سلسلة تُسلّط الأضواء على الأعضاء والأنسجة البشرية الأكثر عُرضة للاستئصال جراحياً (7 من 10)
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْن*...
ملف أسبوعي من إعداد: عبدالعليم الحجار
لا شكّ في أن العين هي من أهم أعضاء جسم أي كائن حي ولا سيما الإنسان، وذلك لكونها بمثابة النافذة التي تدخل إلى عقله من خلالها مؤثرات إدراكية بصرية كثيرة تُسهم في تشكيل وعيه واستجاباته إزاء الحياة المحيطة به.
ومما يؤكد هذه الأهمية أن الله سبحانه وتعالى بدأ بذِكْر العينين أولا في سياق تعديد نعمه التي أنعم بها على الإنسان في جسمه، حيث قال جلَّ وعلا في الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة البلد: «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ».
والحقيقة العلمية التي أثبتها الطب والتشريح هي أن آلية الإبصار من خلال العين تتميز بكونها شديدة التعقيد إلى درجة مذهلة، حيث إن إتمامها يمر من خلال سلسلة من الخطوات المتعاقبة التي تتم باستمرار في خلال جزء من ألف جزء من الثانية، وتبدأ بنفاذ الضوء عبر القرنية، مرورا بالحدقة، فالقزحية، فالعدسة، فالخلط المائي، فالشبكية، فالعصب البصري، فممرات الإبصار، وصولا إلى المعالجة الدماغية التي تجعل الشخص «يرى» الأشياء المحيطة به.
وإذ نخصص حلقة اليوم لإلقاء نظرة فاحصة على «العين» وملحقاتها في ضوء الآية القرآنية الكريمة «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ»، فإن حلقتنا المقبلة ستتحدث عن اللسان وملحقاته على إيقاع الآية الكريمة التي تليها، وهي «وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ»...
*?آية رقم 8 - سورة البلد?
العين... تشريحياً
من المنظور التشريحي، تتألف العين البشرية من 3 طبقات أساسية متراكبة وراء بعضها البعض، وبيانها كالتالي من الخارج إلى الداخل:
1 - طبقة الصُلبة: لونها أبيض وهى الطبقة الأولى الخارجية من طبقات العين الثلاث، وهي غير شفافة ولا تمتص الضوء بل تعكسه.
2 - طبقة المشيمية: توجد بين الصُلبة والشبكية، ووظيفتها الأساسية هي توصيل المغذيات والأكسجين إلى شبكية العين عن طريق شعيرات دموية مخصصة لهذه المهمة.
3 - الشبكية: وهى المسؤولة عن حاسة الإبصار، حيث تستقبل الضوء النافذ اليها وتحوله إلى إشارات كهرو-عصبية وتنقلها فورا إلى الألياف العصبية البصرية التي تتجمع في القرص ومنه إلى العصب البصري. وفي الشبكية توجد «النُقرة» التي هي عبارة عن بقعة مقعرة صغيرة تحوي مستقبلات ضوئية كثيرة وتعتمد عليها العين في عملية الإبصار الحادة.
أما الأجزاء المعاونة الأخرى التي تتألف منها العين، فتشمل ما يلي:
• القرنية: هي عبارة عن غشاء هلامي القوام منبسط على مقدمة العين. ونسيج القرنية شفاف ولا يحوى أي شعيرات دموية. وتستمد القرنية أكسجينها عن طريق الهواء مباشرة، أما غذاؤها فتستمده بشكل مباشر عن طريق خاصية الترشيح من الخلط المائي، وهو ذلك المحلول الذي يملأ الغرفة الأمامية والغرفة الخلفية للعين.
• الحَدَقة: هي تلك الدائرة الصغيرة السوداء التي توجد في مركز قزحية العين. وهي تكتسب لونها الأسود من حقيقة أن معظم الضوء لنافذ إليها يُمتص بواسطة أنسجة خاصة توجد داخل العين. وفي حين يختلف حجم الحدقة من شخص لآخر، فإن الآلية التي تتحكم في الانقباض والانبساط اللاإرادي لحدقة العين تُعرف بآلية «المنعكس الحدقي»، وهي تنظم شدة الضوء الداخل إلى العين. فعندما يكون الضوء ساطعا نسبيا، تضيق حدقة العين ليصل قطرها إلى نحو 1.5 مليمتر. أما في الظلام أو الضوء الخافت، تتسع الحدقة ليصل قطرها إلى 8 ملمترات تقريبا.
• القزحية: هي ذلك الجزء الدائري المسؤول عن لون العين. وتتألف قزحية العين من نوعين من العضلات الفائقة الدقة والحساسية، وهذه العضلات هي التي تتحكم في توسيع أو تضييق حجم حدقة العين خلال الاستجابة لكمية الإضاءة الداخلة إلى العين. والنوع الأول من عضلات القزحية هي عبارة عن عضلات دائرية التي تتولى تضييق حدقة العين عند اشتداد الضوء كي يتسنى للعين أن ترى بوضوح.
أما النوع الثاني فهي عضلات شعاعية تقوم بتوسيع الحدقة عند خفوت الضوء، وذلك كي تسمح بدخول أكبر قدر من أشعة الضوء لتمكين الرؤية قدر الممكن في الأماكن التي تكون الإضاءة فيها ضعيفة.
• العدسة: قوامها عبارة عن خلايا غلوبولين بروتنية وتُعرف أيضاً باسم «العدسة الكريستالية» ويبلغ سمكها لدى الأشخاص البالغين 5 مليمترات وقطرها 9 مليمترات تقريبا (لكن هذه البعاد تتفاوت بشكل ملحوظ). وهذه الخلايا البلورية مرتبة في ما يقرب من 20 ألف طبقة متحدة المركز ورقيقة جدا. وتتميز عدسة العين بمرونتها الفائقة، وهي المرونة التي تسمح لها بالتكيف سريعا كي يتمكن الشخص من تركيز بصره سريعا على الأشياء التي توجد على مسافات قريبة أو بعيدة وهو ما يسمى بـ «تكيف العين». وتتحكم العضلات الهدبية في هذا التكيف السريع الذي تتمتع به العدسة.
• الخلط المائي: هو محلول يملأ الغرفتين الأمامية والخلفية للعين ويتم تصريفه منهما تدريجياً عن طريق قناة «شليم». وهذا المحلول يقاس من خلاله مستوى ضغط العين، حيث إنه إذا لم يخرج منها وتجمع فيها فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع ضغط العين مسبباً ما يعرف بـالماء الأزرق أو الـ«غلوكوما».
• الشبكية: هي الطبقة الداخلية للعين، وهي رقيقة جداً بحيث لا يتعدى سمكها سمك ورقة كتاب لكنها مع ذلك تحوي عشر طبقات مكونة من الخلايا عصبية وألياف عصبية وخلايا حساسة مستقبلة للضوء ونسيج داعم. وتعمل الشبكية على تحويل الأشعة الضوئية إلى نبضات عصبية يتم نقلها عبر العصب البصري إلى مراكز الدماغ العليا، ويتم ذلك في المستقبلات الضوئية. وبدورها، فإن تلك المستقبلات الضوئية نوعان: النوع الأول هي خلايا عصوية تساعد على الرؤية الليلية ولا تميز الألوان. أما النوع الثاني فهي خلايا مخروطية حساسة أيضا للضوء ولكنها قادرة على تمييز الألوان. وهذان النوعان من الخلايا يغطيان الشبكية ويمنحانها القدرة على تكوين الصورة الكاملة.
• المُقلة: مُقلة العين هي عبارة عن بقعة بيضاوية الشكل توجد بالقرب من مركز شبكية عين الإنسان، ويبلغ قطرها حوالي 1.5 مليمتر، وتتألف من طبقتين أو أكثر من الخلايا العصبية. وعلى مقربة من مركز المقلة توجد «النقرة» التي هي بدورها بقعة صغيرة تحوي أكبر تركيز للخلايا المخروطية في العين ومسؤولة عن الإبصار المركزي. وأي تلف يصيب مقلة العين ينتج عنه ضرر في الإبصار المركزي. وفي حال تطور الإصابة إلى ضمور حاد للمقلة، فإنه ينتج عن ذلك مرض خطير للغاية يُعرف طبيا باسم «التنكُّس البقعي».
ملحقات... وتوابع
في منظومة العين، توجد ملحقات وتوابع كثيرة تقوم بأدوار أساسية وأخرى ثانوية مساعدة، لكن لا غنى عن أي منها. ونسلط في التالي الضوء على تلك الملحقات والتوابع.
• الجسم الزجاجي: هو عبارة عن جسم هلامي شفاف يحافظ على الشكل الكروي للعين.
• الجسم الهدبي: متصل بالجسم الزجاجي من الأمام، وهو عبارة عن عضلات حساسة تتحكم في شكل عدسة العين خلال الرؤية. فإذا تقلصت هذه العضلات يقل تحدب العين، أما إذا ارتخت فإن تحدب العدسة يزداد وبذلك يتغير تركيز الضوء على الشبكية خلال الإبصار على حسب اعتبارات من أهمها بُعد الجسم عن العين كمية الإضاءة المنعكسة منه.
• الغرفة الأمامية: هي فراغ يوجد بين القرنية والقزحية.
• الغرفة الخلفية: هي فراغ يوجد بين عدسة العين والقزحية.
• قناة «شليم»: هي قناة توجد في الغرفة الأمامية للعين، وتحديدا في الزاوية الواقعة بين القرنية والقزحية. وهي دائرية الشكل ومهمتها هي تجميع محلول الخلط المائي من الغرفة الخلفية وإرساله إلى مجرى دم الجسم من خلال شريان خاص.
• الملتحمة: ملتحمة العين هي غشاء يغطي ويلتحم مع المحيط الخارجي للصُلبة (الجزء الأبيض) كما أنه يبطن الجفون من الداخل. وتستطيع معاينة ملتحمة عين شخص إذا رفعت جفنه بعناية ونظرت من أسفله. ومن بين وظائف الملتحة تلطيف العين من الداخل، وذلك من خلال إفراز سائل مخاطي إلى جانب كمية محدودة من الدموع.
المنظومة الدمعية
العضو الرئيسي في المنظومة الدمعية هو الغدة الدمعية الكائنة في الجزء العلوي الأمامي الخارجي لمحجر العين. تقوم هذه الغدة بصب الدموع على ملتحمة العين من خلال قنوات خاصة، ثم تنتشر الدموع منها إلى زاوية العين الداخلية لتصل إلى القُنيات الدمعية، ثم إلى الكيس الدمعي المسؤول عن كبح وتنظيم تدفق السائل الدمعي حتى لا ينساب دفعة واحدة إلى تجويف الأنف. وتدريجيا، ينتقل السائل الدمعي إلى القناة الدمعية الأنفية ليتم تصريفه في تجويف الأنف.
شبكة عضلات العين
عين الإنسان مزودة بشبكة متكاملة من العضلات التي تتجم في تحريكها في اتجاهات عدة، وتلك العضلات بيانها في التالي:
• عضلة مستقيمة جانبية: تحرك العين إلى جهة الخارج (عند النظر إلى الجانب الخارجي «طرف العين»).
• عضلة مستقيمة داخلية: تحرك العين إلى جهة الداخل للنظر ناحية الأنف.
• عضلة مستقيمة علوية: تحرك العين إلى جهة الأعلى والداخل.
• عضلة مستقيمة سفلية: تحرك العين إلى جهة الأسفل والداخل.
• عضلة مائلة علوية: تحرك العين إلى جهة الأسفل والخارج.
• عضلة مائلة سفلية: تحرك العين إلى جهة الأعلى والخارج.
المحجر والجفن والرمش
• محجر العين: تقبع العين في داخل «كهف» خاص بها ضمن عظام الجمجمة، وهو الكهف الذي يُعرف تشريحيا بـ «المحجر». ويوفر المحجر الحماية للعين على نحو يضمن عدم تعرضها للإصابة أو الضرر بسهولة.
• الجفن: الوظيفة الأساسية لجفن العين هي تنظيف القرنية بشكل مستمر إلى جانب منع جفاف العين من خلال نشر الدموع فيها.
• رمش العين: الرموش تحمي العين من دخول الجسيمات الدقيقة لها سواء من بكتيريا، أو دواء يسبب تهيجا في العين ومن ثَّم إفراز الدموع وعدم تكون رؤية واضحة.
كولاجين العين... وضغطها
مادة الكولاجين هي البروتين الأساسي الذي تتألف منه الأنسجة الضامة للعين. وتبلغ نسبة الكولاجين حوالي 40 في المئة من إجمالى المكونات البروتينية لتلك الأنسجة. وإذ يوجد الكولاجين في عدسة العين وفي القرنية في شكل بلورات أو كريستالات صغيرة جدا، فإن لها فوائد عدة من بينها أنها تقوي جدران ومرونة الأوعية الدموية، وتلعب دوراً حيويا في نمو الأنسجة.
أما مصطلح «ضغط العين» فهو مصطلح قياسي يشير إلى مستوى ضغط السائل الكامن داخل العين. وقد يرتفع هذا الضغط لأسباب معينة، بما في ذلك التهابات العين، والعوامل الوراثية، إلى جانب التأثيرات الجانبية لبعض الأدوية.
استئصال العين... اقتلاع «جوهرة» لا تُقَدَّر بثمن
في ضوء ما تنطوي عليه العين من أهمية وقيمة فائقتين، فليس من المبالغة القول إن الاضطرار إلى استئصالها هو أمر أشبه بـ«اقتلاع» جوهرة لا تُقدَّر بأي ثمن. واستئصال العين هو إجراء جراحي يتم بموجبه إزالة العين من محجرها، لكن مع الإبقاء عادة على عضلاتها وأعصابها وملحقاتها المدارية.
الدواعي... والأنواع
يتم اللجوء اضطراريا إلى استئصال العين جراحيا إما لإزالة أورام ضخمة الحجم أو عند الإصابة بصدمة حادة أو ضربة شديدة لا يمكن معها الحفاظ على العين. ففي حالات الأورام المستفحلة جدا.
وبشكل خاص، هناك نوعان من الأورام يتطلبان استئصال العين. النوع الأول هو أورام الخلايا الصبغية، وهي تنجم عن نوع نادر من السرطان يصيب الخلايا الصبغية في العين. ويصبح استئصال العين حتميا في حال وصول الورم إلى القزحية وشروعه في التوسع والنمو.
أما النوع الثاني فهو الأورام السرطانية الخبيثة التي تصيب شبكية العين. وإذا أصاب السرطان شبكية عين واحدة، يكون العلاج هو استئصال تلك العين فقط وخصوصا عند التأكد من أنه لم يصبح هناك أمل في إمكانية المحافظة على الإبصار. أما إذا كان هناك سرطان في كلتا الشبكيتين، فإن استراتيجية العلاج تميل عادة إلى استئصال العين التي فيها الورم الأكبر، ومحاولة العلاج الإشعاعي للعين الأخرى على أمل أن يتمكن المريض من الابصار بها جزئيا.
قبل وأثناء وبعد العملية
في معظم الحالات يتم إجراء عملية استئصال العين تحت التخدير الموضعي، حيث إن التخدير الموضعي حول العين مشابه إلى حد كبير للتخدير الذي يستخدم في طب الأسنان. ويبدأ التحضير لجراحة استئصال العين بحقن جرعة معينة من مخدر قوي خلف العين من خلال الوريد بحيث يفقد المريض الشعور تماما بالعين المراد استئصالها. ويستمر تأثير ذلك التخدير لمدة 12 ساعة تقريباً.
خلال مرحلة التحضير للعملية، يقوم الجراح بقياس أبعاد كرة العين وطول العصب البصري والأبعاد الأفقية للقرنية، كما يقوم بتوضيح كرة العين قبل فتحها. ويستخدم الجراح مجهر تشريح خاصا للكشف عن العراقيل والمشاكل الدقيقة المحتملة.
ويتم إجراء عملية استئصال العين بحركة قطع جراحي من جهة الخلف إلى الأمام، حيث يبدأ الشق من الجهة المجاورة للعصب البصري ويستمر وصولا عند أطراف القرنية.
وفي غضون أسبوعين إلى 6 أسابيع بعد إجراء الجراحة، يتم تثبيت عين اصطناعية موقتة (عين بلاستيكية) في محجر عين المريض. وبعد أن يخف التورم والاسوداد حول العين المستأصلة يتم تركيب عين اصطناعية دائمة يُراعى أن تكون قريبة الشبه بعين المريض الأصلية لتجعله يستعيد ثقته ورضاه عن شكله تدريجيا.
مضاعفات محتملة
وعملية استئصال العين آمنة نسبياً رغم فداحة فكرتها، حيث نادراً ما يشكو المريض من مضاعفات لاحقة خطيرة. ومن بين المضاعفات المحتملة ما يلي: النزيف، والتلوث، والتورم الدموي، والآلام، وانفصال الشق الجراحي بما يستدعي إجراء جراحة إضافية.