لبنان ساحة لـ «قنابل موقوتة» مربوطة بـ «صواعق» إقليمية



| بيروت - «الراي» |
... في رسم كاريكاتيري معبر للفنان بيار صادق تصدر الصفحة الاخيرة من الزميلة «النهار» امس، ظهر النائب وليد جنبلاط الذي اعلن قبل ايام توجسه من «دخولنا البازار السوري - الاميركي من بوابة مؤتمر انابوليس» متأبطاً «الملف الاحمر» ليقول «شو؟ رح نرجع نسمع دمشق عم تقول انا بوليس لبنان !!!».
لا يعكس هذا الرسم هواجس جنبلاط الذي اطفأ محركاته اخيراً، بل يعبر عن الخشية المتزايدة في لبنان المصاب بـ «الفراغ الرئاسي» مما هو ادهى مع القنابل الامنية الموقوتة في اكثر من مكان و«المربوطة» بصواعق التجاذبين الاقليمي والدولي على «رقعة الشطرنغ» اللبنانية.
فلم يكن الحادث الامني الذي وقع في مدينة طرابلس اخيراً بين حركة «التوحيد الاسلامي» و«افواج طرابلس» وادى الى مصرع شخصين وجرح اخرين، الا ضمن «روزنامة» من الاحداث التي كانت متوقعة، وفق العلامات الامنية المتردية التي تحكم الساحة اللبنانية، بفعل التدخلات الاقليمية المتزايدة. فلبنان يمثل اليوم ساحة تجاذب قوي بين الحركة الاميركية تجاه سورية في محاولة غربية متنامية لجذبها من دائرة النفوذ الايراني، واعادة احتضانها عربياً، وبين السعي الايراني الحثيث الى ابقاء النظام السوري طيعاً ومتناغماً مع توجهات القيادة في طهران.
من هنا كان رصد القيادات المحلية ما جرى اخيراً من تظاهرة ايرانية امام السفارة الاردنية في طهران، والهتاف ضد الاردن وضد سورية، كون الاردن «مسؤولاً» عن الانعطافة السورية الاخيرة، بذهاب وفد سوري الى مؤتمر انابوليس خلافاً للرغبة الايرانية. وهذا الرصد نابع من تخوف هذه القيادات ان يسمح النزاع السوري - الايراني لـ «حزب الله» بحركة مغايرة للمسار السوري الامر الذي من شأنه ان يخربط اللعبة الداخلية، مبدية خشيتها ان يتحول لبنان، كالعادة المختبر الحقيقي للنوايا الايرانية والسورية، وخصوصاً ان العادة جرت ان تكون التجربة العملانية، امنية.
من هنا، باتت بعض قوى الاكثرية، وفي مقدمها جنبلاط، تتعاطى بـ «روية» مع المجريات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، مراهنة، على ان التمايز المستجد بين سورية وايران قد يرخي بثقله على الساحة اللبنانية لابعاد شبح التفجير الامني عنها لا سيما الاغتيالات. لكن الاكثرية كما الجهات الامنية تعرف ايضاً ان تداخل العناصر الامنية مع العوامل الاقليمية الايرانية والسورية لا يمكن الا ان تنتج تطوراً امنياً ما، اذا احتدم التمايز السوري الايراني.
من هنا محاولة جنبلاط، التعامل بهدوء مطلق وبتمايز كلي عن الاكثرية، اولاً بالموافقة على ترشيح الوزير ميشال اده وثانياً بالموافقة غير المشروطة على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، رغبة منه في تفادي الكأس الامنية المرة. ومن هنا ايضاً بقاء نواب الاكثرية في امكنتهم المحصنة خشية أي عمل امني في الوقت الضائع حالياً.
ولعل ذهاب الاكثرية بقوة، في اتجاه ترشيح سليمان، والذي لا يزال محكوماً بمدى التجاوب الاميركي والسوري، كان احد ابرز الاشارات الى مدى تخوف الاكثرية من التدهور الامني، عشية استحقاقات اقليمية. وفي اعتقادها ان مجيئه برضى سوري، سيعكس اصراراً على تحييد لبنان في هذه الفترة عن أي عوامل اقليمية متفجرة. لكن كما ان سورية لم تعط موقفها بعد تجاه ترشيح سليمان، فان ايران ايضاً لم تدل بدلوها في هذا الشأن. من هنا يكمن خطر التجاذب الايراني - السوري على الملف اللبناني.
ولهذا السبب تتعاطى الدوائر الامنية بجدية مطلقة مع ما حصل في طرابلس منذ يومين، كواحدة من الاشارات المقلقة. وما السرعة في «لفلفة» الموضوع الا احدى المحاولات التي لم تعرف بعد امكانات نجاحها، لتأجيل أي استحقاق امني الى حين بلورة الوضع الاقليمي.
فطرابلس سبق ان وضعت، مثلها مثل مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة، ومخيم عين الحلوة، كمناطق امنية تحت المعاينة المشددة، نظراً الى العوامل المذهبية والحزبية والاقليمية التي تتحكم بها. واذا كان الرصد الامني يحكم قبضته على المخيمات الفلسطينية، التي تشكل امتداداً لمنطقتي بيروت وصيدا، فان ثمة تخوفاً حقيقياً من تحول المخيمات الى عنصر تفجير لا يستهان به، بعد استفحال الخلاف بين حركة «فتح» والمناهضين لها لا سيما «حماس» على خلفية ما يجري في غزة، وما استجد بعد مؤتمر انابوليس.
اما في الشمال فيعرف اهل البيت الطرابلسي ومنهم الرئيس السابق نجيب ميقاتي والنواب محمد الصفدي وسمير الجسر، واحمد فتفت و«تيار المستقبل»، تفاصيل مذهلة عن واقع المدينة واحيائها التي تتحول من مناطق تتقاطع فيها الخلفيات السلفية مع واقع الفقر المتفشي، ومع سباق المنظمات والتيارات الى التسلح وتوزيع الاموال.
تشكل الحال الطرابلسية اليوم امتداداً حيوياً لمناطق الضنية والمنية وعكار بكل مظاهرها الاصولية والسلفية، ولا تزال تعتبر ملجاءً حيوياً لمناصري مجموعة الضنية، التي حاربها الجيش اللبناني عام 2000. وهي تحتمي في مناطق حيوية من المدينة، تخضع لمراقبة امنية مشددة.
وزادت احداث مخيم «نهر البارد» في تجميع هذه القوى الموالية لتيارات اصولية، والتي تتداخل فيها العوامل السورية والفلسطينية واللبنانية. من دون ان ينفي أي من المتعاطين بالشأن الامني امكان وجود «عناصر عربية» في المنطقة، تعمل تحت ستار جهادي.
حافظ السوريون بعد خروجهم العلني من لبنان على جزر امنية وسياسية تابعة لهم في طرابلس، وهذه الخلايا النائمة سرعان ما عادت تطل الى الواجهة، بقوة، وخصوصاً بعد احداث نهر البارد. وقد تمكنت بعض القوى الموالية لسورية من اعادة تثبيت مواقعها في المدينة، وبدأ رجالها يظهرون علنا بكامل عدتهم الامنية والسياسية. وتعدد القوى الامنية في هذا المجال رموزاً لبنانية وسورية تعمل بحرية في عدد من احياء طرابلس.
وتتداخل في طرابلس ايضاً الحركات العلوية لا سيما منها التابعة للنائب السابق علي عيد الموالي لسورية، مع اطلالة لم يعرف بعد حجمها لمناصري عم الرئيس السوري رفعت الاسد، وهؤلاء يتحركون على الارض في المناطق العلوية ويشكلون عنصراً لا يستهان به، في أي عملية رصد امنية.
لكن الجديد الامني هو ما كشفته مصادر امنية عن وجود منظم لـ «حزب الله» في طرابلس، فهو يعمل على تجنيد ودعم موالين لسورية في المنطقة. وهذا الوجود «الغريب» مذهبياً عن المنطقة، يطرح علامة استفهام عن اعادة تنظيم القوى الموالية لسورية وجودها على قاعدة دعم الحزب التنظيمي واللوجيستي لها.
في المقابل لم تنجح قوى الاكثرية ولا سيما منها التابعة لتيار «المستقبل»، في اعادة تموضعها والوقوف في شكل جدي وثابت في وجه قوى المعارضة الموالية لسورية. ولعل ثمة ثغرة اساسية يعرفها التيار اكثر من غيره، وتتمثل في مجموعة قوى محلية سبق ان مولها التيار منذ انتخابات عام 2005 النيابية، وحاول استخدامها في وجه المعارضة، ودفع اموالاً لها، الا انها باتت بحركتها الميليشوية تشكل عبئاً سياسياً عليه. وهذا ما حصل بالنسبة الى «افواج طرابلس» التي بادر «المستقبل» الى نفي علاقته بها، رغم ان الطرابلسيين يعرفون ان عناصر «الافواج» يرفعون صور النائب سعد الحريري ويتفيأون مظلة تياره السياسي.
ومشكلة طرابلس اصبحت بعد مخيم نهر البارد، مشكلة حقيقية، لا يستهان بها. اذ تنتشر فيها حواجز الجيش اللبناني وتكثر فيها المداهمات، علماً ان لقوى الامن الداخلي التي تعتبرها المعارضة موالية للاكثرية وجودا منظما فيها، لا سيما في احياء معروفة الاتجاهات السياسية.
لكن هذا الاحكام الامني على المدينة لا يزال مرتبطاً بالمسار العام الذي يتجه اليه لبنان. والجروح المفتوحة امنياً ستبقى على حالها الى حين بلورة قرار الحرب او السلم.
مقتل لبناني بانفجار قذيفة
أدى انفجار قذيفة من مخلفات الاحتلال الاسرائيلي من عيار 155 مللمتراً الى مقتل المواطن حسن حسين جابر (35 عاما)، عندما كان داخل محل لحدادة السيارات بين بلدتي مركبا والعديسة (الجنوب) يعود للمواطن غسان حمود من مركبا.