كتاب يحاول تحديد شكل الدولة في تلك الحالة

ماذا لو حكم «الإخوان» مصر؟

تصغير
تكبير
| القاهرة - من خالد زكي |
عن «دار الحرية للصحافة والطباعة والنشر» صدر حديثا كتاب بعنوان «ماذا لو حكم الإخوان؟» للكاتبة الصحافية مساعد رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف» الدكتورة فاطمة سيد أحمد.
الكتاب يشمل قراءة تحليلية في برنامج «جماعة الإخوان»، المحظورة قانونا في مصر، والذي تم الإعلان عنه قبل أشهر عدة. ومن خلال فصول الكتاب تحاول الكاتبة الإجابة عن السؤال الصعب هل يجهز «الإخوان» أنفسهم لحكم مصر؟ وهل يسعون إلى ذلك بخطى حثيثة محسوبة بدقة أم بتهور لم يسبق له مثيل في تاريخهم، الذي بلغ هذا العام الثمانين ربيعا منذ أن تم تأسيس الجماعة على يد قائدها الأول حسن البنا في العام 1928 بمدينة الإسماعيلية «شرق القاهرة».
الكاتبة ترى في مقدمة الكتاب أن فرضية تخيل سيناريو لما ستكون عليه الأوضاع داخل مصر في حالة وصول «الإخوان» للحكم لم تأت من فراغ، خاصة أن الجماعة ومنذ نشأتها تريد السلطة والحكم وتسعى إليهما بكل ما أوتيت من قوة، ومن ثم فلابد من التعرف على أجندتها إذا ما حدث ووصلت إلى ما تريد، وما هو شكل الدولة الذي يريد أن يطبقه «الإخوان»، كيف سيتعاملون مثلا مع السياحة؟ وما هو وضع الأقباط في دولتهم، وما هي نظرتهم للسينما والمسرح، وماذا عن أجندتهم في السياسة الخارجية؟
الفشل الذريع
وتؤكد المؤلفة أنه على الرغم من أن جميع محاولات «الإخوان» في الوصول إلى الحكم، ومحاولة السيطرة على الشارع المصري باسم الدين باءت بالفشل الذريع، إلا أنها كجماعة عنقودية لا تعطي لمن حولها فرصة أن يتوهم أنه تم تحجيمها، أو الاقتناع بأنها جماعة دعوية، كما تلوح في بعض الأحيان الحرجة بالنسبة لها.
ولفتت إلى ان العام 2005 يعتبر عام الحسم والنقطة الفاصلة في تاريخ «الإخوان» فقد تمكنوا من أن يصبح لهم 88 عضوا في البرلمان بعد أن حصلوا على هذه المقاعد تحت مسمى «مستقلون» في انتخابات مجلس الشعب، ومع أن اجمالي عدد أعضاء البرلمان المصري 454 عضوا، إلا أن «الإخوان» أعلنوا أنفسهم ككتلة مجمعة تحت القبة، وحاولوا إثارة الصخب والضجة ليعلنوا عن أنهم لسان حال الجماعة المحظورة سياسيا.
وتكشف فصول الكتاب عن مخطط الجماعة لإقامة دولة دينية في دائرة أممية لا تعترف بجغرافيا أو تاريخ، وتقول فاطمة انه على الرغم من تلويح «الإخوان» بأنهم يتحدثون عن الدولة المدنية، ولكن الحقيقة أن أركانها ترتدي العباءة الدينية، وهو المعنى الذي ينتقص بل يقضي على قيمة إعلاء المواطنة التي نص عليها الدستور المصري في مادته الأولى، وهي المعضلة التي لم يجد لها «الإخوان» حلا في برنامجهم لإنشاء حزبهم السياسي المزمع، وقد لجأوا إلى من لهم باع في هذا ليضعوا لهم برنامجا على هذا المقاس، وكان على رأسهم المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري، والفقيه القانوني الدكتور يحيى الجمل، لكنهما لم يتمكنا من معالجة معضلات أساسية في الفكر الإخواني مثل «تولي المرأة لمناصب عليا والقضاء، وكذلك وضع الأقباط في المحيط السياسي للدولة الدينية المزمعة».
وفي الوقت الذي منحوا فيه التواجد البرلماني عبر آلية ديموقراطية لم يطبقوها بالفعل، فهم يطالبون بتداول السلطة ولا يعترفون بها أصلا داخل الجماعة فالقرار ديكتاتوري بحت يخرج من عباءة المرشد الذي لا يتغير سوى بالموت.
دولة الإخوان
وتنتهي المقدمة إلى وصف محددات دولة «الإخوان»، والتي استقتها المؤلفة من تصريحاتهم في مجموعة من الحوارات التي أجرتها معهم، وستكون هذه المحددات كالتالي:
أولا: نظام الدولة سيكون مزيجا من تجربة وشكل دولة إسرائيل التي تقوم على الدين، لأنهم وجدوا أن لديهم معضلة في النموذج الإيراني من حيث اختلاف المذاهب والولاية العظمى للفقيه، وهو ما يثير اختلافا في الدين الإسلامي أكثر منه اتفاقا.
وعلى الرغم من أن إسرائيل التي تزعم أنها دولة قائمة على أساس ديني، وهي في الحقيقة دولة عنصرية تقوم على التوسع والاستيطان، وما حدده الساسة الإسرائيليون فيما يسمى «بروتوكولات حكماء صهيون»، وهو نفسه ما يماثل فكر «بروتوكولات مرشدي الإخوان» وما وضعوه من فكر يحدد للجماعة كيف يصلون به إلى الحكم، ولكل مرشد طريقته وفكره، ولكن في النهاية يحكمه الإطار العام الذي وضعه حسن البنا مؤسس الجماعة، وبروتوكولات صهيون.
وقالت: «بروتوكولات «الإخوان» لا تختلف كثيرا في المعنى، ولكن تختلف في الدلالات، فقد وضع كل منهم الدين غطاء للعبة سياسية كبيرة فيها شقاء الشعوب واستغلالهم تحت هذا الستار، والبروتوكول «الإخواني» يرى أن التعامل مع الأقباط، الذين يمثلون أقلية، يجب أن يكون من خلال وثيقة خاصة للتعامل معهم مرفقة بالدستور الأساسي للدولة الدينية، وهم في ذلك يحاكون ما تفعله إسرائيل مع عرب 48 الذين يمثلون أقلية أيضا في المجتمع الإسرائيلي ولهم وثيقة تعامل خاصة بهم».
ثانيا: دولتهم تقوم على أهمية تواجد الفقيه، وهو مرشدهم العام والذي سيقول للناس كيف يأكلون، وكيف يشربون، وكيف يلبسون من واقع الحلال والحرام والاقتضاء، حسب زعمهم، بما نادى به الرسول «صلى الله عليه وسلم» وهو «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».
ثالثا: سيكون المنطق الاقتصادي كيف نوزع الفقر على الجميع لأنه ليس لديهم برنامج تنموي للنهوض الاقتصادي، وبالتالي البديل أن يقول لنا الفقيه ليكن الجميع فقراء حتى ولو كان هذا ضد معنى الاقتصاد في الدولة الإسلامية الذي طبقه الرسول «صلى الله عليه وسلم».
رابعا: ليس لـ «الإخوان» رؤية استراتيجية للعلاقات الخارجية، وسيكون هناك انعدام للتعامل معهم، وستصبح العزلة مصير مصر مثل إيران، و«حماس»، و«حزب الله» وكلها أحزاب دينية وليست لديها استراتيجية سياسية واضحة، وجميعها يعمل في نطاق ضيق للغاية حدوده «منظمة المؤتمر الإسلامي».
خامسا: يخطو «الإخوان» حثيثا إلى كرسي السلطة وفي عقلهم معنى واحد يسوقونه للعامة أننا جهلاء يجب أن تنصب لنا مشانق دنشواي لأننا لا نطبق شرع «الإخوان».
سادسا: أن تكون البيعة هي الأساس في تولية الحكم حيث لدى الإخوان تصور بأن رئاسة الدولة في النظام، أيا كانت التسمية التي تطلق على رئيس الدولة، تتم بعقد بين الأمة والحاكم، وينوب عن الأمة مجلس الشورى أو أهل الحل، وهذا العقد يسمى البيعة.
اللغز الحائر
وتوضح الكاتبة أن اللغز الحائر في تصريحات «الإخوان» كان إسرائيل، ذلك النموذج الذي ينال إعجابا شديدا من «الإخوان» ويطبقونه بحذافيره من أول البروتوكولات والأقليات منتهيا بالدين الذي لا يؤمن بالعرقيات، ويتطلعون للتوسع تحت راية ما يطلقون عليه «غزوات الفتح» مماثلين في ذلك فكر إسرائيل في التوسع والاحتلال، هذا من ناحية «الإخوان»، لكن ما هو المقابل في إسرائيل كيف ترى «الإخوان»؟
توضح المؤلفة أن إسرائيل ترصد الأفكار والتطورات التي تطرأ على «جماعة الإخوان» التي خرجت من عباءتها جميع الجماعات المتطرفة، وإسرائيل تضع نصب عينيها ماذا سيحدث لها لو حكم الإخوان؟ وكلا الطرفين يتبادل رقصات الرعب تجاه الآخر.
وفي الوقت الذي يحذو فيه «الإخوان» حذو إسرائيل كدولة إلا أنهم طوال الوقت يعلنون العداء معها... وكيف لا؟ ووجود كل منهما مرتبط بالآخر، فـ «الإخوان» يريدون أن تكون إسرائيل معضلة المنطقة وعليها تكون المقاومة الإسلامية التي تصبح فيما بعد حزبا دينيا، وفي الوقت نفسه فإن إسرائيل تجد أن وجود «الإخوان»، وفرعها الفلسطيني «حماس»، عامل أساسي احترازي لوجودها واستمرارها.
ولذلك فإسرائيل تضع على رأس أولويات أجندتها معرفة الحركة والاطلاع على أفكارها ورصد تطلعاتها لتقوم بإيجاد المناخ الملائم لوجودها ليصبحوا شوكة في ظهور دولهم، وفي الوقت ذاته تقترب من مخططاتها وتفسح لها الطريق، لأنها بالتالي تحقق لها التعاطف العالمي ومدها بجميع المساعدات والمعونات للقضاء على عدوها من «الإخوان»، والجماعات الإسلامية الراديكالية، وقوى الإرهاب.
الكاتبة ترصد ما تسميه بخطايا المرشدين السبعة وبروتوكولاتهم المسمومة وتحاول الوقوف على تعريف دقيق لـ «الإخوان» يكشف عن حقيقة هذه الجماعة وهو ما دعاها على حد تعبيرها إلى تقسيمهم إلى «مرشدين» و«منظرين»، فالأشخاص الذين يترأسون الجماعة هم المرشدون، أما المنظرون فهم أصحاب الفكر الذي تأثرت به الجماعة عبر تاريخها، الذي تخلله سبعة مرشدين حتى الآن، واثنان من المنظرين أحدهما وضع نظرية إخوانية مفادها «المال والحكم في الإسلام» إلا أن الجماعة تمنحه صفة صاحب نظرية «التشريع الجنائي في الإسلام».
أما الثاني فهو صاحب نظرية «تأصيل العنف» في فكر الجماعة، وهو لم يضع بنفسه مفهوم العنف للجماعة لأنهم بالفعل كانوا قد مارسوه من قبله، وتمنح الجماعة هذا المنظر لقب «صاحب الظلال»، أما المنظر الأول فهو عبدالقادر عودة الذي تم إعدامه في 7 ديسمبر العام 1954، بينما الثاني سيد قطب صاحب كتاب «معالم في الطريق» وقد أعدم أيضا في أغسطس العام 1966.
مباراة استراتيجية
وفي الفصل الثالث.. من الكتاب ... مباراة استراتيجية لتحديد شكل دولة الإخوان وقد أجريت هذه المباراة بين فريقين أحدهما يمثل الدولة الدينية والآخر من أنصار الدولة المدنية، وانتهت نتيجتها إلى أن «الإخوان المسلمون» يشكلون خطورة على استقرار الأوضاع في البلد، خاصة في ظل المتغيرات الدستورية والدولية الجارية.
كما نتج عن هذه المحاورة أن هناك قضايا ذات أهمية قصوى، وعلى درجة عالية من التعقيد ليس لدى الإخوان حلول لها ويؤجلونها لوقت آخر لأنهم غير ملمين بالواقع العالمي المحيط بهم، وأهمها العلاقة بين الدولة، والدين، والعولمة، والديموقراطية، والعلم، والتشريع، وحقوق الإنسان وحقوق المرأة.
أيضا كان من نتيجة المباراة أن اتضح أن «الإخوان» يفضلون «رابطة المؤتمر الإسلامي»، التي تأسست منذ خمسة عشر عاما فقط، مقارنة بالجامعة العربية التي تقترب من عامها الخامس والستين، ويعتبر الإخوان فوزهم بـ 88 مقعدا في البرلمان نصرا حقيقيا ويسرع بهم لاعتلاء السلطة ويداعبون القوى السياسية الأخرى في الساحة بتعبير الدولة المدنية كارضاء للمثقفين الليبراليين والماركسيين والناصريين وغيرهم، وهذه القوى أيضا يتحالف معظمها مع «الإخوان» بهدف تغيير النظام.
وفي ملحق الكتاب والخاص بالقراءة التحليلية لبرنامج «الإخوان المسلمين» تكشف الكاتبة في قراءتها عن كيفية معاملة الجماعة لأهل الذمة ونيتهم في عدم تجنيد الأقباط ومنع مشاركتهم في الجيش. وبالنسبة للسينما يؤكد برنامج «الإخوان» على أن يكون الدعم لصناعة الفيلم الديني والوطني والوثائقي والتاريخي، ودعم الأغنية الوطنية والدينية والفلكلورية الدينية بأشكالها المختلفة، ولا وجود للدراما الاجتماعية ولا للأغنية العاطفية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي