شخصيات من الذاكرة
عبدالرحمن السميط (2)



نتابع معكم في هذا الجزء بقية سمات الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله...
دماثة الخلق: تمتع بأسلوب فريد بالدعوة حيث إنه لم يكن ينتقد ديانة أحدهم أيا كانت، نصرانية أو وثنية أو غيرهما حتى لا يكون سببا في نفورهم، بدأ رحلته بإعطاء النموذج الحسن للأخلاق والعطاء غير المحدود والذي لم يكن محصورا بديانة معينة، فالبئر الذي يحفره أو المدرسة التي يبنيها كانت لكل الناس ولم تكن لفئة دون غيرها ولذلك استطاع أن يدخل في قلوبهم وكان ما كان من دخولهم بالمئات في الإسلام في كل موقع خلال أيام معدودات.
الناصح والمعلم: قال الشيخ الشعراوي رحمه الله ذات يوم: «استعينوا على النُّصحِ بخفّة البيان» وهذا بالضبط ديدن عبدالرحمن السميط من أجل أن يكسب محبة الآخرين وثقتهم خصوصاً في تلك المجتمعات الأميّة الفقيرة التي تسود فيها عادات وثنية غريبة لا يمكن تخيلها في وقتنا الحالي. وفي الوقت نفسه استطاع أن يُعلم الآلاف كدعاة وأئمة لدين الله وأن يؤهلهم بدورات سريعة من أجل سد النقص في الدعاة وتثبيت المسلمين الجدد على دينهم وتحفيظهم القرآن الكريم وقواعد دينهم الأساسية.
العزيمة الجبارة: لم يكن هنالك ما يردعه من اقتحام المجهول وخوض المصاعب والأخطار من أجل الوصول إلى قبيلة أو قرية داخل أدغال أفريقيا ومجاهلها، وأكبر مثال على ذلك قرية «مكة» الواقعة في جنوب مدغشقر والتي خاض لأجل وصولها رحلة من أصعب الرحلات التي ذكرها، هذا الإصرار الذي امتلكه جعله يحقق نجاحات أثارت حفيظة الأعداء في الكثير من الدول في أفريقيا حتى تم إخراجه عنوة من مدغشقر.
الأمانة: كان حريصا على أموال الخيّرين من المتبرعين حيث لم يصرف فلسا واحدا في غير مكانه، ولذلك استطاع أن يحقق العديد من المشاريع الكبيرة في مجاهل أفريقيا المترامية الأطراف والشاسعة إلى ما لا نهاية، وهذا أيضا كان سببا مباشرا لثقة المتبرعين به وبمشاريعه الخيرية التي أرادوا تحقيقها من خلاله تقرّبا لله سبحانه وتعالى.
الإيثار: صفة نكاد لا نلمسها بين الناس اليوم، فهذه صفة تحتاج لإيمان عظيم وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى. هذا الشيخ الجليل (وبالمناسبة فإنه لا يحب أن يسمى بالشيخ لأنه لم يدرس أصول العقيدة والشريعة الإسلامية... كما قال مرارا وتكرارا) كان جلّ وقته مسخر لخدمة الفقراء فلم يبخل بجهده من أجل التخفيف عنهم من الأمراض والجوع والعطش والجهل وفقدان الأمن.
التواضع: كان متواضعا في ملبسه ومأكله ووسيلة تنقله، متواضعا في حديثه وسلوكه اليومي والذي لم يكن تصنّعا بل حقيقة عرفها المقربون منه في الكويت وغيرها على الرغم أنه شخص من عائلة مرموقة في الكويت وهو طبيب متخصص في الأمراض الباطنية درس في كندا وبريطانيا حتى حاز منهما على أرفع الدرجات العلمية، وهو مؤمن عميق الصلة بربه، كل هذا لم يجعل للغرور مكانا ينفذ منه إلى قلبه وأخلاقه مع الفقراء، وكما قال كنت أحرص تمام الحرص أن أتعامل مع الفقراء بمستواهم ذاته حتى لا يشعروا ولو للحظة بأني متكبر أو مغرور وكان هذا واحدا من الأسباب التي دفعتهم للدخول في الإسلام زرافات ووحدانا.
الصدق: ذكر ذات مرة أن قسيسا فرنسيا منحه أموالا كانت مخصصة لبناء كنيسة ليبني فيها مدرسة ومسجدا... ذكر الشيخ هذه القصة تبيانا لأن المبشرين بالنصرانية لم يكونوا على نوع واحد فمنهم الصالح ذو القلب الكبير والمنفتح ومنهم الطالح الحاقد على الآخرين.
إيمان صلب: إيمانه هو الوقود الذي يدفعه نحو أهدافه من دون تردد أو وجل، آمن بأن لكل مسلم دورا مهما في الدعوة لدين الله ومساعدة الفقراء والمنكوبين أياً كانت ديانتهم أو عقيدتهم، ولذلك حرص في كل لقاء له أن يؤكد أن السعادة ليست باقتناء الأموال واكتناز الذهب والفضة فهذه من مباهج الدنيا وزينتها الزائلة بل إن السعادة الحقيقية كما قال بأن تُدخِل السعادة للمرة الأولى في قلب إنسان لم يذق طعمها أبدا في حياته.
ذكاء متقد: كانت هذه الصفة ضرورية أيضا ليتمكن من التعامل مع ملايين الناس من ثقافات مختلفة وديانات متعددة وظروف صعبة يعيشون فيها لا يعلم قسوتها إلا الله. هذه الأعداد الغفيرة من الناس ما كانت لتدخل في دين الله أفواجا لولا توفيق الله أولا ومساندة أهل الخير ثانيا وذكاءه وحنكته في التعامل معهم. ومن أهم المؤشرات على نبوغه أنه كان يحرص على دعوة شيوخ القبائل وكبار القوم وينزلهم منازلهم التي يستحقونها، وما أن يدخل أولئك الإسلام حتى يتبعهم أقوامهم بالدخول في الدين الإسلامي أفواجا. استهدف كبار القوم من أجل أن يسهلوا له تنفيذ مشاريعه الخيرية لتساهم بشكل مباشر في تخفيف معاناتهم، ومن أجل تثبيتهم على الدين الإسلامي كان يحرص على أن يرسل زعماء القبائل لأداء شعيرة الحج إلى بيت الله الحرام، وأدرك بفطرته السليمة أن بعض المنتسبين الجدد للدين الإسلامي يكون إيمانهم مهزوزا وسطحيا وخشية أن ينفلت الأمر وتضيع جهوده فحقق في ذلك النجاح تلو الآخر.
الإنسان: إنها الصفة الملازمة لأبو صهيب منذ انطلاقه في العمل الخيري، وهي الوعاء الذي يشمل كل الخصال السابق ذكرها جميعا، وهي البوتقة التي انصهرت فيها القيم الإسلامية والإنسانية والأخلاقية فتجسدت في شخصه بلا مبالغة أو تسويف.
[email protected]