لست من هواة الأفلام ومتابعتها، ولا من يجيد النقد للأفلام ولكن حصل ما حصل.
في زيارتي الأخيرة للجامعة ببريطانيا وبعد حضور ورشة عمل خرجت مع أحد الزملاء المختصين في القيادة وأثناء تناول القهوة، بادرني بالسؤال: «بجانب وظيفتك ذكرت لي تعلقك بالصحافة وإيمانك الشديد في مهمتها التنويرية للمجتمع من جميع النواحي، فهل متابعة أهداف بعض الأفلام الأجنبية يهمك؟» فأجبته على الفور: «بالطبع لا!». تعجب واسترسل في الحديث عن أهمية الإعلام بشقيه، وأخذ يتحدث عن فيلم يعرض في دور السينما اسمه «الفخر والمجد Pride and Glory» ولم يسهب في الحديث كونه مرتبطاً، وكذلك كنت مشغولاً في محاضرة في الصباح، وطلب اللقاء في الغد.
حضرت في الموعد وإذ بيده تذكرتان ودعاني لمشاهدة الفيلم وكان معه دفتر وقلم. طلب مني كتابة ما سألاحظه في الفيلم من جوانب خاصة بالقيادة، وكان الأمر بمثابة التحدي: فما علاقتي بالفيلم! الفيلم يروي حكاية الفساد في فرقة مكافحة المخدرات، كان أحد أفراد عائلة تنتمي لأب متقاعد من الشرطة وصاحب سجل نظيف طرفاً في الموضوع. عندما حصلت حادثة مقتل لأربعة من الشرطة من الفرقة التي يرأسها ابن الأب الأكبر والمشغول مع زوجته المريضة ويعمل زوج ابنتهم معه، كلف الأب ابنه الآخر الذي تحول إلى العمل المكتبي لتولي التحقيق في القضية، وذلك نظراً لذكائه المميز وقدرته على حل الألغاز. المهم ان الابن الذكي اكتشف تورط شقيقه وزوج أخته وبدأت الحكاية تأخذ منحى آخر فكانوا بين خيارين إما التغطية على أخيهم وحمايته أو دمار تاريخ الأسرة، ويتخلل الفيلم عبارات في غاية التأثير بشكل درامي حبك بعناية فائقة.
القصد من هذه المقدمة إننا في الكويت نعاني من أوجه للفساد وقد تتم التغطية عليها بشكل أو بآخر، وإذا زاد الفساد وهو ما نلاحظه يصبح أشبه بالعرف، ونحن بالطبع لا نشعر فمرة تحت تأثير الخوف من الفشل أو الفضيحة، وأحياناً لأسباب سياسية أو اجتماعية. انظروا إلى المشاريع من حولنا، انظروا إلى الخدمات، انظروا إلى قضية وزارة الصحة في مستشفى العدان و«داو كيميكال»... انظروا إلى كل شيء وستجدون الخلل، وقس على هذا البحث باقي الأمور.
إن القيادة السليمة تستدعي توفير مناخ للقيادة ورجال قياديين من طراز آخر لا يخشون من قول الحق... وهذا ما نفتقر إليه يا سيدات وسادة المجتمع الكويتي.
لقد أخذت الفجوة بين الحق والباطل تتسع ونحن نقف مكتوفي الأيدي، فحينما يتفوه الإنسان بما يمليه ضميره يعتبر سلوكه هذا شاذاً على اعتبار أنه لم يتبع الديبلوماسية في الطرح، أو ما «طمطم على الموضوع»... فسبحان الله! إن أخلاق الوظيفة تحتم علينا مراجعة حيثيات بعض الأحداث، ولو دققنا في تقارير ديوان المحاسبة، وبعض ما يطرحه النواب من تجاوزات، وبدعم من المعنيين، ودون أدنى تدخل جانبي في أي قضية، لأمسكنا بالخيوط الرفيعة التي تساعدنا في إبعاد الشوائب السلبية عن طريق عجلة الإصلاح المراد لها أن تسير وفي خطى متسارعة. نحن لم تعد لدينا الجرأة في الكشف عن ضعاف النفوس، وعن مشاريع تتدحرج عملية تنفيذها ببطء تام، ومساكن العزاب تاهت مسؤوليتها، وغيرها من الأمور الكثير.
إن للوظيفة مهمة اجتماعية في غاية الخطورة فإن تسممت أفكار صاحبها بحثاً عن الربح أو المكسب أياً كان نوعه، أو السماح بخرق القانون فلا شك ان المجتمع سيتأثر سلباً، وستلقى تبعات هذا القصور على أفراد المجتمع كافة، وستنعكس على الدورة الدفترية، والخدمات التي يتلقاها المواطنون، إضافة إلى أنها تشكل عائقاً في وجه تحويل الكويت إلى مركز تجاري ومالي.
إنها نظرة تأملية ساقتنا الظروف لسردها ولا نقصد منها «فلسفة تنظيرية» بقدر ما هو رأي، ونطرحه متمنين للكويت الفخر والمجد. والله المستعان!
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]