لا يخفى على أحد بأن المنظومة السياسية في الكويت مشوهة، حيث تعتمد على العمل الفردي والمحاصصة، وهذا ما انعكس على المعارضة، فالمعارضة في الكويت تقسم إلى معارضات عدة مختلفة تماماً في أجنداتها وافكارها ومطالبها... فهناك المعارضة الشعبوية التي تسعى لتحقيق المكاسب الشعبية فقط من دون وجود رؤية سياسية متكاملة... وهناك المعارضة الرجعية التي لا تؤمن بالديموقراطية بل إن برامجها معادية للديموقراطية.
وهناك المعارضة الشخصانية وهي عادة ما تكون مرتبطة بقطب من أقطاب السلطة وأهدافها ضرب الأقطاب الأخرى... وأخيراً هناك المعارضة الوطنية الديموقراطية التي تسعى لاستكمال مشروع بناء دولة الكويت الحديثة، من خلال الحفاظ على المكتسبات الدستورية والسعي لتوسيع تلك المكتسبات وتطوير الدستور لمزيد من الحريات.
كل تلك المعارضات تقاطعت وتشابكت أثناء فترة الحراك الشعبي في الكويت، ما خلق حالة من الارتباك لدى البعض، فقد تقاطعت مصالح تلك المعارضات ومواقفها بشكل أو بآخر في تلك الفترة، إلا أن ذلك لا يعني أن كل تلك المعارضات متفقة ومنسجمة، فكما ذكرت هناك عدة توجهات رجعية وملتبسة داخل المعارضة الواسعة فترة الحراك، وقد أضرت تلك التوجهات الرجعية بالحراك وبالقضية الديموقراطية.
أما اليوم وبعد انتهاء الحراك الشعبي، ودراسة كل الأخطاء التي وقعت فيها القوى السياسية في تلك الفترة، فقد أصبح لزاماً على المعارضة الوطنية الديموقراطية أن تميز نفسها من خلال اصطفاف وطني ديموقراطي وبرنامج عمل واضح، بحيث تتوجه نحو رفع مستوى الوعي السياسي عند المجتمع، وتعبئة الشارع لتشكيل رأي عام ضاغط يدفع باتجاه الاصلاح السياسي وحلحلة ملفات الأزمة السياسية.
نحن اليوم بأمس الحاجة لوجود ذلك الاصطفاف الوطني الديموقراطي وعودته لممارسة دوره التاريخي من خلال نشر الوعي السياسي، والعمل على تطوير المنظومة السياسية وإصلاحها، وتأهيل شخصيات سياسية وطنية شابة يعوّل عليها للمستقبل، فقد افقدتنا المنظومة السياسية الحالية مفهوم الرجل السياسي أو رجل الدولة، وحل محلها الشخصيات البرلمانية الجماهيرية التي عادة ما تكون مبنية على الزعامة الفردية أو التعصب الفئوي، ما دمر العمل السياسي بشكل عام والبرلماني على وجه الخصوص، فالبرلمان ليس الا أداة سياسية يمارس من خلالها السياسي دوره في التشريع والرقابة، بينما ما يحدث اليوم هو تحويل هذا البرلمان شيئا فشيئا إلى مكتب لتخليص معاملات.
في النهاية، لقد أصبحت عودة المعارضة الوطنية للواجهة السياسية واجباً وطنياً لا يمكن تجاهله، فتلك المعارضة التي حققت العديد من الانجازات فترة الستينات والسبعينات لم تستطع أي معارضة من المعارضات الموجودة أن تملأ فراغها أو أن تحقق جزءاً من انجازاتها، هذه المعارضة الوطنية العقلانية الموجهة ضد السياسات والنهج وليس ضد الأشخاص، يجب أن تتصدر المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد فشل المعارضات الاخرى في تحقيق مطالب الانفراج السياسي.
dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari