ببساطة

الاستدامة المفقودة!

تصغير
تكبير

نُشر قبل أيام تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي، حيث تناول التقرير كالعادة مجموعة قضايا حول العقار والبورصة وموضوع المالية العامة وسوق العمل، إذ أوضح التقرير أهمية سوق العمل كمؤشر يبين مسار الاقتصاد في أي دولة، أي أن الاقتصاد القوي هو الذي يملك القدرة على توفير العدد الكافي والمستدام من فرص العمل للمواطنين سواء من ناحية الكم أو النوع، وقد جاءت خلاصة ذلك التقرير لتبين أن الدولة تحتاج لخلق 400 ألف فرصة عمل خلال عقد ونصف من الزمن، بينما تعجز المالية الحالية عن خلق 10 في المئة منها، في وقت توكل فيه مسؤولية مواجهة تلك المتطلبات إلى الإدارة نفسها المتسببة بعجز الاقتصاد عن خلق فرص العمل إضافة للتضخم في أرقام البطالة المقنّعة، والنتيجة لا اقتصاد ولا مالية ولا سوق عمل مستداماً!
لم أستغرب النتيجة التي وصل لها تقرير الشال الاقتصادي، فالمتابع لأوضاع البلد بواقعية وليس بنظرة رومانسية حالمة، يعلم تماماً أن البلد يعاني على جميع المستويات؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالمشاريع التنموية السابقة كلها كان مصيرها الفشل، وآخرها خطة التنمية للعام 2009 التي أعلن رئيس الوزراء الحالي فشلها قبل خمسة أعوام، بل إن الخطة التنموية الوحيدة التي كتب لها النجاح هي الخطة التي تم انجازها بداية الخمسينات من القرن الماضي، أما خطة الكويت 2035 فقد سبق وأن تحدثت عنها في أكثر من مقال، فتلك الخطة وإن كانت - للوهلة الأولى - تبدو جميلة خصوصاً أنها جاءت مصحوبة ببهرجة إعلامية غير مسبوقة لترفع الأمل «قليلاً» عند الشعب المتعطش لأي انجاز غير افتتاح «اللفات» وتدشين «المطبات»، إلا أن الواقع يقول بأن الحكومة لم تقدم تصوراً حقيقياً حتى يومنا هذا، بل أكاد أجزم بأن الحكومة لا تعرف عن ذلك المشروع سوى ما قدمته في العرض الترويجي الذي قام به مجموعة من الوزراء، وبرنامج عمل الحكومة الذي جاء بنقاط عامة وأفكار غير واضحة من ناحية الأهداف والمستهدفات والتكاليف، وهذه الافكار أو الرؤى لا ترقى لوصف البرنامج أو المشروع أبداً!
لقد جاء تقرير الشال الاقتصادي هذا الاسبوع ليضع يده على الجرح، فهناك خلل كبير بسبب إسناد مهمة إدارة البلد للإدارة نفسها المتسببة بكل تلك المشاكل مراراً وتكراراً والتوقع بأنها ستكون قادرة على تقديم الحلول!


بينما نحن نعلم مسبقاً بأن هذه الإدارة المتمثلة بالحكومة تعمل وفق ردات الأفعال، ولا تملك رؤية حقيقية أو برنامج عمل واقعياً، فالحكومة لم تعطنا أي مؤشر على أنها عازمة على ايجاد مصادر دخل جديدة للدولة فيما بعد انهيار أسعار النفط - مصدر الدخل الرئيسي للدولة - على الرغم من مرور ما يزيد على الثمانين عاماً على اكتشاف ذلك المورد الناضب.
لذلك فإن مفتاح حلحلة غالبية مشاكل هذا البلد هو إسناد مهمة إدارته لحكومة تمتلك برنامجاً واضحاً ورؤية واقعية، وتتشكل كفريق منسجم لرجال دولة مؤمنين بذلك البرنامج وتلك الرؤية، فريق يعرف مسبقاً من أين سيبدأ؟ وما هي الوجهة التي يريد الوصول إليها؟، كذلك من المهم أن يكون هناك برلمان يمتلك قراره ويتشكل من كتل منسجمة تمثل الرغبة الشعبية الحقيقية... ما أعنيه باختصار هو أن المفتاح الرئيسي للإصلاح الشامل هو إصلاح المنظومة السياسية وتطويرها، فلا يمكن إنجاز أي شيء على أي مستوى دون وجود قرار سياسي، وذلك القرار من المفترض أن يصب في صالح الغالبية من أبناء الشعب وليس لمصلحة فئة صغيرة، أما في ظل الوضع الراهن، فالحكومة تتشكل بطريقة المحاصصة والترضيات السياسية، فيما البرلمان المتشكل من خمسين نائباً بخمسين رؤية وخمسين أجندة لا يمكن ان يمثل أبداً الرغبة الشعبية.
ختاماً، رغم سوء الوضع السياسي والاقتصادي وكذلك الاجتماعي، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، إلا أن ذلك لا يعني اليأس من المستقبل، فهذه الأوضاع الصعبة هي السبب الرئيسي لرفع الوعي المجتمعي، وكلما ارتفع ذلك الوعي سنجد أنفسنا أقرب لتحقيق التغيير وإصلاح تلك الأوضاع السيئة، ومثلما نعلم أن استدامة الاقتصاد مفقودة في ظل انتشار الفساد، كذلك استدامة الفساد ستنتهي بانتشار الوعي.

[email protected]
twitter: @h_alansari

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي