إسماعيل... مدرسة في الاحتواء!

تصغير
تكبير

لا أعتقد أن هناك كاتبة أو كاتبًا، في محيطنا الجغرافي والافتراضي، لم يحظَ باهتمام الكاتب الكبيرالراحل إسماعيل فهد إسماعيل، ومحبته في يوم ما، إن لم يكن بالقراءة له، أو كتابة مقدمة لمنجزه، فإنه لابد - على أقل تقدير- قد حظي بتشجيع معنوي منه، يُدبجه دائما بألقاب خلابة، تُشكل للطرف الآخر، كل شيء!
قبل أن أمارس العمل الأكاديمي، كنت أرى أن تلك الألقاب مبالغة من أديبنا الكبير - رحمة الله عليه- بل إنني قلتها له بود في إحدى المرات، بعد أن نادى أحد الكتاب الشباب بـ (المبدع الجميل) . فأكد لي بحنان (الأب) أن المحاولات الجيدة... والاستمرار في كتابتها، حتما ستصنع من ذلك الشاب (مبدعا جميلا) يوما ما!
اليوم، وبعد أن بات لدي عدد لا يستهان به من الطلبة، لاحظتُ -  تلقائيا- أن التشجيع صار ملازما لمفرداتي، وأن الأم التي في داخلي لا تغادر قاعة الدرس بسهولة. فما أن يُنجز أحد أبنائي الطلبة نصا ألمس فيه الصدق، وشيئا من الجودة التقنية، حتى أجدني أحتفي به وأتعامل مع محاولته الأولى باهتمام كبير.
أدركتُ بعد سنوات، أن اسماعيل لم يكن يبالغ، بل كان ذلك (الأب) بالقدر الذي لم أكن أنا قادرة على تخيله!
بذات القدر من المحبة والحنان، كان يتقبل الآراء التي تختلف معه أيضا، أو تتوقف عند ملاحظات معينة على منجزه، فكنت أظن هدوءه حينها، نتاج ثقة معشقة بحالة من السلام الداخلي، والتصالح مع الذات، إلى أن اكتشفتُ أن ذلك الرجل هو المعنى الحقيقي، لقبول الآخر، باختلافاته، وخلافاته، ليعلمنا كل يوم من أيام حياته، إلى يوم رحيله، درسًا في الاحتواء!
اليوم، وبعد صدمتي بالخبر المؤلم، تذكرتُ كل كلمة تشجيع قالها لي بلهجته الخاصة جدا، كل لحظة إصغاء أنصتَ فيها لكلماتي بنظرته العميقة، وكل ابتسامة صادقة، كسر بها حاجز اللقاء الأول، في إحدى ندوات مكتبه في (شرق)، قبل ما يزيد على العشرين سنة، إلى آخر لقاء، يوم احتفى الوسط الثقافي بالروائي الكويتي ناصر الظفيري، في أمسية قاسية حينها، باتت اليوم ذكرى أقسى!
علمتنا الحياة أن كل مجتمع له كبير، ومن لا كبير له، لا سند له، هكذا كان اسماعيل فهد اسماعيل، كبير الثقافة الكويتية، كبيرنا الذي غادرنا دون مقدمات، بعد أن اعتدناه في حياتنا، على صفحات صحافتنا، محتلا مكانة مهمة من مكتباتنا... وكم كنا نعتقد أنه اعتاد حياتنا... أو هكذا كنا نتمنى!
يبقى العزاء الوحيد، أن نتذكر دائما، الحياة الحافلة التي عاشها، رفقة أحبته ومريديه. والمنجز الغزير، والمؤثر الذي خلفه لعدد كبير من القراء، وعدد أكبر ينتظره في مستقبل بعيد، لن يتجاوز اسم إسماعيل فهد إسماعيل، الذي لن يموت!

* كاتبة وأستاذة أكاديمية

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي