أماكن / كتب المكان والزمان

جمال الغيطاني





| جمال الغيطاني |
ما يعنيني ليس ذلك الوادي المنزوي... البعيد جدا بمقاييس الزمن القديم عن النهر والأماكن المطروقة، الذي لم يعد في عصرنا مجهولا، ما يعنيني تلك الجهود التي أدت الى اكتشافه واختياره كمرقد أبدي لملوك الدولة الوسطى والدولة المدنية، ما يعنيني الدوافع الدينية والفطرية والدلالية وطبعا الأمنية.
لابد أن جهدا شاقا بذل حتى تم الوصول الى هذا الموقع... الذي شكلته الطبيعة تشكيلا عبر عن الرؤية الفكرية والدينية للمصريين القدماء، عند الوصول الى الوادي، والوقوف بمدخله، سنلحظ التكوين الفريد الذي صنعته الطبيعة، في المواجهة عند أعلى نقطة من المرتفع الصخري قمة هرمية، هرم من نحت الطبيعة، هرم ليس حاد الجوانب والأضلاع، بشكل ما يوحي بنهد الأنثى مكتمل التكوين.
يذكرنا هذا المرتفع الهرمي الشكل بأهرام الجيزة... «الأهرام» التي لم تكن مجرد عمارة انما فلسفة أيضا، فالمبنى صاعد من الأرض الى السماء، وجدوه الأكثف نحتا، ومع الصعود الى أعلى يختفي شيئا فشيئا حتى ينتهي الى نقطة، مجرد نقطة يبدأ عندها كل شيء، كما ينتهي كل شيء أيضا.
عندما انتقلت العاصمة الى الجنوب... الى طيبة «الأقصر الآن»، ظل الشكل الهرمي موجودا، ولكن ليس في شكل عمائر عظيمة مثل أهرام الجيزة التي تتفاوت ارتفاعاتها، وبداخلها غرف الأبدية، لقد أصبحت الأهرام رموزا، سواء كانت في قمة مسلة، أو هدفا صغيرا فوق مقبرة، كما نرى في مقابر الفنانين والعمال بدير المدينة، لم يكن الهرم مجرد شكل معماري، انما كان له مغزى ديني ومضمون روحي، ربما يرتبط بفكرة الصعود الى أعلى، أو الصلة بين الأرض والسماء.
أكاد أتخيل الانطباعات الأولى لدى أولئك الكهنة المجهولين لنا... عند اكتشافهم مكان الوادي والذي تتحققت فيه جميع الشروط التي تضمن رقادا هادئا آمنا لأعظم ملوك مصر في حيواتهم الأبدية، لم يكن مبهجا لهم وجود هذا الهرم الطبيعي المهيمن على الوادي، والذي يذكر ويستوحي أهرام الأجداد في الدولة القديمة، انما تكوين الوادي نفسه، ثمة شبه بين الجسد الانساني وانفراجة شطرية، فكأنه أنثى ضخمة الحجم ترقد متأهبة للولادة.
ولأن الموت في الفكر المصري القديم كان لا يعني النهاية، بل انه عبور من عالم الى عالم آخر، من عالم تدركه حواسنا الى عالم نتخيله، رموزه مستمدة من تلك التي نعرفها، يطالعها الانسان في حياته اليومية: القارب، النهر، الأشجار، النيران، المخاطر، المحكمة التي تزن القلب ليحكم قاضيها الأعلى بالذنب أو البراءة المؤهلة لدخول الأبدية التي تخلو من الأمراض والمخاطر والجوع، الأبدية الفواحة بأزهارها وأشجارها، الحقول التي لا يفنى الزرع منها أبدا، كانوا يسمونها حقول يارو، الأبدية التي تخلو أرضها من الأعداء، عالم بلا أعداء، هكذا وصفوا الآخرة على جدران الدير البحري... انها الجنة ذاتها، الموتى نراهم على الجدران أحياء يعملون ويلهون ويحاربون ويرقصون.
الموت ولادة أخرى، اذا كانت الولادة الأولى تجيء عبر رحم الأم، منه يخرج المولود الى العالم، يسعى في الدنيا الى لحظة محددة عندما يغمض عينيه الى الأبد، عندئذ يتم تجهيز الجثمان لحفظه، ويتم دفعه الى رحم أكبر، رحم يسع الجميع، انه رحم الأرض، لذلك كانت الهيئة الأنثوية للوادي مطابقة تماما للفكرة.
ولذلك جاء تصميم المقابر على هيئة ممر طويل، مستقيم أو متعرج، يشبه المهبل، يؤدي في النهاية الى حجرة الدفن التي تكون بيضاوية، أقرب الى شكل الرحم، في وسطها تماما التابوت الذي يحوي الجثمان والذي يمكن اعتباره رمزا مصغرا للكون كافة، على الغطاء من الداخل صور النجوم، ورمز السماء، الآلهة نوت، امرأة ترفع بيديها النجوم والشمس والقمر، على سقف المقبرة توجد الآلهة نوت أيضا، تمتد من أقصى السقف الى أدناه، جسدها مرصع بالنجوم، ومنها تولد الشمس، والقمر أيضا، أجمل رسم رأيته لها، في سقف غرفة الدفن بمقبرة رمسيس السادس والتي توجد فوق جدرانها مشاهد ونصوص مقدسة تشكل كتبا كاملة تخص العالم الآخر.
أما الرسم الثاني... فيوجد في سقف بهو الأعمدة بمعبد دندرة الذي وصل الى عصرنا سليما بدرجة كبيرة.
أنسنة العالم، وعولمة الانسان، مبدأ أساسي في الفكر المصري القديم، ليس الانسان الا ذرة تتجسد فيها جميع خصائص الكون الفسيح، وليس العالم الا تركيبة من العناصر نفسها التي تكوّ.ن الانسان، لهذا جاء تصور المصريين القدماء للآلهة صورا رمزية لما يوجد في العالم، كان المصري القديم يؤمن بوحدانية الاله من خلال ايمانه بوجود مركز طاقة خفية تحرك الكون، وتسير الأمر كله،
أما تعدد الآلهة الذي فهمناه خطأ فليس الا رموزا الى الحقيقة الأصلية الواحدة، وهذه الرموز مستخلصة ومستمدة من الواقع، لذلك لم يعبد المصريون الحيوانات كما فهم المتأخرون خطأ.
في مقابر الوادي المخصصة للملوك نرى فنا مختلفا عما رأيناه في مقابر الفنانين بدير المدينة، هنا فن ديني في المقام الأول، يعبر عن العقائد، واذا كان الفن في مقابر دير المدينة يمكن أن نعده وسطا بين الرؤية الدينية، وتصوير مظاهر الحياة، فان الفن في مقابر الوادي ديني بحت، الملك يعبر المراحل المتوالية، اله يسلمه الى آخر، يجتاز العقبات بما زود به من متون وتعاليم، الى أن يمثل أمام المحكمة الالهية... حيث يوزن القلب في كفة، وفي الكفة الأخرى ريشة ماعت، ريشة الحقيقة، فاذا ثقلت موازينه فان الوحوش الضارية تلتهم القلب على الفور، واذا خفت يعبر للمثول أمام أوزير، الذي نراه دائما ملفوفا في الكفن الأبيض، يرتدي تاج الوجهين ويمسك بالصولجان والعصا، رموز الحكم، المثول أمام الاله أوزير يعد الخطوة الأخيرة، بعدها نرى الملك أو الملكة ممسكا بعلامة عنخ، أي مفتاح الحياة، لقد اندمج بأوزير وضمن الخلود، والحياة الأبدية.
الجدران داخل المقابر... تعد نصوصا لكتب من الحجر، اذ دون عليها نصوص كاملة، ومنذ فك أسرار اللغة القديمة على يدي شامبليون، بدأت أسرار العقائد تتكشف، وتعد جهود العالم السويسري أريك هورننج الأبرز حتى الآن في اتجاه فهم العقائد المصرية القديمة، وقد حدد هورننج النصوص الموجودة على جدران مقابر الوادي كما يلي:
كتاب الامدادات، ويعني ما يوجد في العالم الآخر، الهدف منه تعريف الميت بعجائب العالم الآخر، يتكون من اثني عشر جزءا، كل جزء منها مقسم الى ثلاثة سجلات، كل سجل تسيطر عليه فكرة مركزية، كل ساعة من هذه الساعات تقابل ساعة من الليل، انه أقدم نص نقش في الوادي، وقد ترجم الى اللغة العربية مباشرة من الخط الهيلوغريفي - ترجمه العالم المصري محسن لطفي السيد - الذي ترجم أيضا نصوص «الخروج الى النهار».
كتاب الكهوف، يتصل أيضا بما يوجد في العالم الآخر، وينقسم الى ستة أجزاء، كل منها يعد مناظر تتعلق بجوانب محددة للأبدية مسجلة في كهوف أو حفر يمر فوقها اله الشمس، وأطول النصوص تتضمن ابتهالات لأوزير.
كتاب «الخروج الى النهار»، وقد اشتهر خطأ باسم «كتاب الموتى» وتلك تسمية خاطئة أطلقها عليه علماء المصريات الانكليز، انها مضادة لروح النص ومضمونه، فلا وجود للموت في التصور المصري للأبدية، انما يوجد انتقال من مرحلة نعرفها ونعيشها الى أخرى نجهلها... ولكن وضع المصريون تصورا لمراحل الانتقال، للمحاكمة، للميزان، للثواب والعقاب، الهدف الأساسي من النصوص هو الحفاظ على الميت من الأخطار في العالم الآخر، وصونه سليما الى المرحلة التي يبّرأ فيها من الذنوب، عندئذ يتحد بالأوزير، بالضوء الأبدي، باللانهائي.
ثمة نصوص أخرى مثل كتاب «النهار»، الذي يصور الدورة الشمسية، وكتاب «الأرض»، الذي يتناول رحلة الشمس في الليل، وكتاب «البوابات»، والمقصود تلك الحدود التي تفصل بين ساعات الليل الاثنتي عشرة، ويحوي تعريفا مكثفا لما يوجد في الأبدية، مثل الزمن... العدالة... التكوين الجغرافي للعالم الآخر، أما كتاب «الليل» فمحوره رحلة الشمس في العالم الآخر، كذلك كتاب «السماوات».
في مقبرة سيتي الأول... التي تعتبر كتابا ضخما يوضح أدق تفاصيل الثواب والعقاب، والتي انتقلت رموزها الى الديانات الثلاث، كثير من التفاصيل التي عرفتها منذ طفولتي عن الجنة والنار طبقا للتصور الاسلامي رأيتها مرسومة في مقبرة سيتي الأول، ومنها عبور الصراط، وسلخ جلود المذنبين، غير أن ما لفت نظري مقصورة البقرة السماوية، لها اللون الأصفر نفسه الذي ذكرت به في القرآن الكريم «بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين».
ما يعنيني ليس ذلك الوادي المنزوي... البعيد جدا بمقاييس الزمن القديم عن النهر والأماكن المطروقة، الذي لم يعد في عصرنا مجهولا، ما يعنيني تلك الجهود التي أدت الى اكتشافه واختياره كمرقد أبدي لملوك الدولة الوسطى والدولة المدنية، ما يعنيني الدوافع الدينية والفطرية والدلالية وطبعا الأمنية.
لابد أن جهدا شاقا بذل حتى تم الوصول الى هذا الموقع... الذي شكلته الطبيعة تشكيلا عبر عن الرؤية الفكرية والدينية للمصريين القدماء، عند الوصول الى الوادي، والوقوف بمدخله، سنلحظ التكوين الفريد الذي صنعته الطبيعة، في المواجهة عند أعلى نقطة من المرتفع الصخري قمة هرمية، هرم من نحت الطبيعة، هرم ليس حاد الجوانب والأضلاع، بشكل ما يوحي بنهد الأنثى مكتمل التكوين.
يذكرنا هذا المرتفع الهرمي الشكل بأهرام الجيزة... «الأهرام» التي لم تكن مجرد عمارة انما فلسفة أيضا، فالمبنى صاعد من الأرض الى السماء، وجدوه الأكثف نحتا، ومع الصعود الى أعلى يختفي شيئا فشيئا حتى ينتهي الى نقطة، مجرد نقطة يبدأ عندها كل شيء، كما ينتهي كل شيء أيضا.
عندما انتقلت العاصمة الى الجنوب... الى طيبة «الأقصر الآن»، ظل الشكل الهرمي موجودا، ولكن ليس في شكل عمائر عظيمة مثل أهرام الجيزة التي تتفاوت ارتفاعاتها، وبداخلها غرف الأبدية، لقد أصبحت الأهرام رموزا، سواء كانت في قمة مسلة، أو هدفا صغيرا فوق مقبرة، كما نرى في مقابر الفنانين والعمال بدير المدينة، لم يكن الهرم مجرد شكل معماري، انما كان له مغزى ديني ومضمون روحي، ربما يرتبط بفكرة الصعود الى أعلى، أو الصلة بين الأرض والسماء.
أكاد أتخيل الانطباعات الأولى لدى أولئك الكهنة المجهولين لنا... عند اكتشافهم مكان الوادي والذي تتحققت فيه جميع الشروط التي تضمن رقادا هادئا آمنا لأعظم ملوك مصر في حيواتهم الأبدية، لم يكن مبهجا لهم وجود هذا الهرم الطبيعي المهيمن على الوادي، والذي يذكر ويستوحي أهرام الأجداد في الدولة القديمة، انما تكوين الوادي نفسه، ثمة شبه بين الجسد الانساني وانفراجة شطرية، فكأنه أنثى ضخمة الحجم ترقد متأهبة للولادة.
ولأن الموت في الفكر المصري القديم كان لا يعني النهاية، بل انه عبور من عالم الى عالم آخر، من عالم تدركه حواسنا الى عالم نتخيله، رموزه مستمدة من تلك التي نعرفها، يطالعها الانسان في حياته اليومية: القارب، النهر، الأشجار، النيران، المخاطر، المحكمة التي تزن القلب ليحكم قاضيها الأعلى بالذنب أو البراءة المؤهلة لدخول الأبدية التي تخلو من الأمراض والمخاطر والجوع، الأبدية الفواحة بأزهارها وأشجارها، الحقول التي لا يفنى الزرع منها أبدا، كانوا يسمونها حقول يارو، الأبدية التي تخلو أرضها من الأعداء، عالم بلا أعداء، هكذا وصفوا الآخرة على جدران الدير البحري... انها الجنة ذاتها، الموتى نراهم على الجدران أحياء يعملون ويلهون ويحاربون ويرقصون.
الموت ولادة أخرى، اذا كانت الولادة الأولى تجيء عبر رحم الأم، منه يخرج المولود الى العالم، يسعى في الدنيا الى لحظة محددة عندما يغمض عينيه الى الأبد، عندئذ يتم تجهيز الجثمان لحفظه، ويتم دفعه الى رحم أكبر، رحم يسع الجميع، انه رحم الأرض، لذلك كانت الهيئة الأنثوية للوادي مطابقة تماما للفكرة.
ولذلك جاء تصميم المقابر على هيئة ممر طويل، مستقيم أو متعرج، يشبه المهبل، يؤدي في النهاية الى حجرة الدفن التي تكون بيضاوية، أقرب الى شكل الرحم، في وسطها تماما التابوت الذي يحوي الجثمان والذي يمكن اعتباره رمزا مصغرا للكون كافة، على الغطاء من الداخل صور النجوم، ورمز السماء، الآلهة نوت، امرأة ترفع بيديها النجوم والشمس والقمر، على سقف المقبرة توجد الآلهة نوت أيضا، تمتد من أقصى السقف الى أدناه، جسدها مرصع بالنجوم، ومنها تولد الشمس، والقمر أيضا، أجمل رسم رأيته لها، في سقف غرفة الدفن بمقبرة رمسيس السادس والتي توجد فوق جدرانها مشاهد ونصوص مقدسة تشكل كتبا كاملة تخص العالم الآخر.
أما الرسم الثاني... فيوجد في سقف بهو الأعمدة بمعبد دندرة الذي وصل الى عصرنا سليما بدرجة كبيرة.
أنسنة العالم، وعولمة الانسان، مبدأ أساسي في الفكر المصري القديم، ليس الانسان الا ذرة تتجسد فيها جميع خصائص الكون الفسيح، وليس العالم الا تركيبة من العناصر نفسها التي تكوّ.ن الانسان، لهذا جاء تصور المصريين القدماء للآلهة صورا رمزية لما يوجد في العالم، كان المصري القديم يؤمن بوحدانية الاله من خلال ايمانه بوجود مركز طاقة خفية تحرك الكون، وتسير الأمر كله،
أما تعدد الآلهة الذي فهمناه خطأ فليس الا رموزا الى الحقيقة الأصلية الواحدة، وهذه الرموز مستخلصة ومستمدة من الواقع، لذلك لم يعبد المصريون الحيوانات كما فهم المتأخرون خطأ.
في مقابر الوادي المخصصة للملوك نرى فنا مختلفا عما رأيناه في مقابر الفنانين بدير المدينة، هنا فن ديني في المقام الأول، يعبر عن العقائد، واذا كان الفن في مقابر دير المدينة يمكن أن نعده وسطا بين الرؤية الدينية، وتصوير مظاهر الحياة، فان الفن في مقابر الوادي ديني بحت، الملك يعبر المراحل المتوالية، اله يسلمه الى آخر، يجتاز العقبات بما زود به من متون وتعاليم، الى أن يمثل أمام المحكمة الالهية... حيث يوزن القلب في كفة، وفي الكفة الأخرى ريشة ماعت، ريشة الحقيقة، فاذا ثقلت موازينه فان الوحوش الضارية تلتهم القلب على الفور، واذا خفت يعبر للمثول أمام أوزير، الذي نراه دائما ملفوفا في الكفن الأبيض، يرتدي تاج الوجهين ويمسك بالصولجان والعصا، رموز الحكم، المثول أمام الاله أوزير يعد الخطوة الأخيرة، بعدها نرى الملك أو الملكة ممسكا بعلامة عنخ، أي مفتاح الحياة، لقد اندمج بأوزير وضمن الخلود، والحياة الأبدية.
الجدران داخل المقابر... تعد نصوصا لكتب من الحجر، اذ دون عليها نصوص كاملة، ومنذ فك أسرار اللغة القديمة على يدي شامبليون، بدأت أسرار العقائد تتكشف، وتعد جهود العالم السويسري أريك هورننج الأبرز حتى الآن في اتجاه فهم العقائد المصرية القديمة، وقد حدد هورننج النصوص الموجودة على جدران مقابر الوادي كما يلي:
كتاب الامدادات، ويعني ما يوجد في العالم الآخر، الهدف منه تعريف الميت بعجائب العالم الآخر، يتكون من اثني عشر جزءا، كل جزء منها مقسم الى ثلاثة سجلات، كل سجل تسيطر عليه فكرة مركزية، كل ساعة من هذه الساعات تقابل ساعة من الليل، انه أقدم نص نقش في الوادي، وقد ترجم الى اللغة العربية مباشرة من الخط الهيلوغريفي - ترجمه العالم المصري محسن لطفي السيد - الذي ترجم أيضا نصوص «الخروج الى النهار».
كتاب الكهوف، يتصل أيضا بما يوجد في العالم الآخر، وينقسم الى ستة أجزاء، كل منها يعد مناظر تتعلق بجوانب محددة للأبدية مسجلة في كهوف أو حفر يمر فوقها اله الشمس، وأطول النصوص تتضمن ابتهالات لأوزير.
كتاب «الخروج الى النهار»، وقد اشتهر خطأ باسم «كتاب الموتى» وتلك تسمية خاطئة أطلقها عليه علماء المصريات الانكليز، انها مضادة لروح النص ومضمونه، فلا وجود للموت في التصور المصري للأبدية، انما يوجد انتقال من مرحلة نعرفها ونعيشها الى أخرى نجهلها... ولكن وضع المصريون تصورا لمراحل الانتقال، للمحاكمة، للميزان، للثواب والعقاب، الهدف الأساسي من النصوص هو الحفاظ على الميت من الأخطار في العالم الآخر، وصونه سليما الى المرحلة التي يبّرأ فيها من الذنوب، عندئذ يتحد بالأوزير، بالضوء الأبدي، باللانهائي.
ثمة نصوص أخرى مثل كتاب «النهار»، الذي يصور الدورة الشمسية، وكتاب «الأرض»، الذي يتناول رحلة الشمس في الليل، وكتاب «البوابات»، والمقصود تلك الحدود التي تفصل بين ساعات الليل الاثنتي عشرة، ويحوي تعريفا مكثفا لما يوجد في الأبدية، مثل الزمن... العدالة... التكوين الجغرافي للعالم الآخر، أما كتاب «الليل» فمحوره رحلة الشمس في العالم الآخر، كذلك كتاب «السماوات».
في مقبرة سيتي الأول... التي تعتبر كتابا ضخما يوضح أدق تفاصيل الثواب والعقاب، والتي انتقلت رموزها الى الديانات الثلاث، كثير من التفاصيل التي عرفتها منذ طفولتي عن الجنة والنار طبقا للتصور الاسلامي رأيتها مرسومة في مقبرة سيتي الأول، ومنها عبور الصراط، وسلخ جلود المذنبين، غير أن ما لفت نظري مقصورة البقرة السماوية، لها اللون الأصفر نفسه الذي ذكرت به في القرآن الكريم «بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين».