أصبوحة

انطوى الشراع وبقيت العاصفة

تصغير
تكبير

لم يكن من الأدباء الذين يهرولون من أجل الأضواء، أو يكرّسون حياتهم للعلاقات العامة، على حساب قضيتهم الأدبية، فقد عاش ومات ملتزماً بقضيته النضالية، ومن أجل انحيازه للإنسان المضطهد، وكرّس حياته الطويلة من أجل الفقراء والبسطاء.
كان الواقع ميدانه بمراراته وبما يحمل من ألم وانكسارات، وبما يزخر من تطلع لحياة أفضل وأكثر كرامة وعدالة، كان ينطق بلسان المهموم المنتظر للفرح، فلم تخل جميع أعماله من الألم والحلم معاً، ملتصقاً بحشد الضعفاء ونصيراً لهم.
لم يكن يسعى لتأسيس وتأكيد مكانته الأدبية والاجتماعية، بل جنّد سنوات عمره وشبابه للنضال من أجل صنّاع الحياة، ثم امتطى قلمه في سن الأربعين ليواصل الكفاح، حتى شبع من الحياة ومن الخيبات.


لم يغيره الإطراء والتبجيل، ولذا طلب ألا يذاع موته في أي وسيلة إعلامية «فقد كنت بسيطاً»، ولم يكن يأبه لما سيقال بعد موته «فما سيقال سمعته في حياتي»، فقد أدى الرسالة وأنار الدرب بمصابيحه الزرق، وطوى الشراع بينما ظلت العاصفة تعوي.
مينه كاتب استثنائي سيعيش طويلاً بين ضمائر الناس، وهو كاتبهم وممثلهم وصوتهم الواضح، وارتباط قيمة أعماله ورواياته من قيمة ارتباطها بالواقع الاجتماعي، فهو يستيقظ صباحاً وهو على موعد مع حلم التغيير، وينام منهكاً على حلم الغد.
لم تكن اللاذقية التي ترعرع فيها هي حدوده، بل كان حلمه إنسانياً واسعاً، ولم تكن أحلامه محصورة في قوقعته، فقد ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين، ثم اتجه للدائرة الأوسع وهي المساهمة بتأسيس اتحاد الكتاب العرب، حيث كانت أحد اجتماعات الاتحاد في الكويت عام 1958.
كان مينه كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين كما قال عن نفسه، مستلهماً البحر كأيقونته منذ الطفولة، فخرجت أعماله مبلّلة بموجه الصاخب، فقرأنا «الشراع والعاصفة»، و«نهاية رجل شجاع» و«عروس الموجة السوداء»، و«الأبنوسة البيضاء» و«الياطر»، وغيرها الكثير من الكنوز التي تركها لنا، بعد ما سئم من الحياة التي تسير من السيئ إلى الأسوأ.
فالأحلام تشيخ أحياناً والرموز تنهار، مع انهيار الفضيلة والمبدأ، والأسماء تتلاشى مع هبوب رياح الحياة، لكن هناك ضوء ينبعث في نهاية النفق، يمحو ظلمة الليل الطويل، ويؤذن مع كل إشراقة شمس، بأمل جديد للتغيير والفرح.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي