اليد على الزناد بـ... توحيد «محور المقاومة»
المعركة وليس الحرب مع إسرائيل غير مستبعدَة



اشتهرتْ إسرائيل بخوض معارك بين الحروب خلال الأعوام السبعة الماضية من الحرب التي فُرضت على سورية. فضَرَبت الخطوط الحمر، واستفزّتْ "محور المقاومة" في سورية فيما لم تتجرأ على فعل الشيء نفسه في لبنان. إلا إنها لم تعد تضرب الجيش السوري فقط بل ضرَبتْ قوعد إيرانية في سورية ومراكز يستخدمها "الحرس الثوري الإيراني" بحيث وضع نتنياهو نفسه مقابل الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني حين تحدّاه على مواقع التواصل الإجتماعي، ليقع في فخٍ كان سليماني قد رسمه للرئيس الأميركي دونالد ترامب في السابق حين طلب من الرئيس حسن روحاني "أن لا ينزل إلى مستوى هذا الماجن لنردّ نحن عليه".
وهكذا أصبح سليماني، الضابط في الأجهزة الأمنية الإيرانية على مستوى رئيس دولة عظمى (أميركا) وعلى مستوى رئيس وزراء إسرائيل المتعجرف الذي يَعتبر نفسه جالساً فوق أقوى جيش في الشرق الأوسط وأحد أقوى الجيوش عالمياً.
ولكن أسلوب سليماني يختلف عن أسلوب نتنياهو. فهو لا يملك حساباً على مواقع التواصل الإجتماعي وهو ينزل إلى الميدان في بلاد عدة ويجالس الرؤساء والسياسيين والعسكريين إلا أنه - كما هو معلوم عن القيادة الإيرانية - لا يتسرّع في الردّ ولا يتلكأ عنه.
وتقول مصادر مطلعة إن "إيران لن تسكت على الضربات الإسرائيلية. فهي تدرك أن نتنياهو يحاول جرَّها إلى معركة في وضع يتهيأ ترامب لمؤتمر وارسو لمحاصرة إيران ورصف الصفوف ضدّها. ولكن الرد - كما هو معلوم عن إيران - لا يأتي بيدها بل بيد حلفائها على الأرض الذين يُعتبرون جزءاً لا يتجزأ من محور المقاومة".
وكما ذكرت "الراي" في عدد سابق، فإن سورية - قبل قرار ترامب بانسحاب قوات بلاده من الشمال - الشرقي في محافظة الحسكة والرقة - كانت قررتّ الرد على نتنياهو على قاعدة الضربة بالضربة المماثلة، دون استهداف المدنيين لأن إسرائيل تضرب أهدافاً عسكرية بشكل عام. إلا أن القرار الأميركي خلط الأوراق وبالتالي دفع الجميع للتريث وعدم الرد المباشر وبالتوازي.
لكن إسرائيل استغلّت التردد في "محور المقاومة" الذي فضّل رؤية أميركا خارج سورية أولاً واعتبر أن هناك فرصاً أخرى في المستقبل ليردّ على إسرائيل. لكن الهجوم الأخير أزعج هذا المحور الذي تعاطى مع الأمر على أن نتنياهو خرَج عن الأعراف. فهو يضرب أهدافاً متعددة دون اكتراث ويعلن عنها دون تحفظ ويستخدم الجيش وقدراته لحملته الإنتخابية المقبلة. إلا أن نتنياهو لا يعلم أن سليماني لن يردّ عليه عسكرياً لأن إسرائيل لم تهاجم إيران بل مواقع لها في سورية. وقد ردّت دمشق بإطلاق صواريخ ضد إسرائيل ما أخرجها عن روعها ولذلك أطلقتْ عشرات الصواريخ لتمنع المعركة من أن تحدث.
إلا أن السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري هدّد بصراحة بأن سورية تستطيع أن تضرب مطار تل أبيب إذا إستمرت إسرائيل بضرب أهداف في سورية. ولكن ما لم يقله الجعفري أن الرئيس الأسد استعد لمعركة بين الحروب وأن محور المقاومة يعلم أن هذه المعركة من الممكن أن تمتدّ لأيام بل لأسابيع. وهذا كفيل بوضع حد لطموحات نتنياهو بضرب سورية دون رادع وكفيل بإسقاطه في الانتخابات المقبلة. إذ لم يسبق لأي رئيس وزراء إسرائيلي أن خاض معركة قُتل فيها إسرائيليون وهددت أمن إسرائيل ونَجَحَ في الانتخابات.
ولكن كيف تستطيع سورية ضرب إسرائيل في حال نشوب معركة تمتدّ إلى أيام أو أسابيع بعدما صرَّح نتنياهو أنه قضى على كل الأسلحة التي سلّمتْها إيران إلى "حزب الله" وإلى سورية ودمرَّ كل المرابض السورية بآلاف القذائف ومئات الغارات؟
لقد وقعت إسرائيل في هذه الخطأ العام 2006 عندما اعتقدت أن حربها على "حزب الله" ستكون نزهة واعتبرت أنها ستفتح طريق أميركا لبناء "شرق أوسط جديد" أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية حينها كوندوليزا رايس. إلا أنها تفاجأت بالصواريخ الحرارية ضدّ دباباتها والصواريخ الصينية ضدّ سفنها.
لكن "حزب الله" أصبحت له قاعدة إستراتيجية في سورية ليستخدمها ضد إسرائيل في حال نشوب حرب ضد لبنان أو ضد سورية. فالسيد حسن نصرالله الأمين العام لـ "حزب الله" لم يتقن فن الخطابة فقط أو الحرب النفسية، إلا أنه مُخطِّط عسكري من الدرجة الأولى شارك في كل غرف العمليات التي أدارت المعارك ضد إسرائيل ويتدخل في أدق التفاصيل ويعلم ماذا يستخدم بأسلوب تَدَحْرُجي. وهذا ما سيفعله من خلال الترابط الفني والتقني والعسكري والتخطيطي والقيادة والسيطرة المتّصلتان بين سورية ولبنان في حال نشوب معركة مع إسرائيل يقرّر فيها الرئيس بشار الأسد الردّ العنيف التدحْرجي المتواصل ضد إسرائيل في أي اعتداء مقبل.
وقد شعرت روسيا بالخطر وبالنيات التي يضمرها محور المقاومة. إذ سألت القيادة الروسية القيادة الإيرانية في سورية عن أماكن ومراكز قيادتها بعدما أخْلَتْها كلها قبل الضربة الإسرائيلية الأخيرة لمنْع حدوث أي خسائر بشرية. وأتت الإجابة - للمرة الأولى - أن "مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية أصبحت موجودة داخل القواعد السورية على الجغرافيا السورية كافة من دون تمييز"، حسب المصادر المطلعة.
وهذا ما دفع روسيا الى الطلب من إسرائيل وقف الضربات بوضوح أكبر من قَبل وبشدّة وأكثر فظاظة لأنها لا تريد أن تجد نفسها وسط قبة صواريخ ذهاباً وإياباً تتبادلها سورية مع إسرائيل في أي معركة مقبلة.
لقد خرجت إسرائيل عن سياسة الغموض التي كانت تتبعها لأن عجرفة نتنياهو أربكت القيادة العسكرية. ونقل رئيس الوزراء الإسرائيلي ثرثرته الانتخابية إلى داخل المؤسسة العسكرية لأنه فضّل أن يكون نجم الإعلام والدعاية بدل أن يتبع خطى كل من سبقه ويعمل صامتاً.
وإذا أراد نتنياهو فعلاً أن يجنّب إسرائيل معركةً لن يستطيع إدارتها وستخرج عن سيطرته، فعليه أن يلتزم الصمت ويبتعد عن ضرْب سورية ... إلى ما بعد الإنتخابات.