روسيا تتلقى «صفعات» في «سوتشي»




• ممثلو فصائل معارضة علقوا في المطار ورفضوا الرضوخ لـ «علم النظام»
• خلاف بين موسكو وأنقرة بسبب معراج أورال وآخر بين الروس ودي ميستورا
• رسالة بوتين للمؤتمر: الظروف متوافرة لطي صفحة مأسوية في تاريخ سورية
• مشاركون قاطعوا لافروف واتهموا روسيا بقتل السوريين
• البيان الختامي: لجنة لصياغة إصلاح دستوري وبناء جيش وطني موحد
سوتشي (روسيا) - وكالات - اختبرت روسيا، عملياً أمس، صعوبة أن تلعب دور «صانع السلام» في سورية بعدما لعبت دوراً أساسياً في الحرب إلى جانب نظام بشار الأسد وحلفائه.
فرغم أشهر طويلة من التحضيرات والمحادثات، خيّمت أجواء التوتر الشديد على «مؤتمر الحوار الوطني السوري» الذي نظمته روسيا في منتجع سوتشي الساحلي، بمشاركة مئات السوريين الممثلين للأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لكن بغياب عشرات الفصائل المقاتلة المعارضة و«هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة» السورية، الفريق المعارض الرئيسي، والإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على نحو 20 في المئة من الأراضي السورية.
وتلقت موسكو «صفعات عدة» قبل وخلال المؤتمر الذي بدأ ظهر أمس بعد تأخير نحو ساعتين ونصف الساعة، بسبب رفض ممثلين عن فصائل معارضة ناشطة في الشمال السوري، المشاركة، احتجاجاً على شعار المؤتمر الذي يتضمن العلم السوري وحده من دون علم الثورة.
وفور وصولهم إلى المطار، مساء أول من امس، عبر ممثلو الفصائل، بينها «الفرقة 13» المدعومة أميركياً، عن رفضهم لشعار المؤتمر الذي يحمل صورة العلم السوري بنجمتين خضراوتين، فيما تعتمد المعارضة السورية علماً مختلفاً يُعرف بـ«علم الثورة».
وبعد أكثر من 12 ساعة من الانتظار تخللتها اتصالات بين موسكو وأنقرة، أصدر الوفد بياناً حمّل فيه روسيا مسؤولية ما جرى.
وتلا أحد أعضاء الوفد أحمد طعمة البيان، فيما وقف الى جانبه أعضاء آخرون من الوفد يحملون «علم الثورة».
وجاء في البيان: «توجه وفد قوى الثورة والمعارضة السورية للمشاركة في مؤتمر سوتشي قادماً من أنقرة آملاً في دفع عملية السلم قدماً وتحقيق انتقال سياسي جاد ينقل سورية من الاستبداد الى الديموقراطية، لكننا فوجئنا أن أياً من الوعود التي قطعت لم يتحقق. فلا القصف الوحشي على المدنيين توقف، ولا أعلام النظام أزيلت عن لافتات المؤتمر وشعاره، فضلاً عن افتقاد أصول اللياقة الديبلوماسية من الدولة المضيفة».
وأضاف البيان «قرر الوفد عدم المشاركة في مؤتمر سوتشي ومقاطعته والعودة الى أنقرة، فيما سيبقى الوفد التركي متواجداً في سوتشي حاملاً مطالبنا ساعياً إلى تحقيقها».
وقال قائد «الفرقة 13» أحمد السعود «انتهت المفاوضات برفض قاطع لحضور سوتشي. ننتظر في المطار منذ نحو 12 ساعة، دفعنا ثمن موقفنا»، مضيفاً «هناك تقريباً 80 شخصاً من سياسيين وناشطين وفصائل، جميعهم هنا بصفة شخصية»، وينتظرون طائرة العودة الى تركيا.
من جهته، تحدث الناطق باسم الخارجية الروسية أرتم كوجين عن «مشاكل مع فصائل معارضة مسلحة قادمة من تركيا وضعت بعض المطالب أمام مشاركتها».
وعلقت في مطار سوتشي وشوارعها لافتات مرحبة بالوافدين السوريين كتب عليها عبارة «السلام للشعب السوري» باللغات العربية والروسية والانكليزية، تحت شعار المؤتمر المؤلف من حمامة بيضاء اللون تحمل العلم السوري.
وهناك سبب آخر أدى إلى تأخير افتتاح المؤتمر، تمثل بخلافات بين المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا وبين المسؤولين الروس بشأن لجان المؤتمر التي كان من المفترض أن تتشكل عبر المحادثات.
كما برز خلاف روسي - تركي تمحور حول معراج أورال الذي أرسله النظام السوري لحضور المؤتمر، وهو قائد ما يسمى «جبهة المقاومة الوطنية لتحرير لواء اسكندرون». وطالب الأتراك بإخراجه من القاعة باعتباره مطلوباً للقضاء التركي ومصنفاً إرهابياً.
وفي رسالة وجهها إلى المؤتمر، ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف في الجلسة الافتتاحية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إنه مؤتمر فريد من نوعه لأنه يجمع بين ممثلي أطياف اجتماعية وسياسية مختلفة للمجتمع السوري»، مشدداً على أن الشعب السوري وحده من حقه أن يقرر مصيره.
وأكد أن موسكو حاولت قدر الإمكان ضمان أوسع تمثيل في المؤتمر، بالتعاون مع شركائها في عملية أستانة، وهم أنقرة وطهران (الضامنتان)، والدول العربية المؤثرة وبلدان جوار سورية.
وإذ اعتبر أن المؤتمر «يهدف إلى توحيد الشعب السوري» و«يوفر فرصة جيدة للعودة إلى الحياة السلمية الطبيعية»، قال بوتين، في كلمته التي ألقاها لافروف، «يمكن التأكيد بثقة أن الظروف متوافرة اليوم لطي صفحة مأسوية في تاريخ سورية، وفي ظل المؤشرات الإيجابية المتبلورة نحتاج إلى الحوار السوري - السوري الفعال في الواقع بما يخدم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تلعب فيها الأمم المتحدة دوراً قيادياً، وعلى أساس القرارات الدولية المطروحة في هذا الشأن، وبالدرجة الأولى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254».
وأثناء إلقاء لافروف كلمته، علت هتافات من مشاركين في المؤتمر تطالب بوقف التدخلات الخارجية.
ووقف بعض الحاضرين وبدأوا في مقاطعته متهمين روسيا بقتل المدنيين في سورية بضرباتها الجوية.
وكان المؤتمر مُذاعاً على التلفزيون الروسي الرسمي الذي عرض لقطات لحارسي أمن يقتربان من أحد الحضور ويطلبان منه الجلوس.
في المقابل، ردد آخرون هتافات تأييد لروسيا، فيما طلب لافروف من الجميع إتاحة الفرصة له لينهي كلمته أولا.
وفي الجلسة نفسها، قال رئيس غرفة التجارة في دمشق غسان القلاع «لا أحد أحرص على سورية أكثر من السوريين... مستقبل سورية لن يقرره سوى السوريين».
وشارك في المؤتمر مئات الأشخاص من أحزاب ومجموعات معارضة بينها معارضة الداخل، وأخرى موالية ضمنها «حزب البعث» الحاكم وممثلون عن المجتمع المدني.
وحسب الإعلام الروسي، شارك في المؤتمر «1511 مندوباً، من بينهم 107 يمثلون الجماعات المعارضة السورية في الداخل والخارج».
ومن أبرز الوجوه المعارضة المشاركة، رئيس «تيار قمح» هيثم مناع، ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين، ورئيس «تيار الغد السوري» أحمد الجربا، و«منصة موسكو» برئاسة قدري جميل.
ولم تحجب مشاركة الأمم المتحدة ممثلة بدي ميستورا، حجم الغياب الدولي عن المؤتمر، الذي قاطعته دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
ومع نهاية المؤتمر مساء أمس، صدر بيان ختامي نص على اتفاق المشاركين في المؤتمر على تأليف لجنة دستورية من الحكومة والمعارضة بغرض صياغة إصلاح دستوري «يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254».
وأوضح البيان أن اللجنة الدستورية «ستضم، بالحد الأدنى، ممثلين للحكومة وممثلين للمعارضة المشاركة في المحادثات السورية السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء، مع إيلاء العناية الواجبة لضمان التمثيل الدقيق للمكونات العرقية والدينية في سورية، على أن يكون الاتفاق النهائي على ولاية ومراجع إسناد وصلاحيات ولائحة إجراءات ومعايير اختيار أعضاء هذه اللجنة الدستورية عبر العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف».
ولم يتطرق البيان إلى تغيير النظام السياسي أو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
ولفت إلى أن المشاركين اتفقوا على»بناء جيش وطني قوي وموحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفقا للدستور ولأعلى المعايير»، وأن مهمة الجيش المقبلة هي «حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب».