ضوء

المراثي الضائعة

تصغير
تكبير

في مستهل الشهر الفضيل، نترحم على شهدائنا الأبطال في غزة، في يوم النكبة ننتكب مجددا بفقدان 60 شهيدا، و3000 جريح، في يوم واحد. شباب ينبثق كالماء من الأرض ليقدموا أرواحهم فداء، في عمر الورود يودعون أمهاتهم وزوجاتهم وأطفالهم، لن يرون وجوههم مجددا ولن يشاركوهم على مائدة الإفطار. تحتضن الأم قميص ابنها برائحة دمه المضمّخة بالورد والياسمين، وتغني للريح اسمه مرددة النداء، فلسطين عربية.
قوافل الشهداء أراها أمام عينيّ، عشرات الألوف تعبر الزمن وتأتي، ولحظتها كنت انتهيت من قراءة كتاب «المراثي الضائعة» للكاتب فاضل الربيعي، وتساءلت أحقا تلك المراثي ضائعة؟
يستكمل الباحث ما كتبه في «أورشليم ليست القدس»، ليعزز نظريته في: إن كل ما ورد في شأن بني إسرائيل واليهود والأماكن والمواقع الجغرافية في كل النصوص الدينية للأديان السماوية الثلاث، يعني أرض اليمن القديم، وليست أرض الشام ولا أرض فلسطين التاريخية أبدا.


ويربط اللغات القديمة كلها بالفكرة الأساسية، ليستخرج حتى المراثي القديمة للأنبياء في التوراة من الشعر العبري، ويترجمها باعتبارها جزءاً من تراث الشعر الجاهلي الضائع، حيث تتضمن هذه المراثي أسماء أماكن ومواضع وقبائل ليست لها علاقة بفلسطين بتاتا بل باليمن القديم، مؤكدا أن اليهودية ولدت في اليمن كدين عربي قديم، وإن التوراة لم تأت على ذكر فلسطين، وكل اللغات القديمة مثل الأكدية والآرامية والسريانية والعبرية كلها لغات عربية قديمة، وجاء المستشرقون الغربيون بقراءتهم المحرّفة بتعمد للتاريخ، لكي يخلقوا الوهم ويعززوا فكرة أن التوراة والكتب السماوية جاءت على ذكر فلسطين الحالية، تمهيدا لاحتلال الأرض وتشريد الشعب.
ويستشهد الباحث بالإمام أبي الفداء ابن كثير في كتابه «المختصر في أخبار البشر»، للتفريق بين أمة اليهود وبني إسرائيل، حيث اليهود أمة تشمل مختلف الأجناس والأعراق والأمم، لأن كثيرا من أجناس العرب والروم والفرس كانوا يهودا ولم يكونوا من بني إسرائيل، لكن بني إسرائيل هم أصل اليهودية، وهي قبيلة عربية من أصل عربي قُحّ من اليمن، والانتماء إلى دينهم لا يعني انتسابا للقبيلة، مثلما حدث مع الإسلام، حين خرج الدين الإسلامي والنبي محمد من قبيلة قريش، لكنه أصبح دينا عالميا تعتنقه مختلف الأعراق والأمم، كما اعتُنقت اليهودية من قبله، ولقد ميّز القرآن بدقة بين بني إسرائيل وبين اليهود، لذلك فإن يهود الغرب ليس لهم حق تاريخي في فلسطين بتاتا.
العبرية لهجة عربية قديمة من جنوب اليمن يتكلم بها حتى غير اليهود، وأصل اليهودية نسبة إلى يهوذا أحد الأسباط، وأُبدلت الذال إلى دال، كما يوجد مثل ذلك في كلام العرب.
وفِي التوراة لا يوجد ذكر القيامة، ولا الدار الآخرة، ولا البعث، ولا الجنة والنار، وكل جزاء هو معجل في الدنيا، فيجزون على الطاعة بالنصر وسعة الرزق، وعلى المعصية والكفر بالموت والحميات والجرب.
ثم يأتي الباحث على ذكر الترانيم الدينية باللهجة العبرية القديمة ما قبل الإسلام ويعتبرها ضمن الشعر الجاهلي الضائع، تأكيدا لنظرية طه حسين في الشعر الجاهلي.
ومن أهم المراثي «مرثية صور» للنبي حزقيل. وصور منطقة حاليا تتبع سلطنة عمان وصل إليها الرحالة الإدريسي من المُكلا، وكانت ضمن أراضي اليمن القديم. وحزقيل النبي العربي الذي أرسله الله إلى يهود بني قريظة كما يقول الطبري، جاء في عصر مقارب من عصر يوشع بن نون (1200 - 900 قبل الميلاد)، وورد في مرثيته أسماء عدد كبير من القبائل العربية التي لا وجود لها في تاريخ فلسطين القديم أو الحديث، من بينها المضريون والجمديون وقيدار وبنوددن.
يقول الباحث إن ما يعيب التاريخ الرسمي للمنطقة كما كتبه المستشرقون الغربيون وعلماء الآثار، أنه كتب من وجهة نظر التيار التوراتي في علم الآثار، وقد قام المؤرخون العرب على خطى من قبلهم بسرد الأحداث بالاستعانة بالنص التوراتي، من دون تمحيص أو تدقيق في النصوص الأصلية، وهذه هي نقطة الضعف المركزية في التاريخ السائد، لأن التوراة لا تتحدث عن تاريخ دمشق القديم ولا عن صور لبنان ولا عن فلسطين، بل عن أسماء مواضع وقبائل وشعوب عاشت في اليمن القديم، ومن أهم الأسماء التي وردت في التوراة، بسان، وسن، ومصريم، والليث وصيد، وإرم، ودمسق، وسبأ.
يجتهد الباحث الربيعي في ترجمة المراثي الضائعة والمنسية من أجل أن يبعث الروح فيها ليجعلها تنطق بالحياة والحقيقة، لنقول: حتما الشهداء لا يموتون، بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، ولا المراثي تضيع.

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي