ماذا لو...؟

حياتك بين زمنين

No Image
تصغير
تكبير

تأمل حياتك، استشعر وقتك فيها، ستكتشف كم هو الفارق كبيراً بين إحساسك النفسي بالزمن، وبين الزمن الفيزيائي المرتبط بالمكان والمحسوب بالدقائق والساعات.
اترك الزمن الفيزيائي لكل ما هو خارجك، وعش إحساسك وشعورك بالحياة بساعتك الداخلية بزمنك النفسي، إنها لقاعدة أساسية من قواعد السعادة وجودة الحياة.
أكاد أجزم أنه لا يوجد نشاط فكري إنساني إلا وكان التفكير في الزمن وحسابه أمرا يجب التوقف عنده، وقد أكدت التجارب العلمية رؤيتين للزمن: الزمن الذي لا يتغير ولا يـتأثر بمحيطه، فهو مستقل عن الأشياء والأماكن ويجري بنفس الطريقة بالنسبة لأي شخص، حيث يتقاسم الجميع نفس الماضي والحاضر والمستقبل، فالزمن والمكان متميزان ومنفصلان عن بعضهما على نحو صارم وقطعي.
والزمن النسبي الذي يمكن أن يتباطأ ويتسارع حسب حركة الفرد أو ثقله أو حسب تأثير الجاذبية وبالتالي فهو لم يعد ثابتاً بل متغيراً، ولم يعد مستقلاً عن المكان، فماضي واحد من الناس قد يكون مستقبلاً لآخر، والدليل على ذلك أننا نتلقى الضوء الآتي من نجوم بعيدة يصل إلينا بعد أن يكون قد استغرق وقتاً طويلاً، ولو كان ينقل لنا صوراً عن حياة داخل تلك النجوم فإنه سينقل لنا ماضيها البعيد وسنرى صوراً لحياة اندثرت منذ مليارات السنين.
إذن ليست الساعة المعلقة على الجدار هي من تقيس لك دائماً الوقت الذي تستشعره، وتحدد لك عمرك أو الزمن الذي ستعيشه على هذه الأرض، وأيهما حقيقي أكثر؟ وبأي منهما نقيس أعمارنا؟
يعتبر الفيلسوف هنري برجسون الزمن النفسي هو الزمن الحقيقي، وهو الزمن الذي تستشعره النفس البشرية حينما تسبح بخيالها لتشاهد إحساساتها وذكرياتها ولذاتها وآلامها ورغباتها، إنه الزمن الذي يعاينه كل إنسان شعورياً، ويختلف تقديره من شخص إلى آخر حسب حالته النفسية، وهو زمن تتجدد لحظاته مدى الحياة، ولا صلة له بالمكان، لأنه يعبر عن الحياة الشعورية، هذا الزمن النفسي يستمد معاييره من حالات نفسية فردية أو جماعية مفعمة بالفرح والسرور أو بالهم والحزن، وكلها حالات لا يقارن فيها الزمن العادي بالزمن الوجداني، قد يقصر هذا الزمن ويتقلص حتى كأنه برهة كما في لحظات الأنس والسرور، وقد يطول حتى كأنه دهر كما في لحظات الخوف والانتظار، نشاطنا العقلي والنفسي هو الذي يتحكم في شعورنا بهذا الزمن.
حياتنا تراوح بين زمانين: زمن واقعي فيزيائي محسوب بالدقائق والأيام، وآخر افتراضي شعوري لا يعترف بحركة بندول الساعة ولا تعاقب الليل والنهار، ولا يشبه أحدهما الآخر ولا يتطابق معه، ولكل منهما وقعه وتأثيره علينا.
لديك ساعتان لتقيس بهما عمرك الحقيقي، واحدة خارجك لا تعترف بك ولا بمشاعرك ولا بتجاربك وعمق إحساسك بالحياة، وأخرى داخلك، بندولها قلبك، وحركتها مشاعرك، ومحركها الحقيقي تجاربك العميقة وإحساسك الفعلي بمحيطك وبالآخرين، فبأي الساعتين ستقيس عمرك، بساعة الجدار أم بساعة الحياة؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي