يحتار الإنسان بين ما تميل إليه نفسه وهواه، وما يرفضه عقله وفكره، وإن وجد في الاختيار صعوبة ومشقة على النفس، فإنه ينظر إلى عاقبته ويأخذ بالأنفع في مآله، ولا يجعل هواه يغلب عقله وينظر إلى الراحة الموقتة وينسى ما بعدها، قال بعض العلماء: «الفكرة مترددة بين الشهوة والعقل، يخدمها العقل فوقها، والشهوة تحتها، فمتى مالت الفكرة نحو العقل ارتفعت وشرفت وولدت المحاسن، وإذا مالت إلى الشهوة تسفّلت إلى أسفل السافلين، وولدت القبائح».
لا تجعل خطواتك في هذه الحياة إلا بأوامر وتوجيهات عقلية، ولا تجعل عواطفك تحكمك، واعلم أن العقل نوعان غريزي واكتسابي، فالغريزي ما يكون موجوداً مع المولود، كعقله للارتضاع، وأكل الطعام، وضحكه ممّا يَسُرهُ، وبكاه مما لا يهواه، وامتناعه مما يضره، كل هذا يعقله بالعقل الغريزي، ثم يكتسبً الصبي زيادةً في العقلِ على مُرور الأيام إلى أن يبلغ أربعين سنة، فحينئذٍ يكمل عقله.
يولد الإنسان على الفطرة والغريزة ثم ينتقل إلى الأخذ بالعلم والاكتساب حتى يصل مرحلة الكمال العقلي، قال تعالى: (حتَّى إذا بلغَ أشدَّه وبَلغَ أربَعين سنة)، وبلغ أربعين سنة، أي سن الاستواء، وهو الاكتمال الجسمي والعقلي، ولأجل ذلك كانت هي السن التي بعث الله تعالى فيها نبينا الكريم، وكذلك غيره من الأنبياء والمرسلين.