّعي أنها ضد التواجد الأجنبي لأساطيل الدول في الخليج العربي، وتنسى سبب تواجدها، وللتاريخ لم يكن هناك أي تواجد لأي قوات أجنبية في الخليج إلا سفينة واحدة فقط اسمها (لاسال) كانت في البحرين. وعندما قامت إيران بنشر الألغام في الخليج، ما أدى إلى عرقلة الملاحة الدولية، خصوصاً ناقلات النفط، قامت الدول مضطرة بعملية ما يعرف بتبديل الأعلام على سفنها ووضع الأعلام لعدد من الدول والتي أرسلت أساطيلها لحماية تلك السفن التي تحمل أعلامها وهذا هو سبب تواجد الأساطيل الأميركية والفرنسية والبريطانية والسوفياتية - الروسية. إذاً، كان هنالك فعل وهو تلغيم الخليج نتج عنه رد فعل، وهو قدوم الأساطيل».
ويتابع: «دعمنا للمقاومة السورية المعتدلة لم يكن سراً، كانت الاجتماعات علنية في الرياض وإسطنبول وعمّان، لوزراء الخارجية ورؤساء الاستخبارات وغيرهم... وكان الدعم اللوجستي للمقاومة فقط أي الجيش السوري الحر. كان هنالك في غرفة العمليات ممثلون من أكثر من دولة ومن بينها السعودية وتركيا وقطر ودول غربية عديدة. وحين توليت رئاسة الاستخبارات، اقترحت فتح غرفة أخرى في الأردن. وكل ذلك علنياً وليس سرياً، وهذا مرتبط بتصريح لوزير خارجية قطر ورئيس وزرائها السابق (الشيخ) حمد بن جاسم حين قال إن السعوديين حين شاهدونا أخذنا دور الريادة في سورية، بدأوا بالتدخل، وهو يعرف لماذا تركنا العمل معهم ومع الأتراك ونقلنا تنسيق الدعم عبر الأردن بصفة رئيسية مع استمرار الدعم عبر تركيا.
هذه قصة سحب ضباطنا من غرفة العمليات في أنقرة واستغرب من يتهمني بأنني وراء إنشاء داعش الإرهابي، والدول التي كانت في غرفة أنقرة تعرف أننا كنا نحذر من عربات وأسلحة تصل للمتطرفين، وكل مرة يتعهد الأتراك والقطريون بعدم تكرار ذلك، ومحاضر الاجتماعات موجودة (...) وكان هناك ممثلون من أكثر من دولة غربية ومنها الولايات المتحدة في الاجتماعات كافة. وأتحدى أن ينكر مكاشفتنا لهم أحد. لاحظنا وتأكدنا من وجود تهريب أسلحة، وأخلينا مسؤوليتنا بسحب ضباطنا من غرفة أنقرة (...) وحصرنا المساعدات والتنسيق عبر الأردن، والذي تحمل كل ذلك مشكوراً رغم الحمل الذي يتحمله في استضافة اللاجئين».
يرفض بندر الاتهام مجدداً، ويقول إنه يتحدى أي ممثل من ممثلي الدول المذكورة والذين كانوا يتواجدون أثناء الاجتماعات الدورية في أنقرة أن ينكروا أن السعودية كانت تحذر كل مرة وتخبرهم أن هناك تهريباً للأسلحة والعربات وغيرها وهذا خلاف المتفق عليه.
ويقول: «كان هناك اجتماع دوري لرؤساء أجهزة الاستخبارات للدول المعنية بالشأن السوري، في الإمارات وباريس ولندن وتركيا، ومن كان فيه، رؤساء أجهزة أميركا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وقطر وتركيا والأردن والإمارات والبحرين، وكان مرجع القلق السعودي نابع من تجربة دعم المملكة للمجاهدين في أفغانستان، لأنه بعد أحداث 11 سبتمبر تم اتهامنا بأننا من كنا خلف ما يسمى المدرسة في أفغانستان أو المتطرفين في أفغانستان، وكنا في أفغانستان نعمل معا مع الأميركيين، واتهمنا زوراً وبهتاناً».
وتابع مشدداً: «اكتوينا بنار الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة، وأعتقد أن قطر تكرر الخطأ نفسه، واتهمنا زوراً وبهتاناً بدعم (المدرسة) في أفغانستان والكل يعرف من كان وراء إنشائها».
طلب مني الأمير بندر العودة إلى تسجيل قديم لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في 2009، وفيه يطالب النظام السوري ورئيسه بشار الأسد بإيقاف إرسال المقاتلين عبر الحدود وأيضاً الإرهابيين. وبدأ يسرد تطور «داعش»: «بدأ داعش بدعم من قبل النظام السوري من عراقيين وغيرهم من جنسيات مختلفة، لمهاجمة القوات الأميركية في العراق، وكانت سورية تسمح بمرورهم، وجلبت مقاتلين من عدد كبير من الدول الإسلامية بما فيها السعودية، والجميع يعرف كيف اكتوينا بنار هؤلاء في داخل المملكة، وكان الجيش الحر حين يلقي القبض على بعضهم يكتشف أنهم يعرفون سورية جيدا حيث إنهم يرشدون إلى معسكرات تدريبهم على الأراضي السورية. وقبل ذلك بدأ داعش على الأراضي العراقية تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق» إلى جانب فصائل إرهابية أخرى، وحين بدأت الأحداث في سورية، وسعوا نطاقه الجغرافي واسمه وأصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام، ومختصره داعش، ما علاقتي أنا بذلك؟ مشكلة البعض الكسل وأنهم لا يقرؤون ولا يتتبعون مسار نشأة التنظيمات حتى لو كانت واضحة».
ويختتم الأمير حديثه: «ربنا ما شفناه، بالعقل عرفناه، عندما استولى التنظيم على مناطق آبار البترول في الشمال الشرقي من سورية جهة القامشلي، واستمر في إنتاج وتصدير البترول، أنا أسألك يا عضوان: كيف يمكن تصدير بترول للعالم من تلك المنطقة؟ إما عن طريق النظام السوري أو عن طريق تركيا أو عن طريق السماء، وأترك الإجابة لكم. ثم ألم تلاحظ أن داعش لم يقم بعمليات ضد النظام وإنما عملياته ضد المعارضة؟ وهنا أترك الإجابة لك».

 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي