يبدأ بعد أيام قليلة شهر محرم الحرام، وغني عن القول ان معظمنا يعلم ما يصاحب هذا الشهر من ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي -عليهما السلام- في موقعة كربلاء الشهيرة، وهي الذكرى -التي وإن لم تخص طائفة محددة من المسلمين في أصلها وجوهرها ورسالتها- إلا أن إحياءها أصبح من الشعائر التي يغلب عليها انتسابها للفرق والمذاهب الإسلامية الشيعية وأكبرها بالطبع هو المذهب الجعفري الاثنا عشري.
لن نتطرق في هذا المقال لتفاصيل الواقعة الشهيرة، فتفاصيلها معروفة ومتوافرة في الكثير من المراجع والمحاضرات والأبحاث التاريخية، ولا يهدف المقال لاستعراض المهارات اللغوية والأدبية في ذكر فضل أهل البيت وما قاموا به من أجل الدفاع عن المبادئ، ولكنه رسالة، أو مجموعة رسائل، سأطلقها في اتجاهات عدة، من باب ابراء الذمة، والاهتمام بمصلحة الوطن بعيدا عن المماحكات التي يحاول الكثيرون جرنا لها كلما حلت بنا مناسبة من هذا النوع.
أول تلك الرسائل أوجهها لخطباء المنابر الحسينية الأفاضل، وموضوعها هو الاهتمام بالمشتركات الإنسانية والابتعاد قدر الإمكان عما يثير الشقاق بين أبناء الوطن سواء من أبناء المذهب الواحد أو المذاهب جميعها، مع ضرورة الالتزام بالتحقق من الروايات والمواضيع التي يريدون إثارتها على المنابر والابتعاد عن الآراء الشاذة والضعيفة والمرسلة، بالإضافة لسؤال أهل التخصصات المختلفة عن أي موضوع يريدون الاستشهاد فيه على المنابر حتى لا يقعوا في فخ الاستدلال الخاطئ أو الضعيف ما ينعكس بالنقد على ما يقدموه للمجتمع في هذا الموسم الديني المهم، ناهيك عن ضرورة الالتفات لسهولة تداول المعلومة في عصر الفضاء الالكتروني هذا واختلاف الأجيال الحالية عن سابقيهم في طبيعة تفكيرهم وتعاملهم مع ما يطرح في المحاضرات عموما والتي يغلب عليها طريقة التلقين من دون الحوار المفتوح، فالجيل الحالي من الشباب «أجرأ» من جيلي ومن سبقني في تناول الأفكار الدينية والحوادث التاريخية بالنقد والتحليل، ومن لا يصدق ذلك فعليه بمواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب ليرى ذلك بأم عينه!
ثاني تلك الرسائل هي لأجهزة الدولة -والأمنية منها بالخصوص- فقد شهدت مواسم عاشوراء في السنوات الأخيرة جهودا -يبدو أنها منظمة- من بعض الجماعات المتشددة للتصعيد ضد بعض المشايخ وخطباء الحسينيات والمطالبة بطردهم من الكويت لأسباب مختلفة متعلق معظمها بمحاضرات ألقوها خارج حدود الكويت سابقا، وهو ما استجابت له وزارة الداخلية في كثير من الأحيان ما يعزز من حالات الانقسام الاجتماعي في البلاد ويغذي التطرف السياسي ذي الغلاف الديني، ويؤدي لزيادة التسلط الذي تمارسه بعض الجماعات المتطرفة ضد الآخر المختلف مذهبيا، وهو تسلط لا حدود لجموحه ولا تؤدي مسايرته والموافقة عليه إلا إلى مزيد من التطرف الذي يطول جميع مناحي الحياة الثقافية والسياسية وغيرهما!
لا يعني كلامي البتة أنني موافق على جميع ما يطرح على المنابر الحسينية في موسم عاشوراء أو غيره، ومدرك للكثير من الشطحات أو الأطروحات التي لا أحبذها شخصيا وأدين بعضها، ناهيك عن أن الكثير منها هو محل نقد الكثير من رجال الدين الكبار أنفسهم، ولكن ثقافة المنع وطرد أصحاب الآراء المختلفة لا محل لها في العصر الحالي إلا اتجاه من يحرض بشكل مباشر على العنف حسب ما أتصور، فبإمكان الشخص الممنوع من دخول الكويت التواصل عبر المواقع الالكترونية والتي قد تستطيع نقل محاضرته لحظيا للحسينية التي يمنع من المحاضرة فيها وهو في بيته خارج الكويت، وقد شهدنا كيف أن ثقافة المنع هذه لم تتوقف عند خطباء المنابر بل امتدت لتطول الكثير من المثقفين والمفكرين الذين منعوا من دخول البلاد في السنوات الأخيرة -هذا غير الكتب الممنوعة- ما جعل سمعة الكويت الثقافية... «مش ولا بد»!
آخر رسائلي هي لأهل الكويت الطيبين، من جميع الملل والنحل، والذين جبلوا على الاحتفاء بتلاحمهم وتقاربهم في هذه المناسبات وغيرها، فترى التبرع للحسينيات والولائم التي تقام فيها يأتي من السنة والشيعة على حد سواء، لهؤلاء الطيبين أقول... استمروا بما أنتم عليه... فالحسين حسيننا جميعا... والوطن باقٍ... والتطرف إلى زوال... بإذن الله.
[email protected]Twitter: @dralkhadhari