حل القضية الفلسطينية يحرر الحكومات العربية ويبدد جاذبية «حماس» و«حزب الله»


| «واشنطن بوست»
بقلم برنت سكوكروفت
وزبيغنيو بريجنيسكي * |
عندما يتولى أوباما الحكم رسمياً في غضون نحو شهرين من الآن، فإنه سيجد (أمامه) عدداً من القضايا السياسية الخارجية الصعبة التي ستتنافس على اجتذاب اهتمامه، حيث أن لكل قضية من تلك القضايا مناصرين أقوياء بين مستشاريه. ونحن نؤمن بأن عملية السلام بين اسرائيل والعرب هي واحدة من القضايا التي تتطلب اهتماماً من الدرجة الأولى.
فلم يحدث في اي مكان من العالم ان قوبل انتخاب أوباما بالترحاب أكثر من الترحاب الذي قوبل به في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك فإن الاهتمام الفوري بقضية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني سيسهم في تدعيم المشاعر الايجابية التي خلقها انتخاب أوباما. وصحيح انه ليس جميع من في منطقة الشرق الأوسط ينظرون الى القضية الفلسطينية باعتبارها التحدي الاقليمي الأكبر، لكن ما تخلقه تلك القضية من شعور عميق بالظلم هو شعور مبرر ومنتشر على نطاق واسع.
ومن المؤسف حقاً ان الجهود المكثفة التي بذلتها الادارة الأميركية الحالية (ادارة بوش) لن تؤدي الى ايجاد حل للقضية الفلسطينية قبل حلول تاريخ 20 يناير (موعد انتقال الرئاسة رسمياً من بوش الى أوباما). لكن السماح بانصراف الاهتمام عن تلك القضية سيؤدي الى تعميق مشاعر الظلم والتجاهل في المنطقة. ومن الممكن لمثل ذلك الحال ان يؤدي بدوره الى اطلاق العنان لفورة جديدة من العنف بين الاطراف المتحاربة أو في أماكن مثل لبنان وغزة، ما سيعني انتكاس كل تقدم تم احرازه حتى الآن كما سيعني ارجاع الأطراف كافة الى المربع الأول. وفي خلفية هذا الأمر تكمن امكانية ان يدير الفلسطينيون أو الاسرائيليون - أو كلاهما - ظهورهم للسعي الى حل يقوم على أساس دولتين. وبطبيعة الحال فإن ذلك ستكون له عواقب سيئة على الجميع.
إن التوصل الى حل للقضية الفلسطينية سيكون له انعكاسات ايجابية على المنطقة. فهو سيحرر الحكومات العربية بحيث تصبح قادرة على دعم القيادة الأميركية في تعاملها مع المشاكل الاقليمية (الأخرى)، على غرار ما فعلته تلك الحكومات قبل غزو العراق. وعلاوة على ذلك فإن التوصل الى حل لتلك القضية سيبدد جزءاً كبيراً من الجاذبية التي يتمتع بها حزب الله وحركة حماس وهي الجاذبية التي تعتمد في استمراريتها على أزمة الفلسطينيين. وبشكل عام، فإن التوصل الى حل للقضية الفلسطينية سيؤدي الى احداث تغيير في المناخ النفسي السائد في المنطقة، وسيترتب على ذلك ارجاع ايران الى الوضعية الدفاعية ووضع حد لتبجحها.
ان العناصر الرئيسية لأي اتفاق سلام (اسرائيلي - فلسطيني) هي عناصر معروفة جيداً. وفي أي مبادرة جديدة، هنالك عنصر أساسي يتمثل في ضرورة أن يعلن الرئيس الأميركي على الملأ... ما ينبغي أن تكون هي المعايير الرئيسية لأي اتفاق سلام عادل ودائم. وينبغي ان تشتمل مثل تلك المعايير على أربعة عناصر أساسية ألا وهي أولاً حدود العام 1967 مع بعض التعديلات المحدودة والمتفق عليها من جانب الطرفين، وثانياً صرف تعويضات في مقابل تنازل اللاجئين الفلسطينيين عن حق العودة، ثالثاً اعتبار مدينة القدس موطناً حقيقياً لعاصمتين، ورابعاً تطبيع الدولة الفلسطينية.
وهنالك شيء آخر قد يكون مطلوباً للتعامل مع المخاوف الأمنية الاسرائيلية ازاء تسليم أراض الى حكومة فلسطينية غير قادرة على تأمين اسرائيل ضد الأنشطة الإرهابية. والواقع ان من الممكن التعامل مع ذلك الأمر عن طريق نشر قوة حفظ سلام دولية. كأن تكون قوة من حلف الناتو مثلاً - وهي القوة التي لن يكون من الممكن لها فقط أن تحل محل الأمن الاسرائيلي بل من الممكن لها ايضاً ان تتولى تدريب قوات فلسطينية كي تصبح كفؤة وفعالة.
وحتى وقتنا هذا، فإن ضعف الأطراف المتفاوضة تسبب في تقليص قدرتها على التوصل إلى اتفاق بأنفسها. ومن المؤكد ان الانتخابات المقررة في اسرائيل في فبراير المقبل ستكون عاملاً تعقيدياً تماماً مثلما هو الانقسام العميق القائم حالياً بين حركتي فتح وحماس. لكن اذا بدأت عملية السلام في كسب قوة دفع إلى الأمام، فإنه من الصعب ان نتصور ان حركة حماس سترغب في ان تصبح خارج اللعبة. وعلاوة على ذلك، فإن قوة الدفع تلك ذاتها ستقدم إلى الشعب الإسرائيلي فرصة فريدة كي يسجل آراءه حول مستقبل دولته.
ومن الممكن التغلب على مسألة ضعف الأطراف المتفاوضة من خلال قيام الرئيس (الأميركي) بالتحدث بوضوح وبحزم عن المبادئ الأساسية الخاصة بعملية السلام.
ان مثل هذه المبادرة من جانب الرئيس الأميركي ستسهم حتماً في بلورة دعم فوري على الصعيدين الداخلي والدولي، كما انها ستوفر تشجيعاً هائلاً للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وصحيح اننا نكون مستهزئين بالتاريخ اذا قلنا ان تحقيق حل ناجع لمثل هذه القضية الحرجة هو امر بسيط، لكن من جهات كثيرة يبدو الوضع الراهن على نحو يشير إلى ان فرصة النجاح لم تكن اكبر كما ان ثمن الفشل لم يكن افدح في أي وقت سابق.
> برينت سكوكروفت كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد وجورج بوش الأب. ويشغل سكوكروفت حالياً منصب رئيس «منتدى السياسة الدولية» ورئيس «مجموعة سكوكروفت».
* زبيغنيو بريجنيسكي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. وهو يشغل حالياً منصب عضو مجلس أمناء ومستشار لدى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية». > سكوكروفت وبريجنيسكي هما مؤلفا كتاب يحمل عنوان: «أميركا والعالم: حوارات حول مستقبل السياسة الخارجية الأميركية».
بقلم برنت سكوكروفت
وزبيغنيو بريجنيسكي * |
عندما يتولى أوباما الحكم رسمياً في غضون نحو شهرين من الآن، فإنه سيجد (أمامه) عدداً من القضايا السياسية الخارجية الصعبة التي ستتنافس على اجتذاب اهتمامه، حيث أن لكل قضية من تلك القضايا مناصرين أقوياء بين مستشاريه. ونحن نؤمن بأن عملية السلام بين اسرائيل والعرب هي واحدة من القضايا التي تتطلب اهتماماً من الدرجة الأولى.
فلم يحدث في اي مكان من العالم ان قوبل انتخاب أوباما بالترحاب أكثر من الترحاب الذي قوبل به في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك فإن الاهتمام الفوري بقضية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني سيسهم في تدعيم المشاعر الايجابية التي خلقها انتخاب أوباما. وصحيح انه ليس جميع من في منطقة الشرق الأوسط ينظرون الى القضية الفلسطينية باعتبارها التحدي الاقليمي الأكبر، لكن ما تخلقه تلك القضية من شعور عميق بالظلم هو شعور مبرر ومنتشر على نطاق واسع.
ومن المؤسف حقاً ان الجهود المكثفة التي بذلتها الادارة الأميركية الحالية (ادارة بوش) لن تؤدي الى ايجاد حل للقضية الفلسطينية قبل حلول تاريخ 20 يناير (موعد انتقال الرئاسة رسمياً من بوش الى أوباما). لكن السماح بانصراف الاهتمام عن تلك القضية سيؤدي الى تعميق مشاعر الظلم والتجاهل في المنطقة. ومن الممكن لمثل ذلك الحال ان يؤدي بدوره الى اطلاق العنان لفورة جديدة من العنف بين الاطراف المتحاربة أو في أماكن مثل لبنان وغزة، ما سيعني انتكاس كل تقدم تم احرازه حتى الآن كما سيعني ارجاع الأطراف كافة الى المربع الأول. وفي خلفية هذا الأمر تكمن امكانية ان يدير الفلسطينيون أو الاسرائيليون - أو كلاهما - ظهورهم للسعي الى حل يقوم على أساس دولتين. وبطبيعة الحال فإن ذلك ستكون له عواقب سيئة على الجميع.
إن التوصل الى حل للقضية الفلسطينية سيكون له انعكاسات ايجابية على المنطقة. فهو سيحرر الحكومات العربية بحيث تصبح قادرة على دعم القيادة الأميركية في تعاملها مع المشاكل الاقليمية (الأخرى)، على غرار ما فعلته تلك الحكومات قبل غزو العراق. وعلاوة على ذلك فإن التوصل الى حل لتلك القضية سيبدد جزءاً كبيراً من الجاذبية التي يتمتع بها حزب الله وحركة حماس وهي الجاذبية التي تعتمد في استمراريتها على أزمة الفلسطينيين. وبشكل عام، فإن التوصل الى حل للقضية الفلسطينية سيؤدي الى احداث تغيير في المناخ النفسي السائد في المنطقة، وسيترتب على ذلك ارجاع ايران الى الوضعية الدفاعية ووضع حد لتبجحها.
ان العناصر الرئيسية لأي اتفاق سلام (اسرائيلي - فلسطيني) هي عناصر معروفة جيداً. وفي أي مبادرة جديدة، هنالك عنصر أساسي يتمثل في ضرورة أن يعلن الرئيس الأميركي على الملأ... ما ينبغي أن تكون هي المعايير الرئيسية لأي اتفاق سلام عادل ودائم. وينبغي ان تشتمل مثل تلك المعايير على أربعة عناصر أساسية ألا وهي أولاً حدود العام 1967 مع بعض التعديلات المحدودة والمتفق عليها من جانب الطرفين، وثانياً صرف تعويضات في مقابل تنازل اللاجئين الفلسطينيين عن حق العودة، ثالثاً اعتبار مدينة القدس موطناً حقيقياً لعاصمتين، ورابعاً تطبيع الدولة الفلسطينية.
وهنالك شيء آخر قد يكون مطلوباً للتعامل مع المخاوف الأمنية الاسرائيلية ازاء تسليم أراض الى حكومة فلسطينية غير قادرة على تأمين اسرائيل ضد الأنشطة الإرهابية. والواقع ان من الممكن التعامل مع ذلك الأمر عن طريق نشر قوة حفظ سلام دولية. كأن تكون قوة من حلف الناتو مثلاً - وهي القوة التي لن يكون من الممكن لها فقط أن تحل محل الأمن الاسرائيلي بل من الممكن لها ايضاً ان تتولى تدريب قوات فلسطينية كي تصبح كفؤة وفعالة.
وحتى وقتنا هذا، فإن ضعف الأطراف المتفاوضة تسبب في تقليص قدرتها على التوصل إلى اتفاق بأنفسها. ومن المؤكد ان الانتخابات المقررة في اسرائيل في فبراير المقبل ستكون عاملاً تعقيدياً تماماً مثلما هو الانقسام العميق القائم حالياً بين حركتي فتح وحماس. لكن اذا بدأت عملية السلام في كسب قوة دفع إلى الأمام، فإنه من الصعب ان نتصور ان حركة حماس سترغب في ان تصبح خارج اللعبة. وعلاوة على ذلك، فإن قوة الدفع تلك ذاتها ستقدم إلى الشعب الإسرائيلي فرصة فريدة كي يسجل آراءه حول مستقبل دولته.
ومن الممكن التغلب على مسألة ضعف الأطراف المتفاوضة من خلال قيام الرئيس (الأميركي) بالتحدث بوضوح وبحزم عن المبادئ الأساسية الخاصة بعملية السلام.
ان مثل هذه المبادرة من جانب الرئيس الأميركي ستسهم حتماً في بلورة دعم فوري على الصعيدين الداخلي والدولي، كما انها ستوفر تشجيعاً هائلاً للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وصحيح اننا نكون مستهزئين بالتاريخ اذا قلنا ان تحقيق حل ناجع لمثل هذه القضية الحرجة هو امر بسيط، لكن من جهات كثيرة يبدو الوضع الراهن على نحو يشير إلى ان فرصة النجاح لم تكن اكبر كما ان ثمن الفشل لم يكن افدح في أي وقت سابق.
> برينت سكوكروفت كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد وجورج بوش الأب. ويشغل سكوكروفت حالياً منصب رئيس «منتدى السياسة الدولية» ورئيس «مجموعة سكوكروفت».
* زبيغنيو بريجنيسكي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. وهو يشغل حالياً منصب عضو مجلس أمناء ومستشار لدى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية». > سكوكروفت وبريجنيسكي هما مؤلفا كتاب يحمل عنوان: «أميركا والعالم: حوارات حول مستقبل السياسة الخارجية الأميركية».