يوم من التكتيكات المثيرة في السباق إلى العروض والمفاجآت بين «فيفا» والشركتين المنافستين

«الاتصالات» أمام أسئلة المنافسة والاحتكار... والتنظيم

تصغير
تكبير
| كتبت كارولين أسمر |
في الأسابيع الماضية، كانت المنافسة بين شركات الاتصالات المتنقلة في المنطقة تأكل من كلفة الاتصالات الدولية على المستهلك، حتى وصلت في كثير من الأحيان إلى كلفة المكالمة الأرضية، حتى أن أحدهم تنبأ بأن يصبح الاتصال بأميركا يوماً أرخص كلفة من الاتصال بين الشامية وبنيد القار.
كان هذا قبل مساء الأمس. أما الساعات الـ24 الماضية، فكان الحديث فيها مختلفاً، ما اجتمع اثنان إلا وكان حديثهما عن اشتعال المنافسة بأساليب لم تعرف الكويت الكثير منها، وما تعرفه نسيته منذ سنوات. لا حديث للناس أمس إلا «فيفا» و«زين» و «الوطنية»، وما بينهم من عروض وعروض مقابلة، وقصة السباق إلى الإعلانات والإعلانات المقابلة في اجواء تخطف الأنفاس.

كانت «فيفا» تحيط استراتيجيتها التسويقية بتكتم شديد، وكانت قلة قليلة تعرف بالعروض التي ستطرح، ومنها الاستقبال المجاني للاتصالات الدولية والأرضية، إلا أن رادارات المنافسين كانت تعمل بطاقتها القصوى، وتسنى لـ «زين» أن تعرف بهذا العرض قبل يوم الطلاق الرسمي لشبكة «فيفا»، فكان أن حجزت إعلاناتها في شريحة من الصحف اليومية، وأحاطت مضمون الإعلان بسريّة شديدة.
لكن المنافس الجديد كان يقظاً، وقبل أن تصل الصحف إلى أيدي القراء كانت «الموبايلات» قد ازدحمت برسائل نصية تعلن عن العرض الجديد.
وفي صباح اليوم التالي كانت «فيفا» تعلن عن مزيد من المفاجآت (تفاصيل العروض ص 46)، وألحقتها بأخرى في حفل مسائي. وجاء كلام الرئيس التنفيذي لشركة الاتصالات السعودية سعود الدويش عن المنافسة في السوق الكويتي، ليزيد أجواء الإثارة إلى المنافسة المشتعلة.
وما هي إلا ساعات حتى أعلنت شركة الوطنية للاتصالات عن عرض مماثل بمجانية استقبال المكالمات الدولية والأرضية. وبات المشترك في أي من الشركات الثلاث يتوقع في أي لحظة مفاجأة جديدة.
إلا أن المفاجآت ليست كلها من النوع نفسه، فبعض الرسائل النصية التي انتشرت لم تكن تتضمن عروضاً جديدة، بل «خدمات» أخرى. إحدى الرسائل مثلاً تحيل إلى عنوان لمدونة الكترونية (Blog)، تنشر «قصة» مجانية استقبال المكالمات، وتهاجم إحدى الشركات وتمدح أخرى، ولا توفر وزارة المواصلات من هجومها اللاذع.
قد تكون «فيفا» المستفيد الأكبر، فالضجة كلها «على شرفها»، إلا أن القطاع برمته أصبح تحت الضوء.
ماذا بعد كل ذلك؟
الأرجح أن هذه ليست سوى البداية، فالمنافسة انفتحت على مصراعيها، وأولى المكتسبات التي حققها المستهلك أنه لن يدفع بعد اليوم ثمناً لاستقبال المكالمات الدولية والأرضية، مع ان هناك من يقول إن من كان يمنع شطب هذه الرسوم هي وزارة المواصلات نفسها.
لا شك أن المنافسة تغمر السوق بالحيوية، وتخرجه من رتابة الـ«Duopoly»، خصوصاً وان الشركات الثلاث المشغلة للاتصالات المتنقلة تعد من أكبر الشركات في الشرق الأوسط، فـ «الاتصالات السعودية» هي بالفعل أكبر شركة اتصالات في المنطقة، و «زين» حققت نجاحاً أسطورياً في التوسع نحو الأسواق الافريقية والعربية، و «كيوتل» تطمح إلى أن تكون بين أكبر 20 شركة اتصالات في العالم خلال سنوات.
كل ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن قطاع الاتصالات المتنقلة دخل عصراً جديداً في الكويت، هو عصر المنافسة بين الكبار الأكثر احترافاً، ولن تقتصر آثار ذلك على زيادة عدد المكالمات بين الرجل وزوجته، بل ستمتد آثاره إلى الاقتصاد، وتنافسية البنية التحتية للقطاع في الكويت. فالمنافسة ستنتقل قريباً من حرب الأسعار والعروض إلى مجالات أخرى، مثل الانترنت ووسائط نقل المعلومات. لكن أين تقع وزارة المواصلات وسط هذه الزحمة؟
ما من شك أن الوزارة، ومن ورائها الخزينة العامة ستستفيد بأكثر من طريقة، فمن جهة سيكبر حجم القطاع وبالتالي ستزداد مداخيلها منه، ومن جهة اخرى ستستفيد من أن تلقي الاتصالات من خطوطها الثابتة بات مجانياً لدى الشركات الثلاث.
إلا أن هناك سؤالاً مركزياً يطرح نفسه الآن: من ينظم المنافسة ومن يرسم سقفها؟
صار من نافل القول إن غياب الهيئة المنظمة للاتصالات يفتح ثغرات كثيرة، تارة تنفد منها فرق الإزالة في البلدية، وتارة ينفد منها بعض النواب ليحددوا ما يجوز وما لا يجوز، وتارة تترك الأمور على غاربها للمنافسة بين الشركات. وسواء كانت النية موجودة إنشاء هذه الهيئة أم لم تكن، تجد وزارة المواصلات نفسها اليوم أمام مسؤولية كبيرة مع دخول المشغل الثالث. فهناك معوقات كثيرة تعتري القطاع وتعيق نمو أعمال المشغلين الثلاثة محلياً، يبقى الأكثر شهرة من بينها ملف الاتصال الدولي المحتكر من قبل الدولة. وهذا قطاع له أهمية كبرى في تغيير وجه المنافسة، و تخفيض كلفة الاتصال من الكويت وإليها. وليس خافياً ما لذلك من أثر على تنافسية بيئة الأعمال في الكويت.
المنافسة المعطلة
... في «الدولي»
قد لا يتنبه كثيرون إلى أن السباق بين الشركات الثلاث على «شطب» رسوم استقبال المكالمات يخفي عدم قدرتهم على التنافس في ميدان أهم هو خفض كلفة المكالمات الدولية نفسها، وهو الميدان الذي تتنافس فيه هذه الشركات وغيرها في الأسواق الأخرى.
فشركة الاتصالات السعودية عقدت قبل أشهر تحالفاً دولياً كبيراً لخفض كلفة التجوال الدولي على مشتركيها، و«زين» كانت السباقة إلى إطلاق الشبكة الموحدة في أسواقها الإفريقية والعربية، وقد لا يكون هذا كله إلا بداية التغيير الكبير في عالم الاتصال بين الدول، بعد أن انتقلت الشبكة من كوابل في أعماق البحار، إلى ذبذبات في الفضاء «السيبرنيتي».
وعلى الرغم من أن كلفة الاتصال الدولي آخذة بالتراجع لدى مشغلي الخطوط الأرضية في معظم الدول، ومنهم وزارة الاتصالات في الكويت، فإن اشتعال المنافسة في القطاع الخاص بين مشغلي شبكات الاتصالات المتنقلة يأخذ طابعاً مختلفا.
والمفارقة أن شركة كويتية هي التي أحدثت ما يشبه «الثورة» في نظرة شركات الاتصالات المتنقلة إلى قطاع الاتصالات الدولية. ففي حين كانت هذه الشركات، لاسيما الأوروبية منها، تنظر إلى هذا القطاع على أنه «البقرة الحلوب»، وكانت ترفض أي قرار من الجهات المنظمة بخفض رسوم التجوال الدولي بين دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، وجدت هذه الشركات من يقلب الاستراتيجية رأساً على عقب، ويعمل على الاستفادة من «إلغاء» رسوم التجوال لتكبير حصته في الأسواق المحلية واجتذاب عملاء جدد، والاستفادة من ميزة الانتشار في أكبر عدد من الأسواق الإقليمية.
وعلى الرغم من التخفيضات التي أعلنتها وزارة المواصلات على تعرفة الاتصالات الدولية، ما زالت هذه التعرفة الاعلى في المنطقة بسبب احتكار الدولة للبوابات الدولية. كما ان استمرار احتكار الوزارة للمقسمات الدولية، سيبقي السوق الكويتي «المغرد الوحيد» خارج السرب في المنطقة في هذا الخصوص، وسيعيق الشركات المشغلة من تخفيض الاسعار لعملائها، بالاستفادة من امتداداتها في أسواق خارجية، يمكن أن توفر على العميل الكثير من كلفة مكالماته الدولية.
فهل ستكون الوزارة على قدر التحدي؟ أم ستضيع في الزحمة؟
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي