رواق

عبقرية المطار

تصغير
تكبير

بعد ساعتين من وصولي - بحفظ الله وسلامته - الأرض الطاهرة للمطار الدولي لدولة الكويت العامرة، وصلت حقيبتي تتمختر «يختي عليها».
بين وصول الحقيبة بالسلامة، ووصولك إلى - «بسلامتها»- رحلة بحث مضنية وشاقة عن كنز لقبه عامل يجرها لك. ويبدو الحصول على «لبن العصفور» أسهل في تلك اللحظة، بل وأكثر. فالعمال الذين صاروا عملة نادرة يزايد عليها المزايدون حوّلت أجرتهم سوق سوداء، صار يمشي الواحد منهم واثق الخطوة ملكاً. أما الذي استأجره، فيا أرض اتهدي ما في المطار قدي!
تجر عربتك ومعها تجر خيبتك وتتجه نحو «سكة طويلة» للوصول إلى «سير سيرها» القريب منك مسافة بضعة أمتار، لكنه يستغرق نحو عشرين دقيقة أو أكثر.


تتزاحم حقائب أربع رحلات على «سير» واحد، وكراتين ماء زمزم وحوله يتزاحم الحجاج والمسافرون في مطار قابل للانفجار، ومعها تنفجر أخلاق البشر... فالاصطدام بأحدهم في الزحمة، سيجر عليك ما لا تحمد عقباه، لأن الناس اعتادوا أن يعودوا من السفر ويلعنوه بسبب المطار، ثم يعودون إليه يغالبهم الشوق، والشوق أغلب.
في كل إجازة، يتحدث المجازون عن حاجتهم لإجازة مضادة، أي إجازة من الإجازة، وهم يربطون كل إجازاتهم بالهرولة نحو المطار ويشكون انفجاره من دون إعادة تعريف مفهوم السفر أو الإجازة عموماً، أو البحث في تنامي معدلات السفر في مطار غير قابل للنمو، وحين تمخض، ولد بالونات زرقاء سرعان ما «تفرقعت»!
كان معدل السفر من مرة في السنة، فصار مرة في الشهر. وإذا كان الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فإن السفر لمن اقترض إليه كثيراً، وسافر طويلاً ثم عاد كأن لم يذهب بعد أن تفنن في نقل الداخل إلى الخارج وأبدع في نسخ إجازات غيره غيرة منهم!
تطل «المحروسة» حقيبتي وسط ثلاثة مشاهد: رجل يصرخ على زوجته أمام الملأ «يعني شسويلچ إذا جناطچ ما طلعوا أدش أطلعهم يعني»... يكاد خلل المطار أن يسبب مشاكل أسرية. المشهد الثاني لرجل، مترين بمتر، يتذمر لأنك تجاوزت دوره ولا يجدي معه أي اعتذار لأنه ينوي أن يفش خلقه من أوضاع المطار في أي ضحية تصادفه، ويكاد خلل المطار أن يتحول جنحة ضرب أو سابقة جنائية.
أما المشهد الثالث، فلرجال لم يحرك أحدهم ساكناً في مساعدة امرأة في إنزال حقائبها ولسان حالهم يقول «مو تبون مساواة»، ولا تملك أمامه سوى ترديد «يخرب بيت المساواة اللي بتعرفوها».
تنسحب من المشاهد الثلاثة، ساحباً حقيبتك، مغادراً المطار وأنت تحسب أيهما أطول، رحلة الطيارة أم رحلة استخراج الحقيبة من مناجم المطار. تتجه نحو بوابة المغادرة، تنوي التوجه نحو البنوك أو شركات الصرافة أو شركات الهواتف الموجودة لتسهيل أمورك، فتفاجأ بأن الوصول إليها أصعب من الصعوبة نفسها. فعباقرة تنظيم المطار سدوا الطريق نحوها بسياج يخرجك نحو مواقف السيارات لتعود إليها بعد لفة طويلة عريضة، تصرف النظر عنها لاحقاً، ولا تعرف من الخسران المواطن الذي مُنع من الوصول إلى الخدمات أم الجهات الخدماتية التي مُنع زبائنها من الوصول إليها في ذروة موسم السياحة.
أما الوصول إلى وسائل المواصلات، فيحتاج وسيلة أخرى وسط طقس لا تجدي معه العصائر ولا المثلجات تجاوز صعوبته، وتستذكر صراخ أحد الضباط في إحدى بوابات المغادرة المجاورة لبوابات الوصول، في مفارقة يندر وجودها إلا في مطارنا العريق (المغادرة والوصول في المكان نفسه)... ذلك الضابط الذي شد كل أعصابه الصوتية لشد أعصاب الركاب، مهدداً الذي لا يلتزم بالدور بأنه لن يسمح بصعوده الطائرة.
الحمد لله الذي منّ علينا بصعود الطائرة والنزول منها، وجمع شملنا مع حقائبنا، وكل سفرة ونحن وأنتم طيبون أيها الطيبين.
والحمد لله الذي أنعم علينا بفكرة مقال، ومنحنا الوقت الكافي لكتابته ونحن نشرف على تشريف الحقيبة بكل شرف.

reemalmee@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي